صحــــتك
28 يوليو 2018

أمي صارمة وأبي غائب وأحتاج إليه

نشأت في أسرة لأم صارمة، وأب ضعيف العلاقة بنا، توفي منذ 3 سنوات، وأخ أكبر وحيد بعيد عنا نفسياً. من دون أقارب أو أهل، علاقات كثيرة سطحية مع أربعة أصدقاء مقربين فقط لهم مشاغلهم.. متميز عملاً ودراسة.. شعرت دائمًا بالوحدة وافتقدت الحنان الأبوي لدرجة خشية الفشل في تربية أولادي بعد ذلك، ففاقد الشيء لا يعطيه. كنت أتمنى أن أجد من يحلّ محل أبي فيسمعني ويهتم بي، تعرفت على شخص يكبرني بـ 15 سنة، أحببته كثيرًا وصار أهلي، بعد فترة تعلقت به "علاقة اعتمادية".. مع الوقت ضاق بسبب سلوكياتي المقيدة. قرأت وعملت على الإصلاح وإعطائه مساحته الشخصية، لكنني ما زلت محتاجاً إلى من يعطيني الاحتواء الأبوي ويملأ حياتي، هل تفكيري سليم، هل يمكن أن أجد هذا؟
أمي صارمة وأبي غائب وأحتاجه
أهلا بك يا أحمد،
هل ستصدق أن بصيرتك بحياتك، وشكل العلاقات داخل أسرتك، ورؤيتك لاحتياجك، ورؤيتك لطبيعة شخصية والداك خطوة كبيرة جداً تأخذ منا جلسات وجلسات حتى يصل إليها صاحبها بنفسه، ولقد أردت أن أوضح لك هذا في البداية؛ لأنني أسمع من طيات سطورك أنك "تشك" في قدرتك على تجاوز تلك المعاناة أو تقليلها.


الحقيقة المؤكدة أن الاستبصار بالنفس واحتياجاتها أصلاً خطوة أولى مهمة من خطوات عديدة في رحلة التغيير، وحتى يحدث التغيير الذي تريده تحتاج إلى مزيد من الاستبصار، وعدم الاستعجال؛ لأن التعجل معطل على عكس ما تتصور.



فأول ما تحتاج إلى أن تراه هو أنك داخلياً ما زلت ذلك الطفل الصغير الذي يحتاج بقوة إلى الاسئتناس والدعم والأمان من والديه، واحتياجك هذا كبير من والدك لأنك أولاً ذكر، والذكر يحتاج إلى رجل يدخله عالم الرجال، ويعرّفه خصاله، وكذلك بسبب صرامة والدتك التي ذكرتها، إذن أنت تحتاج إلى أن "تكبر" من الداخل، وتحتاج إلى أن تدرك أن احتياجك هذا ليس مرتبطاً فقط بوالدك، وقصة "الكبران" تلك قصة ستأخذ وقتاً وهو ما جعلني أقول لك لا تتعجل، واصبر، وتعلم، وافهم، واشعر؛ فطفلك الصغير المحتاج يريد منك فقط حتى يهدأ، ويسكن؛ أن تراه أنت أولا وتحترم مشاعره المليئة بالحرمان، والاحتياج الكبير إلى الأمان، والاسئتناس، من دون أن تحكم عليه بأي حكم - ضعيف/ ناقص/ غبي/ممل/ .. إلخ، وتريه ذلك من نفسك.


بعدها لتأتي الخطوة الأضخم، وهي أن تتبناه أنت وتعطيه ما يحتاج إليه؛ فتدعه يفرح حين يرغب في الفرح، وتدعه يبكي حين يشتد عليه ألمه، وتدعه يعبر حين يريد، وطوال هذا تكون إلى جانبه تدعمه، ولا تحكم عليه، قد يبدو كلامي هذا غير مفهوم تماما في البداية، أو غير مهضوم، ولكنه نفسياً علاج ناجع، كما يقولون.


وأعود فأقول: حين تقوم بذلك مع طفلك الداخلي ستقوم به بنضوجك الآن؛ أي ستدعه يتذكر ويحكي - بالكتابة والحوار الداخلي بينكما، والرسم والخواطر والجلسات العلاجية إلخ، فتطمئنه ولا تحكم عليه، وتتفق معه على "تهذيب" تصرفاته؛ فأحمد الناضج يعلم أو يحتاج إلى أن يدرك أن التشبث الشديد في علاقته بصديقه هذا فيه جزء كبير لا يخص تلك العلاقة، وفيه "تلبيس" للصديق دور الأب وهو ليس كذلك، وهذا ما يؤذي العلاقة؛ لأنها تُحمَل بما ليس لها أن تحمله، وكذلك أحمد الناضج وهو يهدهد طفله الداخلي عليه أن يدرك أن العلاقات الصحية لا يوجد فيها "شعلقة"، أو "استحواذ"، أو "عطاء بلا أخذ"، أو "أخذ بلا عطاء"، فكل هذا وغيره يجعل العلاقة علاقة مرضية تؤذي أصحابها ولا تعينهم على إشباع احتياجاتهم التي كانوا يرجونها.

ويبقى أن أقول لك ثلاثة أمور:
- بعضهم يمكنه أن يبذل جهداً صادقاً ووقتاً مناسباً وحده ويتغير، وبعض يحتاج إلى متخصص يساعده على القيام برحلة التغيير، فأعطِ نفسك الفرصة التي تراها تناسبك.

- إننا ككبار نحتاج إلى أن نقبل من أعماقنا بصدق شديد أن ما حدث قد حدث؛ فالتناطح مع الماضي والخوف من المقبل هو إضاعة حقيقية لما نملكه الآن بين أيدينا ونضيعه كل يوم في أمس وغداً؛ فليكن شعارك هنا والآن، وردّد على نفسك كل يوم أنك تحتاج إلى أن تقبل قصتك كما هي، وأنك من سيعدّل فصولها من الآن.

- إننا ككبار نحتاج إلى أن نقبل أننا سنحصل على جزء كبير من احتياجنا المشروع لنا ممن نحبهم ويحبوننا ومن علاقاتنا حتى وإن لم يصل بنسبة 100%، وهكذا يحدث النضوج الداخلي بروية، وصدق، ويعطي الشيء من فقده.
آخر تعديل بتاريخ
28 يوليو 2018
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.