اكتشفت طبيبة نسائية نمو كتلة صغيرة في ثديها الأيمن عندما كانت تبلغ من العمر 55 عاما، ولتحديد ما إذا كانت هذه الكتلة سرطانية أم لا، أُدخل أنبوب صغير داخل حلمة الثدي لاستخراج الخلايا ودراستها تحت المجهر. وبعد الفحص، كانت النتائج غير كافية، فطلب منها الحضور لزيارة أخرى، وهذه المرة خُدّرت تخديرا كاملا حتى يتمكنوا من إزالة الأنسجة المشبوهة جراحيا لفحصها.
والمريح للمريضة أن نتائج الفحص أظهرت أن الكتلة الصغيرة حميدة، لكنها لا تستطيع نسيان ألم العملية الجراحية التي خضعت لها لإجراء فحص تشخيصي، وتصف المريضة العملية أنها كانت مؤلمة للغاية، وربطت تجربتها غير السارة بإجراءات فحص السرطان الأخرى التي تعتبرها معذبة، مثل تصوير الثدي الإشعاعي الذي يتضمن وضع ثدي واحد في كل مرة على جهاز بارد استعدادا لتصويره.
وبشكل عام، تتعرض النساء للإصابة بسرطان الثدي بنسبة واحدة من كل ثمانية، ويعتبر هذا المرض السبب الرئيسي الثاني للوفاة من السرطان عند الإناث بعد سرطان الرئة. وفي حين أن التصوير الشعاعي للثدي لا يزال ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره المعيار الذهبي للكشف عن الأورام الخبيثة، فإن مجموعة من التقنيات المحسنة والجديدة تلوح في الأفق باستخدام المغناطيس والكهرباء والموجات الصوتية والبيولوجيا الخلوية أدواتٍ للفحص.
حيث يجرى تطوير بعض الطرق لجعل فحص سرطان الثدي أكثر راحة للنساء، وتتعهد هذه الطرق الجديدة بتقديم دقة أكبر وسلبيات أقل، ورغم ذلك، فإن الأطباء يحلمون يوما ما بالقدرة على إجراء فحص دم بسيط لمعرفة ما إذا كانت المرأة مصابة بسرطان الثدي أو ستصاب به في المستقبل. ويأمل البعض حتى أن هذه الاختبارات ستتيح لهم إخبار المرأة بالوقت المحتمل للإصابة بسرطان الثدي، وما الذي يمكن فعله حيال ذلك , لكن وللأسف، فإن الخبر السائد علميا هو أن مثل هذا السحر التشخيصي لن يكون متاحا في أي وقت قريب.
وعموماً، فيما يلي تقنيات فحص محسنة أو تجريبية قريباً قد تساعدك في الكشف عن سرطان الثدي.
1. تحسين الأجهزة المألوفة:
يعتبر التصوير الغشعاعي للثدي أفضل وسيلة لفحص سرطان الثدي في الوقت الحالي. وبدقة تصل إلى 85%، اكتشف جهاز الأشعة السينية الأورام الخبيثة الصغيرة جدا والتي لا يمكن لمسها، ما أدى إلى انقاذ العديد من النساء من المعاناة والموت. لكن، هناك دائما مجال لتحسين هذه الأجهزة، حيث تسعى عدة مجموعات بحثية للوصول إلى طريقة فحص رئيسية مطورة لسرطان الثدي.
2. تصوير الثدي الرقمي
أصبح التصوير الشعاعي الرقمي للثدي متاحا بشكل تدريجي، حيث تؤخذ صورة الأشعة السينية على الكمبيوتر بدلا من الفيلم المطبوع. وتوفر هذه الأجهزة إمكانيات عالية، فمثلها مثل الكثير من الصور الرقمية التي تلتقطها الكاميرات الرقمية، يمكن تكبير صور الثدي التي تُلتقط بواسطة التصوير الشعاعي الرقمي، ويمكن تعديل الدقة والحصول على صورة أوضح. وفي حين أن التصوير الشعاعي الرقمي للثدي أسهل في الاستخدام، إلا أنه ليس أكثر نجاحا في اكتشاف السرطانات من التصوير الشعاعي التقليدي، كما أن تكلفة الجهاز تعتبر باهظة.
3. أجهزة الكشف بمساعدة الكمبيوتر
تقنية التصوير الرقمي يمكن أن تتحسن بشكل خاص من خلال أجهزة الكشف بمساعدة الكمبيوتر (CAD) ذات البرمجة الأفضل، والتي تستخدمها الآن بعض المعامل لتحليل صور الثدي الشعاعية القياسية والتي تعد بديلاً ثانياً لأخصائيين الأشعة.
وتظهر الاختبارات المبكرة أن أجهزة الكشف بمساعدة الكمبيوتر يمكن أن تساعد في تحديد السرطانات التي غفل عنها الخبراء ولم يستطيعوا كشفها، ومع ذلك، هناك جدل مستمر حول ما إذا كان يمكن لآلة أن تحل محل اختصاصي الأشعة بشكل كاف في مراجعة نتائج الاختبار.
4. الموجات فوق الصوتية
غالبا ما يلجأ الأطباء الذين يرغبون في تقييم المشاكل التي اكتشفت لأول مرة أثناء تصوير الثدي بالأشعة السينية، أو الفحص البدني، إلى تقنية الموجات فوق الصوتية، حيث يُطلق جهاز الموجات فوق الصوتية موجات صوتية في الجسم ويعمل صورة للثدي من الارتداد الخلفي للموجات، حيث إن الصوت يتردد بشكل مختلف عن الكتل ذات التناسق غير الطبيعي مثل الأكياس المملوءة بالسوائل أو الأورام الصلبة. وكانت الموجات فوق الصوتية موجودة منذ عقود، لكن التحسينات على التكنولوجيا تعد بجعلها أكثر فائدة في البحث عن السرطان؛ حيث هناك تقدم ملحوظ في المراحل التجريبية لتطويرها وجعل الموجات فوق الصوتية تلتقط صورا ثلاثية الأبعاد للثدي بدلا من الصور ثنائية الأبعاد.
5. التصوير بالرنين المغناطيسي
تقنية أخرى للكشف عن سرطان الثدي عززها العلماء تدريجيا على مر السنين، هي التصوير بالرنين المغناطيسي(MRI).
وفي هذه الطريقة، يعمل مغناطيس كبير وموجات راديو وجهاز كمبيوتر معا لإنتاج ما يعتبره الخبراء صورة مقطعية واضحة للغاية للثدي.
علاوة على ذلك، يمكن للخبراء فحص مناطق محددة عن طريق حقن صبغة في الأوردة تتجمع في الأنسجة التي بها مشاكل، ما يجعلها أكثر وضوحا في صورة التصوير بالرنين المغناطيسي. كما أن هناك تقنيات مماثلة قيد التحقيق الآن مثل التصوير الإلستوغرافي بالرنين المغناطيسي (MRE) الذي يرسم صورة للثدي بناء على مرونة الأنسجة المهتزة.
للحصول على صورة أفضل للثديين
لا تزال العديد من طرق التحقق وتشخيص سرطان الثدي تجريبية في الوقت الحالي. وفي كثير من الأحيان، تلجأ النساء المعرضات لخطر الإصابة بالمرض إلى التجارب السريرية وأجهزة التصوير هذه في محاولة لتخفيف مخاوفهن.
بعض هذه الطرق التجريبية هي:
1. التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET):
تعتمد هذه التقنية على فكرة أن الورم لديه معدل استقلاب اعلى من الأنسجة الطبيعية, فعندما تُحقن مادة مشعة في وريد المريض، فإنها تنتقل إلى الخلايا السرطانية سريعة الانقسام والتي لديها احتياجات غذائية أكبر من الخلايا الطبيعية.
وعندها يمكن لماسح التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني اكتشاف نشاط الخلايا غير العادي وإنتاج صورة له.
2. غسل وتنظير القنوات
الفكرة وراء هاتين الطريقتين هي أن بعض أنواع السرطان تبدأ في قنوات الحليب في الثدي، ففي عملية غسيل القنوات تُدخل قسطرة من خلال الحلمة إلى قنوات الحليب, ويفرغ محلول ملحي في القنوات ثم يسحب، ثم تُفحص خلايا القنوات التي تُغسل تحت المجهر. أما في عملية التنظير فتُدخل قسطرة بضوء في طرفها من خلال الحلمة إلى القنوات، وتُحقن الصبغة , فتحدد الصبغة شكل القناة وتوضح الأشعة السينية بشكل مثالي ما إذا كان هناك نمو غير طبيعي في المنطقة.
3. التصوير الطيفي (EIS)
يجرى تطبيق تيارات كهربائية منخفضة التردد على الثدي، وتُكوّن الصورة بناء على النظرية القائلة إن الأنسجة الطبيعية والكتل السرطانية توصل الكهرباء بطرق مختلفة.
4. التحليل الطيفي للتصوير بالموجات الدقيقة (MIS)
يستخدم هذا الجهاز طاقة الميكروويف التي تشبه ترددات الهواتف المحمولة ( ولكن بمستوى أقل بكثير), وهذه التقنية حساسة بشكل خاص للماء، حيث يعتقد أن الأورام تحتوي على كمية من الماء والدم أكثر من الأنسجة العادية.
5. التصوير الطيفي بالأشعة تحت الحمراء القريبة (NIR)
تعتمد هذه الطريقة على فكرة أن ضوء الأشعة تحت الحمراء حساس للدم، ما يخلق صورة للهيموغلوبين داخل الثدي، ويعتقد أن معرفة نشاط الأوعية الدموية تُساعد على اكتشاف نمو الورم المبكر وتحديد مرحلته.
حاليا، يدرس الباحثون أربعاً من تقنيات الفحص هذه، فإذا وُجد على واحدة أو أكثر من هذه الطرق واعدة، فقد ينظر العلماء في دمج التقنيات في أداة واحدة, حيث بدأت التجارب السريرية لهذه التقنيات في إبريل/نيسان ،2003 وقد تنتهي في الصيف المقبل، ومن المقرر إجراء تحليل مؤقت مع إحصائيات رسمية حول نجاح كل تقنية في الفترة القريبة المقبلة.
6. التطلع إلى كرة بلورية بيولوجية
تبحث العديد من الدراسات حالياً في إمكانية تشخيص سرطان الثدي على المستوى الخلوي، فهناك أمل أن يتمكن الباحثون يوما ما من تحديد نقطة تحول عندما تصبح المواد البيولوجية سرطانية، ما يؤدي إلى تطوير طرق للكشف عن إشارات التحذير.
وقام المعهد الوطني للسرطان وحده بتمويل الأبحاث في ستة اختبارات على الأقل، تتضمن فحص البروتينات والجزيئات والجينات والمواد البيولوجية الأخرى النموذجية وغير المنتظمة, وإحدى هذه التجارب السريرية الكبيرة قيد التقدم وهي اختبار الدم.
من خلال تحليل الأنماط المخفية للبروتين بالدم، يقترح الباحثون القدرة على تمييز الأنسجة الخبيثة من الأنسجة الحميدة. وعلى الرغم من أن اختبار الدم هذا يجرى اختباره حاليا لسرطان المبيض فقط , يأمل الباحثون في أن تكون هذه التقنية بعد اثباتها قابلة للتكيف مع أنواع السرطان الأخرى.
والبشرى السارة هي أن إحدى هذه الدراسات للكشف عن سرطان الثدي من خلال النظر في خلايا الدم انتهت بالفعل. والنتيجة أن اختبار الدم كان ناجحا بنسبة 95% في اكتشاف الأورام الخبيثة, وتجرى حاليا مراجعة التقرير الكامل للنشر في مجلة طبية. لكن، متى يمكن أن يصبح اختبار الدم هذا متاحا؟ ذلك يعتمد على ثلاثة عوامل:
- يجب على الباحثين التحقق من دقة فحص الدم عن طريق الانتظار، لمعرفة ما إذا كان تلك النساء اللواتي خضعن للاختبار سوف يصبن بالسرطان أم لا.
- يجب أن تثبت هذه النتائج أن الاختبار يعمل بشكل موثوق عند مجموعات كبيرة من النساء.
- يجب أن توافق إدارة الغذاء والدواء على الاختبار.
كيف يساعد الفحص النساء المعرضات لمخاطر عالية للإصابة بسرطان الثدي؟
تعد التكنولوجيا للكشف عن الطفرات الجينية متاحة بالفعل، لكن توصى بها للنساء اللواتي لديهن سبب للاعتقاد بأنهن معرضات لخطر كبير للإصابة بسرطان الثدي، مثل تاريخ عائلي قوي.
كما يمكن أن تعطي المعلومات الجينية نظرة ثاقبة للكشف عن الأورام والمخاطر الفردية، وبالتالي تنخفض تكاليف التشخيص والعلاج بسبب الاكتشاف المبكر لوجود طفرة جينية، حيث تقدم السرطانات المختلفة معدلات متفاوتة من ديناميكيات المرض وتطوره، ومع اختلاف حجم الضرر الذي يتسبب فيه السرطان وظهور الأعراض ونسبة الوفيات وفقا لنوع الورم ومكانه، نحن بحاجة لأن نكون أكثر حرصا في الفحص والكشف قبل الوصول إلى مرحلة توسع وانتشار الورم.
ففي أوائل التسعينيات، وجد أن النساء اللاتي لديهن جينات متحولة معينة BRCA1 و BRCA2 يملن إلى خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 50% إلى 85%. منذ ذلك الحين، أصبحت مسألة الاختبارات الجينية مثيرة للجدل.
ويقول بعض الناس إن وجود الجين المتحور لا يعني بالضرورة أن المرأة ستصاب بسرطان الثدي، لذا فإن النتيجة الموجبة قد تسبب قلقا لا مبرر له, بالإضافة إلى أن هذه الجينات مسؤولة عن حالات قليلة نسبيا من سرطان الثدي. لذا تُنصح النساء اللواتي يقررن الخضوع للاختبار الجيني بالخضوع أولا للاستشارة الوراثية لمساعدتهن على التعامل مع المعلومات وتحديد ما يجب فعله حيال ذلك.
وقد تكون نتائج الطفرات الجينية تقريرا للمصير، فبدلا من أن تقرري إزالة ثدييك في سن الثلاثين لأنك قد تصابين بسرطان الثدي في وقت ما خلال الخمسين عاما القادمة، يساعدك هذا الاختبار على الانتظار حتى بلوغك سن الستين بعد أن تنجبي أطفالك وتعيشي حياتك.
* المصادر:
The Future of Breast Cancer Screening
What is the future of breast cancer screening?