منذ بداية القرن الحادي والعشرين، شهد العالم ثورة ثقافية هائلة نتيجة التقدّم التكنولوجي السريع، وأصبح استخدام الشاشات جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال والشباب، بما في ذلك التلفاز والحواسيب الشخصية والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والألعاب الإلكترونية، ما سبّب مشكلة الخمول وقلة النشاط البدني لديهم.
الاستخدام المفرط للشاشات يعرّض الأطفال والشباب للخمول الجسدي، إذ يقضون ساعات طويلة جالسين أمامها بدلاً من ممارسة الأنشطة البدنية. هذا النمط الحياتي السلبي قد يؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض الذهنية والجسدية، مثل السُّمنة، وأمراض القلب، ومرض السكري من النوع الثاني.
دراسة تؤكد أهمية النشاط البدني للوقاية من مرض السكري من النوع الثاني
توصلت دراسة جديدة، نُشرت نتائجها في مجلة علم الغدد الصماء والتمثيل الغذائي (JCEM)، إلى أن اعتياد الجلوس لفترات طويلة منذ مرحلة الطفولة يرتبط بزيادة تركيز الإنسولين في الدم بشكل كبير، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
وكشفت الدراسة، التي أجراها فريق من الباحثين من جامعة إكستر بالتعاون مع جامعة بريستول وجامعة شرق فنلندا، أن ممارسة النشاط البدني الخفيف يمكن أن يقلل من خطر ارتفاع مستوى الإنسولين في الدم وحدوث مقاومة الإنسولين في خلايا الجسم.
مخاطر قلة ممارسة النشاط البدني في مرحلة الطفولة
قال البروفيسور أندرو أغباجي من مركز أبحاث صحة الأطفال والتمارين الرياضية في جامعة إكستر، إن الخمول في مرحلة الطفولة هو خطر يهدّد الشباب في جميع أنحاء العالم، وذلك بسبب الإفراط في استخدام الشاشات. فالخمول هو أحد أسباب زيادة الإنسولين والسمنة وارتفاع مستويات الدهون، والالتهابات وتصلّب الشرايين.
وأكد البروفيسور أغباجي على أهمية ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة ثلاث إلى أربع ساعات يوميًا عند الأطفال لمعالجة مشكلة الخمول لديهم، ودعا خبراءَ الصحة العامة، وصنّاع القرار في مجال الرعاية الصحية، والصحفيين في المجال الصحي، وأطباء الأطفال، والوالدَين إلى تشجيع الأطفال على المشاركة في ممارسة الأنشطة البدنية الخفيفة بشكل يومي، بينما ينتظرون تحديث الإرشادات الحالية للنشاط البدني لمنظمة الصحة العالمية التي لا تتضمّن توصيات بممارسة النشاط البدني الخفيف.
النشاط البدني في مرحلة الطفولة يقلل خطر زيادة الإنسولين ومقاومته في مراحل الحياة اللاحقة
استخدَم الباحثون في دراستهم بيانات لأطفال التسعينات من جامعة بريستول البريطانية، وشملت الدراسة 792 طفلًا تمت متابعتهم من سن 11 إلى 24 عامًا.
في بداية الدراسة، أمضى الأطفال مدة متوسطها ستّ ساعات يوميًا في أنشطة مستقرة أو خاملة، وزادت هذه المدة إلى تسع ساعات يوميًا خلال فترة المتابعة. وكشفت النتائج أن هذه الزيادة في وقت الجلوس مرتبطة بارتفاع مستويات الإنسولين بشكل مستمر، خاصة بين الشباب الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، فقد زادت احتمالات ارتفاع الإنسولين لديهم بنسبة 20%.
وفي المقابل، أدت زيادة النشاط البدني والحفاظ على ممارسته منذ الطفولة إلى التقليل من خطر ارتفاع الإنسولين بنسبة 20%، كما ارتبط النشاط البدني الخفيف بانخفاض مقاومة الإنسولين. وأظهرت النتائج أن ممارسة النشاط البدني المتوسط إلى القوي أدى إلى انخفاض مستويات الإنسولين، ولكن بدرجة أقل بكثير.
وقد ربطت النتائج السابقة من نفس المجموعة بين الخمول والسمنة، واضطراب شحميات الدم، والالتهابات، وتلف الأوعية الدموية المبكر، ولاحظ الباحثون أيضًا وجود علاقة سيئة بين السمنة وتفاقم مقاومة الإنسولين.
ممارسة النشاط البدني الخفيف.. أمل لمكافحة مخاطر قلة الحركة في مرحلة الطفولة
أشارت هذه الدراسة إلى أن ممارسة النشاط البدني الخفيف هو وسيلة فعّالة لمكافحة التأثيرات المضرّة للخمول وقلة الحركة في مرحلة الطفولة. ومع ذلك، لا توجد دراسات كافية لتحديد ما إذا كانت ممارسة النشاط البدني الخفيف منذ الصغر على المدى الطويل تساهم في خفض مستويات الجلوكوز والإنسولين ومقاومة الإنسولين، وذلك لأنه لا يوجد سوى القليل من هذه الدراسات التي قامت بقياس الخمول والنشاط البدني الخفيف ومستويات الإنسولين بشكل دوري لدى مجموعات كبيرة من الشباب الأصحاء، ما يستدعي الحاجة إلى إجراء المزيد من هذه الدراسات.