يُشير مصطلح "وقت الشاشة" إلى الفترة التي يقضيها الشخص في استعمال الأجهزة الإلكترونية التي تحتوي على شاشة، مثل الحاسوب، والتلفاز، والهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وألعاب الفيديو. أشارت العديد من الدراسات إلى أن زيادة وقت استخدام الشاشات يؤثر سلبًا على الصحة الجسدية والعقلية. وفي ظل الانتشار الواسع للتكنولوجيا واعتماد الأطفال والمراهقين بشكل متزايد على الشاشات لأغراض متعددة، من الترفيه إلى التعليم والتواصل الاجتماعي، تتزايد التساؤلات والمخاوف حول تأثير وقت الشاشة على صحتهم العقلية وسلوكهم. وفي هذا السياق، كشفت دراسة حديثة، نُشرت نتائجها في مجلة BMC Public Health الطبية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2024، عن وجود علاقة قوية بين وقت الشاشة والصحة العقلية لدى الأطفال.
ما هي العلاقة بين وقت الشاشة والصحة العقلية لدى الأطفال؟
على الرغم من الانتشار الواسع لاستخدام الشاشات بين المراهقين، فإن هناك القليل من الدراسات الطويلة المدى التي تبحث في العلاقات المحتملة بين وقت الشاشة والمشكلات السلوكية لدى الأطفال في مجموعة كبيرة ومتنوعة من المراهقين في الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، أجرى باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة دراسة طويلة المدى كشفت عن وجود علاقة قوية بين وقت الشاشة والصحة العقلية لدى الأطفال، وأظهرت أن زيادة وقت الشاشة للأطفال بعمر 9 و10 سنوات تزيد من احتمالية ظهور أعراض الأمراض العقلية لديهم. وتُعتبر هذه الدراسة واحدة من أولى الدراسات الطويلة المدى التي تناولت هذه المشكلة.
وقت الشاشة والصحة العقلية.. وقت الشاشات يزيد من مشكلات الصحة العقلية للأطفال
تابعت الدراسة مجموعة متنوعة مكونة من 9538 طفلًا بعمر 9 و10 سنوات من مختلف أنحاء الولايات المتحدة لمدة عامين، وكان نصفهم تقريبًا من ذوي البشرة البيضاء، وحوالي نصفهم من الإناث. وأظهرت النتائج أن قضاء المزيد من الوقت أمام الشاشات مرتبط بزيادة أعراض الاكتئاب والقلق ونقص الانتباه والعدوانية.
كما أظهرت نتائج الدراسة أن الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات مرتبط بشكل وثيق بأعراض الاكتئاب، وأنه مرتبط أيضًا، ولكن بدرجة أقل، بأعراض سلوكية وجسدية، بالإضافة إلى أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط. وكانت الأنشطة المرتبطة بشكل أكبر بأعراض الاكتئاب هي المكالمة عبر الفيديو، والمراسلة النصية، ومشاهدة الفيديوهات، ولعب ألعاب الفيديو.
وقت الشاشة والصحة العقلية.. اختلافات ملحوظة بين الأعراق
أظهرت الدراسة أن المراهقين من ذوي البشرة البيضاء كانوا الأكثر تأثرًا بزيادة الوقت أمام الشاشات، فقد أظهرت النتائج ارتباطًا أقوى لديهم بين وقت الشاشة وأعراض الاكتئاب، واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، واضطراب التحدي المعارض، مقارنةً بالمراهقين من ذوي البشرة السمراء. كذلك، كانت العلاقة بين وقت الشاشة وأعراض الاكتئاب أقوى لدى المراهقين من ذوي البشرة البيضاء مقارنةً بالمراهقين من أصول آسيوية. ولم تُظهر الدراسة فروقًا في التأثيرات بين الجنسين.
وأشار الباحثون إلى أن الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تلعب دورًا مختلفًا بالنسبة للمراهقين من الأقليات العرقية، إذ تعتبر منصات مهمة للتواصل مع أقرانهم الذين يشتركون معهم في خلفيات وتجارب مشابهة. كما أوضحوا أن التكنولوجيا يمكن أن تساعدهم في توسيع شبكات الدعم الخاصة بهم إلى ما هو أبعد من بيئتهم المباشرة.
وقت الشاشة والصحة العقلية.. اضطرابات سلوكية وعقلية لدى الأطفال
أشار الباحثون إلى أن قضاء الأطفال وقتًا طويلًا أمام الشاشات قد يكون على حساب ممارسة الأنشطة المفيدة الأخرى مثل النشاط البدني، والنوم، والتفاعل الاجتماعي المباشر، وغير ذلك من السلوكيات التي تساعد على تقليل أعراض الاكتئاب والقلق.
وفي ظل تزايد استخدام المراهقين للشاشات في السنوات الأخيرة، تتزايد المخاوف بشأن صحتهم العقلية، فاليوم، بات المراهقون أكثر عرضة بنسبة 50% للإصابة بنوبة اكتئاب كبرى، وأكثر عرضة بنسبة 30% للانتحار مقارنةً بما كانوا عليه قبل 20 عامًا. وبلغ متوسط الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات لأغراض غير تعليمية 5.5 ساعات يوميًا للأطفال في مرحلة ما قبل المراهقة و8.5 ساعات في مرحلة المراهقة.
وأكد الباحثون على أهمية دور الوالدَين في المساعدة على تخفيف التأثيرات السلبية الناتجة عن الإفراط في استخدام الشاشات، وأشاروا إلى أن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) توصي بوضع خطة عائلية لتنظيم استخدام الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، بحيث تأخذ في الاعتبار احتياجات كل طفل بشكل فردي.