احتل ارتفاع ضغط الدم وعلاجه مكانة عالية في مؤسسات ومنظمات الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، وساعدت في ذلك برامج عديدة ساهمت في تحسين الوعي والعلاج والسيطرة على ضغط الدم، وذلك من خلال تنظيم العيادات والعيادات المتنقلة، والتي أصبحت منتشرًا جدًا في أنظمة الرعاية الصحية التي تعتمد على تعديل نمط الحياة والعلاج الدوائي. ولكن ما مدى تأثير الحرب على مرضى الضغط وكيف يمكن التعامل معه في ظل هذه الظروف؟
تأثير الحرب على مرضى الضغط
تعد الحروب، مثل الحرب على غزة، من عوامل التوتر التي تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، الذي يعتبر عاملًا مهمًا من عوامل الخطر لارتفاع ضغط الدم، كما تعتبر الحرب ضغطًا نفسيًا وجسديًا عميقًا بسبب التعرض للتعامل مع الجثث الميتة والمشوهة، وبسبب الظروف المعيشية الصعبة والتعرض للقذائف والهجمات الحربية وغيرها من وسائل العنف، مما يزيد من خطورة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ويرتفع تأثير الحرب على مرضى الضغط بشكل خاص.
يؤدي التوتر والإجهاد إلى ارتفاع ضغط الدم عن طريق إطلاق هرمونات الكورتيكوستيرويد وتثبيط تصنيع البروستاجلاندين الذي ينظم ضغط الدم، ويزيد الارتفاع المفاجئ في الدوبامين تدفق الدم في شرايين القلب وارتفاع ضغط الدم، وربما يؤدي أيضًا إلى تغييرات في توازن شوارد الدم وزيادة الصوديوم، وقد تبين أن استجابات الإجهاد الحاد بعد الهجمات الإرهابية تزيد من ارتفاع ضغط الدم المشخَّص بواسطة الطبيب بنسبة 115% إلى 75% لدى مجموعة كبيرة من السكان.
ارتبط الإجهاد المزمن الذي تفاقم في جميع أنحاء العالم بسبب الحروب بزيادة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى ذلك تبين أن اضطراب النشاط العصبي الودّي المستمر يزيد من خطر عدم انتظام ضربات القلب وتراكم الصفائح الدموية وأزمات القلب الحادة وفشل القلب ... وثبت أن استراتيجيات التكيف الفعالة تخفف من الضغط النفسي مثل اتباع نمط الحياة النشيط والتمارين المنتظمة، ويبدو أيضًا أن المستوى الجيد من اللياقة القلبية التنفسية يوفر حماية عالية للقلب، وقد تم إثبات هذه التأثيرات المفيدة في العديد من الدراسات التي قامت بتقييم مستويات التفاعل مع الإجهاد والتعافي من التوتر النفسي لدى الأفراد النشطين بدنيًا. من ناحية أخرى ترتبط التمارين الشاقة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية بزيادة حدوث أزمات القلب الحادة. علاوة على ذلك، يبدو أن أنظمة التمارين الرياضية الزائدة تزيد من تكلس شرايين القلب واحتمال الإصابة بالرجفان الأذيني.
هناك الآن أدلة كثيرة تشير إلى أن احتشاء عضلة القلب الحاد والموت القلبي المفاجئ والسكتة الدماغية يمكن أن تحدث بسبب الضغوطات الجسدية والكيميائية والنفسية، بما في ذلك المجهود البدني الثقيل، والمواقف التي تخلق ضغوطًا نفسية وعاطفية متزايدة، ويبدو أن هذا الخطر يزداد لدى الأفراد المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية.
في هذه المقالة، نلخص الأدلة على تأثير الحرب على مرضى الضغط وما يمكن أن تسببه من أزمات حادة، بالإضافة إلى الدور المحتمل لمختلف الإجراءات الوقائية، وخاصة التمارين المنتظمة وتحسين اللياقة القلبية التنفسية لتقليل مخاطر مختلف الأمراض القلبية الوعائية.
التعامل مع تأثير الحرب على مرضى الضغط
يُنصح بالرعاية الفعالة لارتفاع ضغط الدم والتي تساهم مباشرة في تقليل تأثير الحرب على مرضى الضغط، وتشمل الرعاية الفعالة التي يوصى بها عدة عناصر منها:
- تبسيط الرعاية الطبية وتسهيل الحصول على جرعات الأدوية اللازمة.
- توفير الأدوية بانتظام وبأسعار معقولة.
- توفير فرق عمل ولجان طبية للعمل على كشف ارتفاع ضغط الدم وإعطاء العلاج المناسب للمريض، مما يساهم في السيطرة على ضغط الدم بشكل مستمر.
- الخدمات التي تركز على المريض للحد من الموانع التي تحول دون تقديم الرعاية من خلال توفير أدوية يسهل تناولها، وأدوية مجانية وزيارات متابعة قريبة من المنزل، وإتاحة مراقبة ضغط الدم بسهولة.
- نظم المعلومات: تسهِّل نظم المعلومات المبسطَة التي تركز على المستخدِم عملية التسجيل السريع للبيانات الأساسية للمرضى، وتقلل من عبء إدخال بيانات العاملين في مجال الرعاية الصحية، مما يدعم الحفاظ على أداء مهام الرعاية الصحية وتحسين جودتها.
علاج تأثير الحرب على مرضى الضغط
يشمل علاج تأثير الحرب على مرضى الضغط على الآتي:
- ممارسة التمارين الرياضية مع تخفيض الوزن واتباع نظام غذائي منخفض الصوديوم، وقد أثبتت الرياضة والنظام الغذاء الصحي قدرتهما على تخفيف تأثير الحرب على مرضى الضغط بشكل إيجابي.
- الأدوية، إن تم بدء العلاج بالأدوية فلا بد من أن يراقب الطبيب مدى الاستجابة للعلاج، ويقيّم أي أعراض جانبية قد تنتج عن تناول الأدوية، وإن خفض ضغط الدم بمعدل 5 ملم زئبق بإمكانه أن يخفض خطر السكتة الدماغية بنسبة 34%، وخطر داء القلب الإقفاري بنسبة 21%، وبإمكان خفض ضغط الدم كذلك أن يخفض احتمال الإصابة بالخرف وقصور القلب والوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. يجب أن يكون الهدف من العلاج هو خفض ضغط الدم إلى أقل من 140/90 ملم زئبق لدى معظم الأشخاص، وأقل من ذلك للمصابين بمرض السكّري أو داء الفشل الكلوي، ويوصي بعض المهنيين الطبّيين بالمحافظة على مستويات أقل من 120/80 ملم زئبق، ولا يوجد دليل على ضرورة تخفيض ضغط الدم أقل من هذه المستويات بسبب احتمال زيادة حصول الأعراض الجانبية، وهنالك حاجة للمزيد من العلاج أو تغييره إن لم يتم الوصول إلى ضغط الدم المطلوب، خصوصاً في حالات عدم توفر العلاج.
- استخدام أدوية متعددة، فقد يحتاج الكثير من المرضى إلى أكثر من عقار للتمكن من السيطرة على ضغط الدم مثل استخدام دواء مدر للبول ثيازيد مع أحد مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين، أو مضادات مستقبلات أنجيوتنسين II أو حاصرات قنوات الكالسيوم عند المرضى الذين لديهم ضغط الدم الانقباضي أعلى من 160 ملم زئبق، أو ضغط الدم الانبساطي أعلى من 100 ملم زئبق. وهناك علاج مركب من مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين وحاصرات الكالسيوم للتحكم في الضغط المرتفع.
- حاصرات قنوات الكالسيوم مثل فيراباميل أو ديلتيازيم، مع حاصرات بيتا.
- استخدام مزدوج لأدوية نظام رينين أنجيوتنسين، على سبيل المثال: أحد مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين مع أحد مضادات مستقبلات أنجيوتنسين II.
- أدوية نظام رينين أنجيوتنسين مع حاصرات بيتا.
- حاصرات بيتا مع مخفضات الضغط ذات التأثير المركزي، مثل كلونيدين ومثيلدوبا وموكسونيدين.
ختامًا، يتضح تأثير الحرب، مثل الحرب على فلسطين وغزة، على مرضى الضغط من خلال زيادة الإصابة بمضاعفات صحية خطيرة نتيجة للتوتر والقلق المستمر. لذا، يجب علينا توجيه جهودنا نحو تقديم الدعم والرعاية اللازمة لهؤلاء المرضى، وتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على الصحة النفسية والبدنية في ظل الظروف الصعبة التي قد يمرون بها.