نقص الحديد هو حالة صحية شائعة تصيب الأشخاص من جميع الفئات العمرية، وتحدث عندما لا يحصل الجسم على ما يكفي من الحديد. غالبًا ما يرتبط حدوث هذه المشكلة الصحية بسوء التغذية أو قلة التغذية، ولكن كشفت دراسة جديدة أجراها علماء التغذية في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة أن الأطفال والشباب الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة هم أكثر عرضة للإصابة بنقص الحديد، ونُشرت هذه الدراسة في مجلة BMJ Global Health العلمية.
دراسة تحليلية تكشف العلاقة بين نقص الحديد لدى الأطفال والمراهقين والوزن
أجرى باحثون من كلية علوم الأغذية والتغذية في جامعة ليدز دراسة تحليلية واسعة النطاق شملت آلاف الدراسات الطبية من 44 دولة، وشملت أشخاصًا تقل أعمارهم عن 25 عامًا، وقاموا بقياس مستويات الحديد، والفيتامينات، والمعادن الأخرى، بالإضافة إلى قياس الوزن، ووجدوا أن نقص الحديد كان مرتبطًا بنقص الوزن وزيادة الوزن على حدٍ سواء لدى الأطفال والمراهقين.
كما لاحظ الباحثون أيضًا نقصًا في معدن الزنك والفيتامين أ لدى الأطفال الذين يعانون من نقص التغذية، ما دفعهم إلى استنتاج أن نقص الحديد لدى الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن ربما يكون بسبب الالتهاب الذي يعطل الآليات التي تنظم امتصاص الحديد في الجسم.
نقص الحديد لدى الأطفال يؤثر على الوظائف الدماغية
نقص الحديد لدى الأطفال له تأثير سلبي على وظائف الدماغ، منها ضعف الانتباه والتركيز والذاكرة، ويمكن أن يزيد من خطر الإصابة بحالات مثل التوحد واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD). وتُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تبحث في العلاقة بين نقص الحديد والسمنة لدى الأطفال، بينما كان نقص الحديد معروفًا مسبقًا كمشكلة تصيب البالغين الذين يعانون من السمنة.
وفي هذا الصدد، قالت المؤلفة الرئيسية في الدراسة، الدكتورة زياوميان تان من كلية علوم الأغذية والتغذية بجامعة ليدز: "إن العلاقة بين نقص التغذية والمغذّيات الدقيقة الأساسية لنمو وتطور الأطفال معروفة جيدًا، ولكن لا يوجد سوى القليل من المعلومات حول مخاطر نقص الحديد والفيتامين أ ومعدن الزنك لدى الأطفال والمراهقين الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، ما يجعلها شكلاً خفيًا من أشكال سوء التغذية".
وأضافت: "دراستنا مهمة للغاية نظرًا لارتفاع معدل انتشار السمنة لدى الأطفال، ونأمل أن تساهم في زيادة إدراك ممارسي الرعاية الصحية لهذه المشكلة وتحسين الممارسة والرعاية السريرية".
نقص الحديد يهدد صحة الأطفال في جميع البلدان
تاريخياً، ارتبط نقص الحديد بسوء التغذية، وخاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، إذ قد يكون الجوع هو السبب الرئيسي لوفيات الأطفال الصغار.
ولكن نقص الفيتامينات والمعادن لا يحدث لدى الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية وحسب، بل يمكن أن يصيب أيضًا الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة، ويتبعون نظامًا غذائيًا يفتقر إلى بعض المغذيات ولكنه غني بالطاقة والسعرات الحرارية، ويُطلق على هذه الحالة "الجوع الخفي".
تختلف أسباب السمنة بين البلدان، ففي البلدان ذات الدخل المرتفع، ترتبط السمنة بالأطعمة المعالَجة الغنية بالدهون، والسكر، والملح، والطاقة، بينما في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، غالبًا ما ترتبط السمنة بالفقر والأنظمة الغذائية التي تقتصر على خيارات محدودة من المواد الغذائية الأساسية مثل الذرة، والقمح، والأرز، والبطاطس.
تواجه العديد من البلدان النامية الآن عبئًا مزدوجًا من سوء التغذية والإفراط في التغذية، وذلك بسبب الزيادة السريعة في انتشار معدلات السمنة على مستوى العالم في العقود الأخيرة، وخاصة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و19 عاماً.
زيادة النشاط البدني وتحسين النظام الغذائي يساهمان في علاج نقص الحديد
أشارت البيانات إلى أن عدد الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن دون سن الخامسة في إفريقيا قد ارتفع بشكل ملحوظ بين عامي 2000 و2017، إذ إنه زاد من 6.6 مليون إلى 9.7 مليون، وكذلك ارتفع عدد الأطفال الذين يعانون من التقزُّم (تأخر النمو) في هذه الفئة العمرية من 50.6 إلى 58.7 مليون. أما في آسيا، فقد ارتفع عدد الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن في الفئة العمرية نفسها من 13.9 مليون إلى 17.5 مليون خلال نفس الفترة.
وقد ثبت أن زيادة النشاط البدني وتحسين النظام الغذائي يساهمان في علاج نقص الحديد لدى الأطفال، وأكد الباحثون على ضرورة إجراء مزيد من الدراسات حول فعالية هذه التدخلات، وكذلك حول نقص المغذيات الدقيقة والعبء المزدوج لسوء التغذية وفرط التغذية في البلدان التي يوجد فيها نقص في البيانات.