ثمة مفهوم خاطئ لدى كثير من العائلات، وهو أنه طالما كان عصير الفاكهة طبيعيّاً 100% فإن فوائده تبرّر إعطاء كميات غير محدودة منه للطفل لتزويده بحاجته من السوائل والفيتامينات. وتدخل الشركات المنتجة لهذا العصير على الخطّ، فتدلي بدلوها من خلال حملاتها الإعلاميّة التي تربط بين هذه المادّة من جهة والفيتامينات (خصوصاً الفيتامين C) وصحّة الطفل ونضارته من جهة أخرى، بحيث لا يخلو إعلانٌ تجاريّ من هذا النمط من صورة طفل رياضيّ موفور الصحّة يمسك بيده كأساً من عصير البرتقال أو التفّاح أو غيرهما!
اقــرأ أيضاً
* فماذا يقول العلم في هذا المجال؟
إن جميع الدّراسات تبيّن أن عصير الفاكهة، حتى الطبيعي منه، يحوي كميّات كبيرة جدّاً من السكّريّات، وكثيراً ما تتجاوز الكميّات الموجودة في المشروبات الغازيّة، وهذا يحتّم علينا تحديد الكميات التي يجب أن نسمح لأطفالنا بتناولها، تجنّباً للأضرار التي يمكن أن تُحدثها السكّريات في الجسم. كذلك تُبيّن هذه الدّراسات أن القيمة الغذائيّة للعصير هي في حقيقة الأمر منخفضة، وأن أضراره تتجاوز فوائده.
* حدود وقواعد
من هذا المنطلق، دأبت المؤسسات الصحية في العالم، ومنها الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، على إصدار نشرات تحدّد كميات العصير التي يجب عدم تجاوزها من قِبَل الأطفال. ففي نشرتها الصادرة عام 2006 حدّدت الأكاديميّة العمر الأدنى الذي يسمح فيه بإعطاء عصير الفاكهة للطفل بعمر الستّة أشهر، كذلك سمحت بحدّ يومي أقصى يبلغ 6 أونصة لعمر 1 ــ 6 سنوات، و12 أونصة للأطفال الذين تجاوزوا 7 سنوات من العمر. (علماً بأن الأونصة تعادل 30 مليليتراً).
* القواعد تتغيّر
منذ تاريخ صدور تلك النشرة ازدادت التقارير الواردة عن المشاكل الناجمة عن زيادة استهلاك السكّر وهي بشكل رئيس ثلاث:
ــ السّمنة.
ــ الداء السكّري.
ــ تسوّس الأسنان.
وهناك مشكلة رابعة وهي نقص الصوديوم في الدم، وتحصل عندما يتم إعطاء كميات كبيرة من عصير الفاكهة لتعويض السوائل التي يفقدها الطفل بالإسهال. وهذه الأمور دعت الأكاديمية إلى مراجعة توصياتها، فأصدرت نشرة جديدة في شهر يونيو/ حزيران الجاري فاجأت كثيرين.
* التوصيات الجديدة
تقضي التعليمات الجديدة بتأخير إعطاء عصير الفاكهة للأطفال إلى عمر سنة، وليس بدءاً من عمر ستّة أشهر كما كنّا في عياداتنا، ولسنوات طويلة، ننصح الأهل. وهي تقول إن حاجة الرضيع من السوائل يجب تحقيقها من خلال استهلاك حليب الأم أو الحليب الصناعي. والاستثناء الوحيد لهذا هو وجود إمساك عند الرضيع وعندها يمكن إعطاء العصير في السنة الأولى كوسيلة من وسائل المعالجة.
أمّا بالنسبة للكميات اليوميّة القصوى المسموحة من العصير فقد تمّ تخفيضها لتصبح كما يلي:
ــ من عمر 1 ــ 3 سنوات : 4 أونصة (كل أونصة تعادل ما يقارب 28 مل)
ــ من عمر 4 ــ 6 سنوات : 6 أونصة
ــ بعد عمر 7 سنوات : 8 أونصة.
وإذا كانت هذه التوصيات متعلّقة بعصير الفاكهة، فماذا عن الفاكهة؟
تؤكّد النشرة المذكورة على أهمّية الفاكهة الطازجة في الغذاء اليومي للطفل، فهي تحتوي على الفيتامينات والألياف الغذائية والأملاح المعدنية والفيتوكميكال. كذلك تؤكّد النشرة على أهمية الماء والحليب وتعتبرهما افضل مصدرَين للسوائل بالنسبة للطفل. علماً أن هناك قواعد لا بد من اتباعها بالنسبة لكمية الحليب المستهلكة كل يوم بحيث لا تتجاوز 24 أونصة للطفل بعمر سنة إلى 3 سنوات لأن الكميات المفرطة منه قد تؤدّي إلى فقر الدم بعوز الحديد.
* البَسْترة
تشمل التوصيات الجديدة بشرب العصير والحليب المُبَسْترَين تحديداً. ومن المعروف أن البسترة هي طريقة من طرق تعقيم السوائل قائمة على تسخينها بطريقة خاصّة للقضاء على العوامل الممرضة فيها كالجراثيم والطفيليّات.
* المراجعة
إن التوصيات التي تم الوصول إليها بعد الكثير من الأبحاث المضنية هي تذكرة للأهل بضرورة مراجعة كميّات العصير التي يتم إعطاؤها لأطفالهم، فمعظم الأطفال في الواقع يستهلكون كميات أكبر بكثير من تلك المذكورة في التوصية الجديدة نتيجة لاعتقادهم بأن عصير الفاكهة صحيّ ومفيد وهذا يخالف الواقع الذي أثبته العلم.