يتيمة وأعيش مع أخوة يسرقونني ويعنفونني ويهددونني
أنا يتيمة الوالدين، منذ وفاتهما أعيش مع أخوين أكبر مني بـ 10 و8 سنوات. أتعرّض يومياً تقريباً لعنف معنوي ونفسي من خصام وشتم وابتزاز وتهديد، وحتى السرقة من طرفهما دون سبب، صدقوني. أصبحت أميل إلى الوحدة والاكتئاب والبكاء، لا أعرف إن كان الهروب وسيلة للنجاة، مع العلم أن لا أحد يستطيع توفير الحماية لي. هل من حل لمشكلتي؟ من فضلك.
عزيزتي،
اسأل الله أن يتغمد والديك بالرحمة والعفو بإذن الله.
والحقيقة التي أراها بوضوح، أنك تحتاجين إلى أن "تصدقي" أنك أنتِ الشخص الوحيد الذي يملك حماية نفسه من أي أذى نفسي أو مادي. نعم، هذه الحقيقة المظلومة في داخل عقلك بأسباب نسجها من واقع العلاقة بينك وبينهم لا أكثر، وأقول ذلك من واقع ما اختبرته مع فتيات في مثل وضعك وعانوا الكثير من القهر والظلم من إخوتهم وتمكنوا بممارسة بعض المهارات وتغيير نمط التفكير وغيره من حماية أنفسهن بعد طول عجز.
وانتظار شخص من الخارج يحميكِ من تصرفاتهم، سيجعلك أسيرة هذا الشخص، حتى ولو كان الأسر بحمل فضله طوال حياتك؛ فلا تتمكنين من رفض شيء يطلبه، أو أي مشاعر أخرى ضاغطة تكون موجودة في مثل تلك العلاقات، وكأنك تنتقلين من سجن إلى آخر. فما أعظم أن تديني بالفضل لنفسك في حماية نفسك بنفسك، وقد تكون سطورك فاقدة لحقيقة سطوتهما، أو قدراتهما على السيطرة، فقد غابت عن سطورك تفاصيل كثيرة بجانب ذلك، مثل عملك، هل تعملين أم هما يصرفان عليكِ، وماذا تقصدين بالسرقة؟ ولماذا يشتمانك رغم أنك تنصاعين لهما منذ سنوات كما فهمت؟ وهل لا يزالان أعزبين أم ماذا؟ إلخ.
لكن، على أية حال أنا أصدق ما رأيته يتحقق على أرض الواقع، حيث وجدنا أن الشخص المؤذي لا يتمكن من أذى آخر إلا إذا سمح هذا الآخر بذلك! والسماح هنا ليس المقصود به سماحاً من الخارج؛ فقد يتشاجر الشخص ويقول كلاماً قوياً، لكنه من الداخل ليس صادقاً تماماً في ما يزعم، وأي تهديد يتعرض له يتراجع، وهذا نفسه ما يختاره الشخص المؤذي، وكلما سقط فيه الآخر، زاد المؤذي في أذاه. لذلك، أول طريق النجاة أن تكوني مسؤولة "للنهاية" عن أي شيء ترفضين حدوثه منهما، مهما كلفك الأمر. فلو كنت رافضة سرقتهما لكِ، فنبهيهما إلى أن هذا مرفوض تماماً، ولن تقبلي به من الآن فصاعداً، وإن استهزآ بكِ أو هددوكِ بشيء، ارفضي ذلك، ووضحي لهما أن هذا غير مقبول، وسيبدأ ذلك من هدوئك وثباتك ونبرة صوتك المستقرة، ومروراً برفض إعطائهما شيئاً أو القيام بخدمتهما، وانتهاءً بفضح تصرفاتهما أمام الجيران أو الأقارب وعمل محضر سرقة لهما أو تعدٍّ.
فهذه الاستراتيجيات المتصاعده وثباتك عليها وتصديقك فيها "أولاً" هي أصل نجاتك. فكما قلت لكِ، المؤذي يتمكن من شمّ رائحة الخوف والكلام (دون فعل)، حتى وإن كنتِ تقولين أقوى الكلمات وتلوّحين بشتى التهديدات، فالبداية من داخلك أولاً. وتأكدي أنك لا تفتقرين إلى الشجاعة، أنتِ فقط لم تستخدميها بشكلها الصحيح، فهي ليست التهور وليست الجبن، هي "التصديق" في حقوقك الإنسانية والثبات عليها بمسؤولية حتى النهاية. وتذكري أنك في كل موقف خفتِ فيه، أو تراجعتِ، كان بسبب الخوف من الإهانة أو التعنيف أو مزيد من سوء العلاقة معهما، وهذا بالضبط ما يحدث حتى الآن، حتى مع مخاوفك.
إذاً أقترح عليكِ أن تأخذي وقتك حتى تتمكني من استجماع شجاعتك كما وضحتها لكِ، ولا مانع إن وجدتِ شخصاً يعملون له حساباً، ولو كان هذا الحساب فضح تصرفاتهما معكِ أمامه، فممكن أن تستعيني به كشاهد، أو كشخص موجود بينكم، لكن دوره ثانوي مساعد وليس بديلاً منك. فأنتِ من سيتحدث ويطلب ويختار ويقرر، وهو يشهد ويؤٓمِّن على الحق فيما بينكم، وليس هو من يتصرف بدلاً منكِ أو يحدد ما تحتاجينه أو ما لا تحتاجينه. أسال الله العظيم أن ييسّر لكِ سبل تلك الشجاعة. دمتِ بخير.