علاقة البلع والتفرقة بين الأبناء.. مشكلاتنا المزمنة
أشكرك على تواصلك معنا، وعلى ثقتك بنا..
سؤالك مكون من عدة جوانب..
علاقة البلع هي نوع معقد من العلاقات الإنسانية، يقوم أحد طرفيها بجعل نفسه المصدر الوحيد للحياة وتفاصيلها بالنسبة للطرف أو للأطراف الأخرى. في حالة (بعض) الأمهات مثلاً، تقوم الأم بتوصيل مجموعة من الرسائل النفسية الظاهرة أحياناً، والخفية أحياناً أخرى لأولادها أنها مصدر الثقة الوحيد، ومصدر الأمان الوحيد، ومصدر الحب الوحيد لهم في العالم كله، وتبدأ في تخويفهم والحرص الزائد عليهم من كل وأي أحد سواها. وتطلب منهم دائماً ألا يتحركوا أو يتصرفوا إلا بعلمها وبإذنها وبموافقتها، وقد يستمر ذلك سنوات طويلة حتى بعد بلوغ هؤلاء الأبناء عمراً متقدماً. ولهذا النوع من العلاقات آثار سلبية للغاية، فسيكبر هؤلاء الأبناء ولديهم ميول اعتمادية عالية، ويبحثون في شريك حياتهم عمن يلقون عليه بحملهم ومسؤوليتهم كاملة كما تعودوا في صغرهم. بل إنهم قد لا يبحثون عن شريك حياة أصلاً، ويظلون في حالة التصاق دائمة بمصدر شبعهم (الزائف) القديم الأم.
هذا النوع من العلاقات قد تجده أيضاً بين بعض الأزواج، وبعض الأصدقاء، وبعض زملاء العمل، حينما يخترق أحدهم حدود الآخر تماماً، ويسيطر على مجريات حياته، ويتحكم فى تصرفاته وحركاته، ويرفض مجرد فكرة بعده أو انفصاله عنه. و يكون وراء هذا كله إحساس شديد بعدم الأمان من جانب الطرف (البالع)، والذي يحاول أن يستمد هذا الإحساس عن طريق اعتماد الآخرين عليه.
عليك إذن أن تنبهي والدتك بكل لطف وهدوء وفطنة إلى أن أولادها وبناتها قد كبروا، وأن هذه هي سنة الحياة، وأن الزواج والانفصال عنها هو أحد مقومات النضج النفسي، وأن الأمان الحقيقي ليس مصدره الإصرار على رؤيتكم أطفالاً صغاراً، وإنما مصدره قبول نموكم والاعتراف بنضجكم، والسماح بالانفصال عنكم. ولو لم يفلح ذلك، فلتعرضي عليها المساعدة النفسية المتخصصة من معالج نفسي محترف.
بخصوص الجزء الثاني من سؤالك.. تنهى كل الأديان والأعراف الإنسانية، وكذلك كل مدارس العلاج النفسي عن التفرقة بين الابن والبنت، لما لذلك من آثار سيئة على الاثنين في حياتهما ونفسياتهما، ونصيحتي بالطبع هي التوقف عن ذلك فوراً، والتنبيه الدائم عليه.
أما بخصوص الجزء الأخير، والذي تصف فيه رد فعل الأهل عندما لا يسأل الأخ عن أخته، وردهم على شكوى الأخت بأنها هي من يجب أن تسأل، فأرى أن ذلك رد فعل طبيعي ومتوقع من أولئك الأهل الذين يرون أن للابن أفضلية على البنت، ويعاملونه على أنه على درجة أعلى من الإنسانية.
أختي العزيزة.. لا تتوقفي عن نصيحتهم، ونصيحة ذلك الأخ الكريم، فالعدل والمساواة من شيم الكرام.