يمكن أن يتخذ النيتروجين أشكالًا مختلفة في الطبيعة، وهو مهم للحياة في كل من النباتات والحيوانات. النترات هي أكثر أنواع النيتروجين شيوعًا، والنترات عبارة عن مجموعة من المركبات غالبًا ما ترتبط باللحوم المعالجة، إلا أن الخضار الورقية الخضراء هي في الواقع أكثر ثراءً بالنترات.
في حين أن ارتباط النترات باللحوم المصنعة يجعل البعض يقلق بشأن آثارها المسببة السرطان، تظهر دراسات أخرى أن النترات الموجودة في الخضار قد تساعد في الواقع في تقليل خطر الإصابة بالسرطان. تشير الدراسات إلى أن تناول الأطعمة الغنية بالنترات الطبيعية يمكن أن تساعد في تقليل مخاطر الإصابة بعدد من الحالات الصحية المزمنة، في حين أن تناول الأطعمة الغنية بالنترات المضافة يمكن أن يسبب مخاطر صحية.
ما هما النترات والنتريت؟
النترات والنتريتات هي مركبات كيميائية موجودة بشكل طبيعي في التربة والمياه والنباتات، وحتى في داخل أجسامنا. أحد أكثر أشكالها شيوعًا هو الملح الطبيعي المسمى بنترات الصوديوم، وهو فعال بشكل استثنائي في حفظ اللحوم، وقد استخدم لهذا الغرض منذ زمن بعيد. ولكن قرب بداية القرن العشرين، توصل منتجو اللحوم إلى اكتشاف مهم، وهو أنه عندما تتفاعل نترات الصوديوم مع البكتيريا في اللحوم، فإنها تتحول إلى نتريت الصوديوم.
وفي يومنا الحالي، تتخطى معظم المصانع تقريبا هذا التحول البكتيري وتضيف نتريت الصوديوم الاصطناعي مباشرة إلى اللحوم المعالجة.
من بعض النواحي، فإن هذا أمر جيد، حيث يحافظ النتريت على الدهون في اللحم من التعفن في حين يمنع نمو البكتيريا الخطيرة مثل الليستيريا والبوتولينيوم. ولكن اكتشف الباحثون، في السبعينيات، أنه عندما يجرى تسخين اللحم الذي يحتوي على نتريت الصوديوم إلى درجة حرارة أعلى من 130 درجة مئوية، فإنه يخلق مادة النيتروزامين المُسرطنة. وأدى ذلك إلى قيام وزارة الزراعة الأميركية بالحد من كمية النتريت التي تمكن إضافتها إلى اللحوم المُعالجة، وإلى أن تطلب شمول جميع المنتجات المُحتوية على النتريتات على فيتامين (ج) لأنه يمنع تكوين مادة النيتروزامين المُسرطنة. ومع ذلك، صنفت منظمة الصحة العالمية WHO في عام 2010 النترات والنتريتات المستهلكة موادَ مسرطنة للبشر.
على الرغم من كل الذي أثير حول النترات والنتريت والنيتروزامين، فإن اللحوم المُعالجة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة لا تزيد عن 6% من مدخول النترات الغذائية. حيث يأتي حوالي 80% من النترات التي نستهلكها من الخضار، وفقا لأرقام المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض CDC (حوالي 21% يتم حسابها من مياه الشرب). ويعتبر الكرفس والخضراوات الورقية والبنجر والبقدونس والكراث والملفوف والشمر من المصادر الأكثر احتواءاَ على النترات، ولكنك ستحصل على بعض النترات من أي نبات تأكله تقريباً.
السبب أن النباتات تحتوي على مثل هذا القدر الكبير من النترات هو أن النباتات تلتقط النترات من التربة، ومن الأسمدة النيتروجينية، ومن الماء وغاز النيتروجين الموجود في غلافنا الجوي. عندما نتناول النترات الموجودة في النباتات، فإن البكتيريا الموجودة في أفواهنا تحولها إلى نتريتات، ثم يجرى امتصاصها وتخزينها في خلايانا حتى تتحول إلى أكسيد النتريك، وهو مركب أثبت قدرته على إرخاء الأوعية الدموية والزيادة من تدفق الدم.
ينتج جسمك ملليغراما واحدا من النتريت بشكل طبيعي في مقابل كل كيلوغرام من وزن الجسم.
بعض الباحثين قد وجدوا روابط، و لكنها ليست روابط مباشرة ما بين الاستهلاك العالي للنتريت وبين بعض مخاطر مرض السرطان. هذا ما دفع مجموعة العمل البيئي (EWG) إلى أدراج النترات والنتريت في القائمة الخاصة بالمواد المضافة الغذائية الخطيرة، وتقول (EWG) هناك بعض الأدلة الوبائية التي تشير إلى أنه عند إضافة النتريتات إلى الأطعمة، قد تترافق هذه المركبات مع سرطان المريء أو المعدة.
لكن هناك بعض الباحثين الآخرين الذين يدعون إلى إعادة تصنيف النترات الغذائية واعتبارها نوعاً من المواد الغذائية، وليس مادة قد تؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان.
لذا لا توجد إجابة بسيطة ومطلقة على سؤالنا حول ما إذا كانت النترات والنتريتات نعمة أم نقمة، لأن الأمر يعتمد بشكل كبير على الأطعمة التي تأتي منها وعلى البشر الذين يتناولونها. لذا سننتظر المزيد من الأبحاث.
لماذا تضاف النترات والنتريت إلى الطعام؟
غالبًا ما يضيف منتجو الأغذية النترات والنتريت إلى اللحوم المصنعة مثل لحم اللانشون والسلامي، والنقانق ولحم الخنزير المقدد والهوت دوج.
تساعد هذه المركبات المضافة على:
- منع نمو البكتيريا الضارة و المسببة رائحةً كريهةً، وبالتالي يُمنع اللحم من التحلل.
- إضافة نكهة مالحة.
- تحسين مظهر اللحوم بإعطائها اللون الأحمر أو الوردي، من دون النتريت والإضافات الأخرى ، يتحول اللحم إلى اللون البني بسرعة.
أين توجد النترات والنتريت؟
1-فى الخضراوات
قد وجد أن الخضراوات هي المصدر الرئيسي للنترات في النظام الغذائي، وأنها توفر أكثر من 80% من هذه المركبات في المتوسط ، ويتوفر النتريت بشكل أساسي (69%) من اللحوم واللحوم المصنعة.
توجد النترات في الخضراوات الطازجة، ولا يوجد النتريت إلا بكميات صغيرة. ومع ذلك، فإن تركيزها يزداد مع التخزين. كمية كبيرة من النترات في الخضار ترجع إلى استخدام الأسمدة الاصطناعية.
يعتمد محتوى النترات أيضًا على أنواع النباتات والظروف البيئية، وتنقسم الخضار إلى فئات حسب محتواها من النترات:
- خضراوات تحتوي على كميات صغيرة مثل الطماطم والخيار والفلفل والبازلاء والفاصوليا الخضراء.
- خضراوات تحتوي على كميات متوسطة مثل الجزر والبقدونس والكرفس.
- خضراوات تحتوي على كميات كبيرة، مثل الخس والسبانخ والملفوف المبكر والفجل والشمندر والبطاطس.
توجد أكبر كمية من النترات في الخضراوات الجذرية والدرنات، وفي الخضراوات المعدّة للحصاد المبكر. يمكن أن تتراكم هذه المركبات في أجزاء مختلفة من النبات.
بشكل عام، يمكن افتراض أنه كلما كان الجزء النباتي أكثر سمكاً وصلابة، زادت كمية النترات التي يحتوي عليها. على سبيل المثال، يحتوي الخيار على أعلى نسبة في القشر، وفي البروكلي والقرنبيط - في الساق، وفي الملفوف - في القبة وأبعد الأوراق، وفي الجزر - في نهاية الجذر.
2- في مياه الشرب
تتحول معظم المواد النيتروجينية في المياه الطبيعية عموما إلى نترات، لذلك يجب اعتبار النيتروجين العضوي والأمونيا مصدري نترات محتملين.
ينشأ أصل النترات في المياه الجوفية من الأسمدة وأنظمة الصرف الصحي وعمليات تخزين السماد أو نثره. النترات الأولية غير العضوية التي قد تلوث مياه الشرب هي نترات البوتاسيوم ونترات الأمونيوم، وكل منهما يستخدم على نطاق واسع كأسمدة.
تقضي أنظمة الصرف الصحي على 50% فقط من النيتروجين في مياه الصرف الصحي، ويُمرر النصف الآخر لتصفية المياه الجوفية، وبهذه الطريقة ترفع تركيزات نترات المياه الجوفية.
3- الأطعمة التي تحتوي على النترات المضافة
تحتوي العديد من اللحوم المصنعة على نسبة عالية من النترات. في حين أن هذه النترات مفيدة في الحفاظ على لون الطعام وتحسينه، إلا أنها ليست جيدة لصحتك. توصي العديد من الدراسات بإضافة فيتامين ج إلى اللحوم المقددة التي تحتوي على نسبة عالية من النترات لمنع تكوّن مركبات النتريت الضارة، وهذه الأطعمة الأربعة هي من أسوأ الأطعمة التي تحتوى على النترات المضافة:
لحم الخنزير المدخن
غالبًا ما يكون لحم الخنزير المدخن أعلى مصدر للنترات الغذائية. تحتوي الحصة الواحدة (100 غرام) من لحم الخنزير المدخن على 890 ميكروغراما من النترات.
لحم الخنزير المقدد
يحتوي لحم الخنزير المقدد على ما يصل إلى 380 ميكروغراما من النترات لكل 100 غرام من الوزن. كما أنه يحتوي على نسبة عالية من النتريت بشكل لا يصدق. هذا هو مصدر اللون الوردي الأيقوني للحم الخنزير المقدد.
اللحوم الباردة
اللحوم الباردة هي مصدر رئيسي آخر للنترات الضارة. تحتوي اللحوم الباردة المعالجة في المتوسط على ما يصل إلى 500 ميكروغرام من النترات لكل 100 غرام من اللحم، بينما تحتوي اللحوم الباردة غير المجهزة على حوالي 300 ميكروغرام من نفس الكمية من اللحوم.
النقانق
تعتبر النقانق من أكثر مصادر اللحوم معالجة في السوق. يحتوي الهوت دوج المتوسط على حوالي 50 ميكروغراما من النترات لكل 100 غرام من اللحم، والتي تحمل حوالي 9 مغم من النتريت.
هل النترات والنتريت في الأطعمة ضارتان؟
بسبب الاختلاف في التركيب الذري، تتفاعل النترات والنتريت بشكل مختلف في جسمك. تقوم البكتيريا الموجودة في الفم والأمعاء باستقلاب النترات من مصادر الغذاء وتحويلها إلى نتريت.
من هنا، هناك نوعان من التفاعلات التي تحدث أثناء الهضم والتي قد تكون مسؤولة عن إحداث الآثار الضارة، وهي:
- وجود البروتين: عندما تُبتلع هذه النتريتات وتتلامس مع الطبيعة الحمضية للمعدة، يُنتج مركب جديد يسمى حمض النيتروز. يتفاعل هذا المركب بعد ذلك مع الأمينات الموجودة في البروتين ليتكون مركب النيتروزامين الذي له تأثيرات مسرطنة .
- وجود مضادات الأكسدة: مضادات الأكسدة الموجودة بشكل طبيعي في الخضراوات بجانب النترات تساعد على منع تكون النيتروزامين، لذلك فإن النترات الموجودة في الفواكه والخضراوات ليست مقلقة على صحتك. ومع ذلك، فإن النتريت الموجود في اللحوم المعالجة، والذي لا يأتي أيضًا مع مضادات الأكسدة وله التأثيرات المركبة للبروتين الذي يجعله أكثر عرضة لإنتاج النيتروزامين، قد تكون له آثار ضارة على صحتك.
سمية النترات والنتريت
تعتبر النترات آمنة بشكل عام للبشر، وتصبح النترات سامة في الجرعات العالية جدًا.
يمكن أن تكون مركبات النيتروجين سامة للإنسان، وبالتالي فإن لائحة مفوضية الاتحاد الأوروبي لعام 2006 حددت بدقة الحد الأقصى لمحتوى النترات والنتريت في المنتجات الغذائية. وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن المدخول اليومي المقبول (ADI) للنترات هو 5 ملغم/ كغم من وزن الجسم، وللنتريت 0.1 ملغم/ كغم من وزن الجسم.
ويرجع ذلك إلى حقيقة أن النترات في حد ذاتها ليست سامة للإنسان، ولكن في البيئة الحمضية للمعدة عند درجة الحموضة أقل من 4، وأيضا تحت تأثير البكتيريا التي تعيش في الجهاز الهضمي، تتحويل إلى نتريتات، ما يشكل خطورة على الصحة.
كيف تؤثر النترات على ضغط الدم وصحة القلب؟
الفوائد الصحية المتعلقة بالنترات، خاصة تلك التي تحدث بشكل طبيعي في الأطعمة، إذ إن النترات والنتريت الغذائية تتحول إلى أكسيد النيتريتك، وهو جزيء مهم يساعد على تمدد الأوعية الدموية ويقلل من ضغط الدم.
أظهرت الدراسات أن الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من النترات والنتريت، مثل جذر الشمندر أو عصير الشمندر، يمكن أن تقلل من ضغط الدم. في إحدى الدراسات، انخفض ضغط الدم بما يصل إلى 4-10 ملم/ زئبق على مدى بضع ساعات.
ارتفاع ضغط الدم هو عامل خطر رئيسي لأمراض القلب والسكتة الدماغية، وهي حالات شائعة يمكن أن تهدد الحياة.
مخاطر النترات والنتريت
زيادة خطر الإصابة بالسرطان
تنصح الهيئات الصحية في التركيز على الحياة النظيفة، ما يشير إلى أن الامتناع عن تناول أطعمة معينة قد يكون ضروريا لتجنب بعض أنواع السرطان.
ووجدت دراسة فرنسية، أجريت على أكثر من 100 ألف فرد، أن الأفراد الذين يستهلكون النترات بانتظام يزيد لديهم خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 25%. ومع ذلك، كان خطر الإصابة بسرطان البروستات أعلى بنسبة 60% تقريبا بين الأفراد الذين يستهلكون بانتظام المنتجات الغذائية المحتوية على النتريت، ولم تجد النتائج أي ارتباط بين النترات أو النتريت التي تتكون بشكل طبيعي وتطور السرطان.
وتكهن الباحثون بأن المواد الحافظة قد تؤدي إلى تكوين مركبات النيتروزامين، التي لها تأثير مسرطن محتمل على البشر.
تم ربط النتريت بزيادة خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان، حيث حذرت منظمة الصحة العالمية من مخاطر استهلاك المواد المضافة في ظل عدم وجود مضادات الأكسدة. وهذا لأنه ثبت أن مضادات الأكسدة تمنع تكوين مركبات النيتروزامين المسببة السرطان.
وفي حين ربطت مضافات النتريت بالسرطان، فإن النتريت الموجود بشكل طبيعي يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض مزمنة.
وفي الواقع، هناك أدلة على أنها توفر الحماية الكافية ضد حالات معينة مثل ارتفاع ضغط الدم، لأنها تتحول إلى أكسيد النيتريك في الجسم وتوسع الأوعية الدموية.
قد تسبب مخاطر للأطفال الرضع
تعتبر النترات من الأسباب الشائعة للأمراض عند الرضع الذين لا تزيد أعمارهم عن ستة أشهر. تسبب النترات اضطرابًا في الدم حيث يُنتج الهيموغلوبين غير الطبيعي، المسمى ميثيموغلوبين. يمكن أن يحمل الميثيموغلوبين الأكسجين في جميع أنحاء الجسم؛ ومع ذلك، لا يستطيع الميثيموغلوبين إطلاق الأكسجين بشكل فعال إلى أنسجة الجسم.
يُطلق على هذا الاضطراب طبيًا اسم Methemoglobinemia أو يُسمى عادةً "متلازمة الطفل الأزرق"، ويرجع حدوث الميثيموغلوبين إلى أكسدة الحديد في الهيموجلوبين.
الخلاصة
- النترات والنتريت مركبات توجد بشكل طبيعي في جسم الإنسان وبعض الأطعمة. تُضاف أيضًا إلى بعض الأطعمة المصنعة لإطالة العمر الافتراضي.
- يمكن أن تتحول إلى أكسيد النيتريك، وتوسع الأوعية الدموية، وتخفض ضغط الدم.
- ومع ذلك، يمكن أن تتكون مركبات النيتروزامين المسببة السرطان إذا قمت بطهي النترات أو النتريت على حرارة عالية، ما يشكل خطرًا على الصحة.
- بسبب اللوائح الصارمة، يوجد عدد أقل من النتريت في الأطعمة المصنعة اليوم، حيث يتعين على الشركات المصنعة الحد من الكمية التي تستخدمها.
- يمكنك تقليل مخاطر التعرض للنيتروزامين عن طريق اختيار منتجات اللحوم المصنعة بعناية، والتي تحتوي على نسبة منخفضة من الإضافات التي تحتوي على النترات.
المصادر
re Nitrates and Nitrites in Foods Harmful? - Healthline
Dietary nitrates, nitrites, and cardiovascular disease. Curr Atheroscler Rep. 2011
Cured meat products without direct addition of nitrate or nitrite: what are the issues? ELSEVIER.