المثلية الجنسية هل هي مرض نفسي؟
أعاني من المثلية الجنسية منذ صغري، وتعرَّفت على شاب وأنا في عمر 10 سنوات ويكبرني ب5 سنوات، وأقمنا علاقة واكتشفت أنه شاذ، وقد تعرضت للتحرش وأنا في عمر 16 أكثر من مرة، وأقمت علاقة أخرى في عمر 18، واكتشفت أنه خدعني، تبت إلى الله وأقلعت عن هذا الفعل، ولكني أشعرباكتئاب، ولا أستطيع التخلي عنه رغم قسوته عليّ، أتناول دواء لوسترال دون وصفة طبية، ما الحل؟
عزيزي الفاضل:
الحقيقة أن الشذوذ لا يتعلق بفعل الشذوذ في حد ذاته من الناحية النفسية، فهو شرعاً حد غليظ من حدود الله، والحمد لله أنك تبت يا ولدي، فهذا إنجاز كبير، ويبشر بالأمل على المستوى النفسي وفي رضا الله سبحانه؛ فقد ابتعدت عن سخطه وغضبه من ذلك؛ فهو الغفور الرحيم، ولا يمكن تسمية هذه الحالة بأي اسم غير اسمها، فهي لواط وشذوذ محرم.
أما من الناحية النفسية فلم نجد على الأقل في مجتمعاتنا الشرقية الرجال الشواذ إلا وكان هذا الانحراف الجنسي مرتبطاً بفقدان علاقة حقيقية تفتقر للمشاعر التي تخص الاحتواء والحب والائتناس والأمان بين الولد الذكر تحديداً مع أبيه، لدرجة أن الدراسات كلها هنا تكاد توضع تحت عنوان دالّ يمكن تسميته "بالجوع النفسي لحضن الأب"، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وكذلك نسبة كبيرة تقع في الشذوذ كما قلت ما حدث معك؛ وهو بسبب التحرش والاعتداءات الجنسية المبكرة، فالشخص يحدث له ما يُعْرَف علمياً "بالإفاقة الجنسية المبكرة"، ولا يتمكن من التعامل معها سوى بالمزيد من ذلك؛ فتحدث تشوهات وانحرافات لتصورات وأفكار ومشاعر داخل الشخص تجاه نفسه والجنس والعلاقة الجنسية الطبيعية بين الرجل والأنثى، والأنثى نفسها، لذلك قلت لك أن القصة ليست فقط في الفعل ذاته على عِظَم ذلك.
وتناولك لـ"وسترال" يشير لوجود درجة اندفاع أرجو ملاحظتها فيك يا ولدي؛ فرغم أن هذا الدواء يعالِج فعلًا الاكتئاب لكن له جرعات مختلفة، ويُتناول بشكل معين وتكرارية معينة، ولمدة محددة لا يحددها سوى الطبيب النفسي الذي درس ذلك لسنوات، ويحددها بناءً على تقييمه للشخص الذي أمامه، وكذلك ليس كل حالات الاكتئاب والقلق يتناسب معها هذا الدواء، وأعلم مدى الحرج الذي يجده الشخص ليذهب ويقول عن نفسه ذلك، ولكن صدقني يا ولدي: الطبيب النفسي وليس أي طبيب هو النوع من الأطباء الذين عرَفوا من خلال دراستهم وكذلك من خبراتهم في التعامل مع الآخرين الذين يساعدونهم؛ أنه لا أحد يستطيع أو مِن حقّه أن يحكم على أي إنسان آخر؛ لأننا نرى الإنسان من داخله، ونرى عذاباته ورحلته وحزنه على نفسه ورغبته في المقاومة والشفاء، ونرى كذلك في معظم الناس فعلاً أن السبب لم يكن من الأشخاص أنفسهم، بقدر ما كان بسبب مَن هم مسؤولين عنهم، خاصةً وهم صغار، فغياب المتابعة الحكيمة، وغياب التواصل المتعاطف، وغياب الأمان بين أفراد الأسرة؛ كان السبب الأول يا ولدي، حتى وإن تمكن الطبيب النفسي من تَفَهُّم الظروف، وربما بؤس حياة الأبوين هو الذي سبب ذلك داخل الأسرة.
لكنه في نفس الوقت يعرف جيداً -وأرجو أن تعي ذلك أيضاً- أنه رغم أن مشكلاتنا ليست بالضرورة أن نكون نحن من تسببنا بها، ولكن نحن المسؤولون "وحدنا في حلها"، وهذا فقط ما يحلها، فانتظار تغير الأهل، أو تغير الظروف، أو حتى الانتقام، أو الغرق في الحزن؛ لن يُجني فائدة حقيقية تعود على الشخص، ولا التحرر من معاناته، بل ستطول، فهذه المعاناة لها متخصصون تعلموا كيف يساعدون من وَقَعوا فيها ليحرروهم منها، فهذه أول نقطة أرجو أن تقدّر حجمها وفائدتها وأهميتها فوراً.
أما النقطة الثانية فهي مشاعر حزنك لفراق زميلك، وتعامل هذا الشخص معك بقسوة، هذا الأمر يحتاج لعلاج لمشاعر الألم والفقد عندك أنت يا ولدي؛ لأنها غائرة وعميقة أكثر مما تتصور، وربما تصل لطفولتك، رغم ظهور تلك المشاعر بسبب تصرف هذا الزميل الآن، وأشعر بك وبمعاناتك، ولكن الحمد لله أن هذا أيضاً مُقَدر جداً في تخصصنا، ويتمكن طبيبك النفسي من مساعدتك فيه، ويمكنك قراءة ما كتبته قبل ذلك في استشارات تخصّ الفراق أو التعلق، وكذلك باقي مستشارينا الكرام في ذلك من خلال الاستشارات أو المقالات المتخصصة في موقع صحتك.