من منا لم يتساءل عن فوائد الحجامة التي تُعد من التقنيات الطبية التقليدية التي حافظَت على ظهورها عبر العصور، ولها وضع متميز في علاج كثير من الأمراض وتعزيز الصحة العامة. استُخدمت الحجامة في الطب النبوي ودعا النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى استخدامها.
تمت ممارسة الحجامة أيضًا منذ آلاف السنين في الثقافات المصرية والصينية والشرق أوسطية، على الرغم من أن آلية عملها غير مفهومة جيدًا. عاد الاهتمام بالحجامة إلى الظهور في الآونة الأخيرة بعد نشر العديد من الرياضيين والمشاهير صورًا لعلامات استخدام الحجامة على أجسادهم، كما بدأت أيضًا العديد من الدراسات في دراسة الآليات التي يقوم عليها العلاج بالحجامة.
في هذه المقالة، سنتناول فوائد الحجامة واستخداماتها المتعددة، بالإضافة إلى آلية عملها، وكيف لها أن تحسّن حياة الشخص بشكل ملموس، وما هي أفضل أيام الحجامة؟
ما هو العلاج بالحجامة؟
الحجامة (Cupping therapy) هي عملية علاجية تَستخدم كأسًا أو كوبًا من الزجاج، أو السيراميك، أو الخيزران، أو البلاستيك لإحداث شَفط على الجلد، ويُعد العلاج بالحجامة واحدًا من الأساليب القديمة لإخراج السموم من أنسجة الجسم وأعضائه. يقوم المعالِج عادةً بوضع لهب لداخل الكأس لإزالة الأكسجين وصُنع ضغط سالب داخل الكأس قبل وضع الكأس على الجلد مباشرة، مما يجعل الضغط السالب داخل الكأس يجذب الجلد إلى الكأس. تحتوي بعض الكؤوس الآن على جهاز شفط يشدّ الجلد إلى الكوب بحيث لا يكون تسخين الكأس ضروريًا. يُسبب ذلك سحب الأنسجة الموجودة أسفل الكأس وتورمها، مما يؤدي إلى زيادة الدورة الدموية في المنطقة المصابة حيث يتم وضع الكؤوس. يُعتقد أن تدفق الدم تحت موضع الكؤوس يعمل على سحب الشوائب والسموم بعيدًا عن الأنسجة والأعضاء القريبة نحو السطح للتخلص منها، وقد يخفف هذا من توتر العضلات ويعزز إصلاح الخلايا.
أنواع الحجامة
للحجامة تصنيفات وأنواع مختلفة، لكنْ هناك نوعان رئيسيّان من الحجامة:
- الحجامة الجافة: يتم فيها شفط الهواء الموجود داخل كؤوس بلاستيكية أو زجاجية، أو تفريغه عن طريق وضع الكأس على الجلد. في معظم الحالات، يمكن استخدام الكؤوس أثناء الراحة أو أثناء الحركة.
- الحجامة الرطبة: تسبب الحجامة الرطبة شفطًا خفيفًا عن طريق ترك الكأس في مكانه على الجلد لمدة 3 دقائق تقريبًا. بعد ذلك يزيل المعالِج الكأس ويَستخدم مشرطًا صغيرًا لعمل جروح سطحية وصغيرة على الجلد. بعد ذلك، يقوم بعملية شفط ثانية لسحب كمية صغيرة من الدم.
تشمل الأنواع الأخرى من ممارسات الحجامة ما يلي:
- الحجامة بالإبر: مزيج من الوخز بالإبر والحجامة.
- الحجامة التدليكية أو المتزحلقة.
- حجامة الوجه.
- الحجامة بالقرون. (في إندونيسيا)
طريقة عمل الحجامة:
على الرغم من أن آلية عمل الحجامة لتقليل الألم غير مفهومة جيدًا، فإن هناك نظريات رئيسية محتملة قد تشرح آليات تقليل الألم، وتشمل هذه النظريات:
- نظرية بوابة الألم: توضّح هذه النظرية كيفية انتقال الألم من موقع الإصابة إلى الدماغ، وكيفية معالجته هناك، إذ يرسل الدماغ إشارات واقية إلى المنطقة المصابة. الأضرار الموضعية في الجلد والأوعية الدموية تثير الألم، ويعتمد هذا التفسير على فكرة عصبية، إذ تؤثر الحجامة في معالجة إشارات الألم في الحبل الشوكي والدماغ وتغلق بوابات الألم الشديد، مما يقلل من الشعور بالألم. تشير بعض الأبحاث إلى فعالية الحجامة كعلاج محتمل للألم المزمن. تنقل بعض الألياف العصبية (مثل اللمس والضغط والتشريط بالحجامة) إشارات الألم الخفيف إلى الحبل الشوكي بشكل أسرع من الألياف العصبية التي تنقل الألم الشديد، وتؤثر خلايا النقل العصبي على معالجة هذه الإشارات. كما يشير البعض إلى أن الحجامة وغيرها من العلاجات المنعكِسة تنشِّط الألياف العصبية الناقلة للألم، مما يؤدي إلى إغلاق بوابات الألم، وبالتالي تخفيف الشعور بالألم.
- نظرية إطلاق أكسيد النيتريك: أكسيد النيتريك هو مادة تؤثر على توسّع الأوعية الدموية وتنظم تدفق الدم، كما تلعب دورًا مهمًا في تنظيم ضغط الدم واستجابات الجهاز المناعي وقتل البكتريا، بالإضافة إلى دورها في التواصل العصبي وتنظيم الوظائف الفسيولوجية المتعددة. تشير الأبحاث إلى أن العلاج بالحجامة يمكن أن يحفز إطلاق أكسيد النيتريك من الخلايا البطانية في الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى تحفيز بعض التغيرات البيولوجية المفيدة، فيما يُعرف بنظرية إطلاق أكسيد النيتريك وزيادة الدورة الدموية.
ماذا تفعل الحجامة في الجسم؟
هناك نظريات أخرى تفسِّر طريقة عمل الحجامة في الجسم، وتشمل:
- تنشيط الجهاز المناعي ورفع كفاءة الخلايا التائية المناعية والخلايا القاتلة الطبيعية.
- تحفيز إطلاق السيروتونين وتحسين الحالة المزاجية.
- إزالة السموم من الجسم.
ما استخدامات الحجامة؟
تُستخدم الحجامة لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض والحالات الطبية المختلفة:
- أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
- التهاب المفاصل الروماتويدي.
- مرض السكري.
- الاضطرابات العقلية.
- العدوى، مثل الهربس النطاقي.
- الصداع بأنواعه، مثل الصداع النصفي.
- آلام الرقبة وأسفل الظهر، وآلام الركبة.
فوائد الحجامة
الفوائد المفترَضَة للحجامة عديدة في الجسم، وتشمل:
- تحسين التمثيل الغذائي في أنسجة الجلد، وتحسين أداء الغدد الدهنية والعَرَقية، وتحسين مقاومة الجلد.
- تحفيز تدفق الدم للعضلات والمفاصل، وزيادة إفراز السائل الزلالي.
- زيادة إفراز السوائل الهضمية، وتحسين الهضم والإخراج.
- تحسين الدورة الدموية، وتحسين أداء خلايا الدم الحمراء وخلايا الدم البيضاء.
- تحفيز الأعصاب الحسية للجلد، وتحسين الجهاز العصبي الذاتي.
ما هي فوائد الحجامة عند الرجال؟
تشمل فوائد الحجامة للرجال علاج العديد من الأمراض الجلدية وأمراض القلب، بالإضافة إلى تهدئة الأعصاب، وتحسين الدورة الدموية في العضلات. تعمل الحجامة أيضًا -كما ذكَرنا- على تحفيز إطلاق أكسيد النيتريك، الذي يساعد في علاج مشكلات الضعف الجنسي، وتحسين الانتصاب. من ضمن الفوائد المفترضَة للحجامة عند الرجال والنساء -خصوصًا الحجامة الرطبة- أنها قد تساعد في تحسين الخصوبة للرجال والنساء، كما تُحسّن الدورة الدموية وتحسّن توصيل الأكسجين إلى الأعضاء التناسلية، وتُحفّز عملية الإباضة عند المرأة. كما قد تساعد الحجامة أيضًا على تحسين نوعية الحيوانات المنوية وحركتها عند الرجال.
الآثار الجانبية للحجامة:
العلاج بالحجامة آمن نسبيًا وقليل المخاطر، وعادةً لا توجد أي آثار جانبية إذا تم عمل الحجامة عند متخصص وفى المكان السليم. الآثار الجانبية غير متكررة، ولكنها ليست نادرة، ومعظمها خفيفة إلى معتدلة في شدتها. تظهَر الآثار الجانبية أثناء العلاج أو بعده مباشرة، وتشمل:
- الدوار.
- الدوخة.
- التعرق.
- الغثيان.
- الإصابة بالعدوى.
- تهيج الجلد.
- الحروق، بسبب الكؤوس الساخنة.
- البثور.
- الإجهاد.
- الصداع.
- ظهور ورم دموي صغير في موضع الحجامة.
- الألم في موقع الحجامة.
- الحكة.
- الشد العضلي.
ما هي موانع استعمال الحجامة؟
يمكن تصنيف موانع العلاج بالحجامة إلى موانع مطلقَة ونسبيّة. لا تتوفر معلومات كافية تنصّ على سلامة العلاج بالحجامة في بعض الحالات مثل مرض السرطان، والفشل الكلوي، والفشل الكبدي، وفشل القلب، على الرغم من وجود نظريات توضح فوائد الحجامة لمثل هذه الحالات. بشكل عام يُمنع استخدام الحجامة مباشرة على الأوردة، والشرايين، والأعصاب، والالتهابات الجلدية، والعيون، والغدد الليمفاوية أو الدوالي، كما يُمنع استخدام الحجامة عند المرضى الذين يعانون من:
- جرح مفتوح أو قرحة.
- كسر في العظام أو خلع في المفصل.
- الهيموفيليا أو حالات مماثلة مثل اضطرابات النزيف والأنيميا الشديدة.
- ضمور العضلات.
- وجود خراج أو تورم زائد.
- المرضى أقل من 7 سنوات (للحجامة الرطبة).
- المرضى أقل من سنتَين (للحجامة الجافة).
- المرضى الذين يستخدمون جهاز تنظيم ضربات القلب.
ما هو أفضل وقت للحجامة؟
يظن الكثير أنه لا بد من عمل الحجامة في اليوم السابع عشر أو التاسع عشر أو الحادي والعشرين من الشهر الهجري، وأن هذه أفضل أيام الحجامة، لكن يمكن عمل الحجامة في أي وقت. بالتأكيد هذه الأيام مميزة بسبب توصية النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أيضًا لم يَنهَ النبي عن غيرها، فليس من المنطقي تأجيل عمل الحجامة لعلاج الآلام مثلًا لكي ننتظر أحد هذه الأيام.
ما هي فوائد وأضرار الحجامة؟
يُعتقد أن للحجامة عدة فوائد منها:
- تقليل الألم والالتهابات.
- تحسين تدفق الدم.
- تُستخدم للاسترخاء، وتدليك الأنسجة العميقة.
- تعد علاجًا آمنًا، غير جراحي، وغير مكلف.
- تجديد أعضاء الجسم.
- تسهيل عملية الشفاء، وتقوية جهاز المناعة.
على الرغم من عدم وجود أي أضرار أو آثار جانبية خطيرة للعلاج بالحجامة، فإن بعض المرضى قد يعانون من الغثيان أو التعرق أو الدوخة، بالإضافة إلى ألم خفيف في المواضع التي تُستخدم فيها الحجامة، كما تترك الحجامة علامات مؤقتة على الجلد.
ما هي أفضل المواقع في الجسم لعمل الحجامة؟
يتم اختيار أماكن العلاج بالحجامة وفقًا للمرض المعالَج. يعتبَر الظَّهر هو الموقع الأكثر شيوعًا للتطبيق، يليه الصدر، والبطن، والأرداف، والساقين. ويمكن أيضًا علاج مناطق أخرى، مثل الوجه. بالتالي فإن تحديد مواقع الألم له دور في تحديد مواقع العلاج بالحجامة، لكن يُعتقَد أيضًا أن رفع كفاءة الجهاز المناعي ممكن عن طريق العمل على خريطة الأعصاب، وتطبيق الحجامة على الظهر.
ما عدد الكؤوس المستخدمة لعمل جلسة الحجامة؟
يَعتمد عدد الكؤوس على حَجم الجسم ومكان التطبيق. عادةً ما يتم استخدام أربعة إلى 10 كؤوس في وقت واحد. يجب أن تكون المناطق المختارة للعلاج بالحجامة مستوية؛ وعادة ما تكون فوق العضلات الكبيرة، وذلك لضمان التثبيت الجيد للكأس.
من يمكنه إجراء العلاج بالحجامة؟
تُعتبر الحجامة طريقة سهلة وآمنة جدًّا للممارَسة، وبالتالي يمكن لأي شخص القيام بها. في حال كانت ضمن ممارسة صحية منظمة، فيجب الالتزام بالموانع والتشريعات الموضحة في نطاق الممارسة. إذا لم يتلق المعالِج تدريبًا على إحدى أساليب العلاج، أو لم يتلق تدريبًا إضافيًّا لعلاج حالات معينة، فيجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
ختامًا:
يبدو أن الحجامة ليست مجرد تقنية طبية، وإنما هي تراث عميق يعكس تواصل الإنسان مع جسده وتاريخه. ومع تطور العلوم الطبية، تظل الحجامة خيارًا فعّالًا لعلاج العديد من الأمراض والشفاء الطبيعي، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من مجالات الطب البديل في العالم المعاصر. لكن، تجب معرفة أن الحجامة تعتبر علاجًا مساعدًا فقط في معظم الحالات التي تم ذكرها في هذه المقالة، وليست علاجًا سحريًّا. ومع ذلك، قد تُعتبر الحجامة علاجًا سحريًّا لآلام العظام وأسفل الظهر والرقبة، فهي فعالة جداً في علاج الألم، وهذا مثبت علميًا، لأن آلية عملها -كما ذكرنا- عن طريق إغلاق بوابات الألم، وبالتالي اختفاء الشعور بالألم. وفى النهاية، يمكن لأي شخص تجربة الحجامة لدى معالِج موثوق، فهي على الأقل إن لم تُفد فلن تضر.