يشهد قطاع غزة حاليًا حملة تطعيم ضد شلل الأطفال في ظل ظروف إنسانية وصحية معقدة، فقد بدأت الحملة مؤخرًا بمشاركة منظمات دولية ومحلية بهدف تحصين مئات الآلاف من الأطفال في القطاع، ولكن ماذا نعرف صحيًا عن هذه التطعيم ضد شلل الأطفال ؟ وما سبب التناقض الذي يقدمه الكيان المحتل بين قصف الأطفال ومن ثم تقديم اللقاحات لهم؟ وهل هناك مصلحة مبطنة لهذا التطعيم؟
كيف تجري حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة؟
وفقًا لخبراء الصحة، تم تطعيم أكثر من 86 ألف طفل ضد شلل الأطفال في اليوم الأول من حملة التطعيم التي بدأت صباح أمس (الأول من شهر أيلول) في قطاع غزة، فقد شاركت فيها منظمات دولية مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة ومنظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين. وتهدف هذه الحملة إلى تغطية مختلف مناطق القطاع بدءًا من وسط غزة، ثم الانتقال إلى الجنوب والشمال، مع خطة للوصول إلى تطعيم أكثر من 600 ألف طفل في المرحلة الأولى. وأشار الخبراء إلى أن الحملة تسير بشكل جيد حتى الآن بفضل التعاون الوثيق بين المنظمات الدولية ووزارة الصحة المحلية، فقد تم تدريب أكثر من 500 عامل ميداني لضمان نجاح الحملة وتحقيق الأهداف المرجوة.
هدف الحملة الوصول إلى 90% من الأطفال المستهدَفين
ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه الحملة، مثل الأوضاع الأمنية المتوترة والنزوح المتكرر للسكان والبنية التحتية المتضررة بشدة، فإن الخبراء يؤكدون أن الحملة يمكن أن تحقق أهدافها بالوصول إلى 90% من الأطفال المستهدَفين. وعلى الرغم من أن شلل الأطفال يمثل تحديًا صحيًا كبيرًا، فإن الوضع الصحي في غزة يعاني من تعقيدات أخرى عديدة، إذ تواجه المستشفيات نقصًا حادًا في الموارد والمعدات، وما تزال النساء الحوامل وغيرهن من الفئات الضعيفة يواجهن صعوبة في الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة. لذلك، يعتبر شلل الأطفال جزءًا واحدًا من التحديات الصحية المتعددة التي يعاني منها سكان غزة، ما يستدعي جهودًا مكثفة لضمان نجاح الحملة وتوفير الحماية الصحية للأطفال.
هل يمكن أن يسبب التطعيم ضد شلل الأطفال التوحد بين أطفال غزة؟
لا توجد علاقة بين اللقاحات بشكل عام والتطعيم ضد شلل الأطفال بشكل خاص وبين الإصابة باضطراب طيف التوحد.
اضطراب طيف التوحد (مرض غالبًا ما يُطلق عليه اسم التوحد) هو حالة تؤثر على الدماغ، ويمكن أن تجعل من الصعب على المصابين به التواصل والتفاعل مع الآخرين، والخبراء غير متأكدين من أسبابه.
إذن، كيف بدأت فكرة أن اللقاحات تلعب دورًا بالإصابة بمرض التوحد؟ يقع جزء كبير من اللوم على دراسة نُشرت في عام 1998 اقترحت أن لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (أي اللقاح الثلاثي MMR)، أو الإصابة بفيروس الحصبة الطبيعي نفسه، قد يسبب التوحد، ومنذ ذلك الحين أظهرت العديد من الدراسات العلمية أنه لا توجد صلة بين اللقاحات أو أي من مكوناتها مع الإصابة بالتوحد.
كما تبين أن البحث المستخدم في دراسة عام 1998 كان زائفًا، وفقد الطبيب الذي كتبه رخصته الطبية، وسحبت المجلة الطبية التي نشرته هذا البحث، وهذا يعني أنهم يعتقدون أنه لم يكن ينبغي نشره أبدًا.
حتى مع وجود أدلة دامغة على أن اللقاحات آمنة وفعالة، ما يزال بعض الآباء يقررون عدم تطعيم أطفالهم أو تأخير التطعيمات، لكن هذا القرار محفوف بالمخاطر للغاية، إذ ما تزال الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات مثل شلل الأطفال موجودة، ويمكن للطفل غير المطعم أن يصاب به، كما أنه قد ينشر العدوى إلى آخرين من أصدقائه وأهله.
ما هي مصلحة إسرائيل من إعطاء اللقاح لأطفال غزة؟
تسريع تنفيذ حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة أمر حيوي لمنع تحور فيروس شلل الأطفال ووقف انتشاره، لأن الفيروس المتسبب في التفشي الأخير هو في الأصل نسخة ضعيفة من الفيروس الموجود في اللقاح الفموي، والذي يمكن في حالات نادرة أن يتحول إلى شكل جديد قادر على إحداث أوبئة جديدة.
والمخاطر هنا لا تقتصر على مكان التفشي، أي في قطاع غزة فقط، بل قد تمتد إلى المناطق المجاورة مثل إسرائيل والضفة الغربية والدول المجاورة، مما يجعل من مصلحة الكيان احتواء هذا التفشي بسرعة.
فعالية لقاح شلل الأطفال
هناك جرعتان من لقاح شلل الأطفال الذي يحتوي فيروسات شلل الأطفال غير النشطة (inactivated polio vaccine-IPV) فعّالتان بنسبة 90% أو أكثر ضد شلل الأطفال؛ وثلاث جرعات منه فعّالة بنسبة 99% إلى 100%. يعتبر الشخص مُطعّمًا بالكامل إذا تلقى أربع جرعات من أي مزيج من لقاح شلل الأطفال ذي الفيروسات غير النشطة ولقاح شلل الأطفال الفموي الثلاثي (oral polio vaccine-tOPV)، أو سلسلة أولية من ثلاث جرعات على الأقل من لقاح شلل الأطفال ذي الفيروسات غير النشطة أو لقاح شلل الأطفال الفموي الثلاثي.
ويجب إعطاء الجرعة الأخيرة في أي من هاتين السلسلتين بعد سن 4 سنوات وبعد 6 أشهر على الأقل من الجرعة السابقة.
كم يوفر اللقاح حماية للأطفال؟
من غير المعروف إلى متى سيظل الأفراد الذين تلقوا لقاح شلل الأطفال ذا الفيروسات غير النشطة محميين من الإصابة بشلل الأطفال، ولكن من المرجح أن يكونوا محميين لسنوات عديدة بعد سلسلة كاملة من لقاح شلل الأطفال. أظهر مسح وطني أجري في الفترة 2009-2010 أن نسبة عالية من الأطفال والبالغين لديهم أجسام مضادة واقية ضد فيروس شلل الأطفال، بما في ذلك البالغين الذين تلقوا لقاح شلل الأطفال الفموي (OPV) عندما كانوا أطفالًا قبل عقود من الزمان. ومع ذلك، يمكن للبالغين الذين أكملوا سلسلة التطعيم ضد شلل الأطفال في طفولتهم والذين هم أكثر عرضة لخطر التعرض لشلل الأطفال أن يتلقوا جرعة معززة من لقاح شلل الأطفال مدى الحياة.
نهايةً، أشار الخبراء إلى أن قطاع غزة لم يشهد انتشارًا لشلل الأطفال منذ أكثر من 25 عامًا، ولكن ظهرت مؤخرًا حالة إصابة لطفل صغير جدًا بالشلل، مما يزيد من أهمية الحملة الحالية وضرورة تكثيف الجهود لضمان تطعيم أكبر عدد ممكن من الأطفال. ولتحقيق هذا الهدف، شدد الخبراء على الحاجة الملحة لوقف لإطلاق النار، فإلى جانب التحديات الصحية، يُعد الاستقرار الأمني ضروريًا لضمان وصول الخدمات الصحية بشكل فعال للأطفال والسكان. وبدون وقف إطلاق النار؛ سيظل تقديم الرعاية الصحية في غزة مهمة صعبة.