"صمت مريرْ..
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ..
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ..
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ..
الميّتُ من سيؤبّنُهُ..
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ..
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ..
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ..
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ..
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ..
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ..
الموتُ.. الموتُ.. الموتْ..
يا مصرُ شعوري مَزَّقَـهُ ما فعلَ الموتْ..
ووباء الكوليرا هذا الذي كتبت عنه الشاعرة نازك الملائكة كان الثالث الذي يضرب مصر في خمسين سنة تقريبا، وإن كان ذلك الأخير قد خلف عشرين ألف قتيل، فقد خلف الأول أربعين ألف قتيل، والثاني خمسة وثلاثين ألفاً.
ولكن ما حاجتنا الآن لتذكر تلك الأيام الكئيبة واستعادة أحزان ولت، ونتصور لفرط سذاجتنا أنها لن تعود، هل هناك أي احتمالية لعودة تلك الأيام السوداء؟ هل بتنا على أعتاب وباء مماثل؟ يبدو أن الأمر بالفعل بات قريبا، من هذا تحذر منظمة الصحة العالمية، وتسعى جاهدة للسيطرة على الأمر.
فإذا كانت منظمة الصحة تقوم بدورها، فهل هناك ما يمكننا فعله كأفراد؟ وماذا علينا نحن أن نفعل كأفراد لنتجنب خطر ذلك الموت الذي بات يطرق أبواب عالمنا في قوة، ما لم نتكاتف جميعا أفرادا ومجتمعات ومؤسسات؟
- ما هو الوباء المتوقع؟
قديما مثلت البكتريا السبب الرئيسي لمعظم الأوبئة القاتلة، كالكوليرا والطاعون، كما كان تلوث بسيط لجرح يمكن له أن يتحول بسهولة إلى غرغرينا، أو تسمم بالدم ويؤدي إلى الوفاة، إلا أن تلك الخطورة للبكتيريا تراجعت كثيرا مع اكتشاف المضادات الحيوية؛ فأصبح من السهل كثيرا إيقاف الجوائح البكتيرية، بل وتحصين المعرضين للإصابة بجرعات احترازية من المضادات الحيوية، مما خفض كثيرا من مخاطر البكتريا، وجعل أغلبنا يطمئن إلى أنه متى أصيب بعدوى بكتيرية فنسب الشفاء عالية، وما دامت صحته العامة ومناعته جيدة؛ فشفاؤه شبه مؤكد، وتحولت أمراض ومضاعفات خطيرة ومميتة وعناء كبير، مثل مرض الزهري، إلى تاريخ.
وهو ما جعل الجميع وعلى رأسهم وسائل الإعلام تنتظر الجائحة القادمة في عدوى فيروسية، قد تنتقل من أحد الحيوانات إلى البشر، مثلما فعل الإيدز أو تفعل الإيبولا، فالأول انتقل إلينا من القردة والثاني من الخفافيش.
هكذا تتحرك كل وسائل الإعلام في لهاث لملاحقة إنفلونزا الطيور أو الخنازير، ويترقب الجميع في قلق تحولها إلى وباء.
- الخطر قادم من جهة أخرى
إلا أنه وبحسب تحذيرات متتالية من منظمة الصحة العالمية، والمختصين والعاملين بالمجال الصحي خاصة في مجال مكافحة العدوى، أو مع مرضى الحالات الحرجة، ورغم أن خطر الفيروسات موجود بالفعل، وانتقال أمراض غير تقليدية من الحيوانات للبشر أمر يجب الانتباه له، لكن الكارثة تدق الأبواب من حيث لا نحتسب.
تشير كافة الدلائل إلى أن هناك بكتيريا قد بدأت تظهر مقاومة لكافة المضادات الحيوية التي نعرف.
- منظمة الصحة العالمية تتحرك
مؤخرا لم تعد منظمة الصحة العالمية تكتفي بإطلاق التحذيرات، وهو ما يعكس خطورة الموقف، ويدل على أن الكارثة بالفعل وشيكة جدا، وفي حاجة لتضافر كل الجهود.
حيث وضعت منظمة الصحة العالمية قائمة بالبكتريا الممرضة، ورتبتها وفقا للحاجة العاجلة لإيجاد مضادات حيوية جديدة ضدها، كما أنه وفي غضون أيام سيجتمع مسؤولون عن الصحة من مجموعة العشرين لوضع مخطط لتمويل أبحاث لإيجاد تلك المضادات، التي بتنا نحتاجها بشكل عاجل، وهي خطوة تعكس تطورا كبيرا، فالأمر لم يعد متروكا للأبحاث الفردية أو لتوجهات سوق الدواء بل يجب توجيهه ومراقبته وتمويله بشكل مركزي ومؤسسي وفاعل.
اقرأ أيضاً:
أول قائمة دولية للبكتيريا الخطيرة
6 إجراءات للتعامل السليم مع المضادات الحيوية
مقاومة المضادات الحيوية.. الإنسان يدمر دواءه
مرض السل.. والسل المقاوم للعقاقير (ملف)
اكتشاف بكتيريا قاتلة مقاومة للمضادات الحيوية
البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.. خطر يهدد العالم
استشارات ذات صلة:
جرثومة المعدة مستمرة.. رغم العلاج