يبدو أننا قد دخلنا بالفعل وبقوّة في عصر الذكاء الاصطناعي، والمستقبل مفتوح لتقنية روبوتات الدردشة وال Chat GPT، فبينما يعمل الباحثون على صقل دقة ووضوح روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، أصبحت هذه الأدوات قادرة بشكل متزايد على الاستجابة للطلبات شديدة التفصيل، بما في ذلك وضع خطط لأنظمةٍ وحِمْياتٍ غذائية.
انتعشت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا بقصص نجاح لأشخاص يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي ChatGPT لتحديد النظام الغذائي الأمثل، ووضع خطة للوجبات الصحية من خلال هذا النظام.
على الرغم من أن المصطلحات الرسمية للتقنية تنصّ على أنه "لا يُقصَد منه تقديم النصيحة الطبية"، وأنه "يجب استشارة الطبيب قبل بدء أي برنامج لفقدان الوزن"، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي ChatGPT تبدو مستعدّة للقيام بذلك بالفعل.
تقنيات الذكاء الاصطناعي "Chat GPT" واللغة العربية
ينخفض أداء الذكاء الاصطناعي عند مخاطبته باللغة العربية عنه عند مخاطبته باللغة الإنجليزية، ولكن ما هي أسباب ذلك؟
عندما طرحنا هذا السؤال على تقنية الذكاء الاصطناعي "Chat GPT" كان الجواب: هناك عدة أسباب لانخفاض أداء الذكاء الاصطناعي عند مخاطبته بالعربية، منها قلة كمية البيانات المتاحة باللغة العربية مقارنة باللغات الأخرى، وتعقيدات اللغة العربية وتنوّعها اللغوي، وصعوبة تحديد الجُمَل والكلمات العربية الصحيحة، بسبب عدم وجود قواعد قوية للغة العربية!
وعندما سُئِل عمّا إذا كان بإمكانه إنشاء خطة لنظام غذائي صحي لإنقاص الوزن، أجاب بعبارة "بالتأكيد".
لكن هل يستطيع الذكاء الاصطناعي حقًا إنشاء خططِ وجباتٍ مناسبة لأي شخص، ولكل شخص؟ وهل هناك مخاطر من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتوجيه نظامك الغذائي إذا كنت تعاني من حالة صحية تتطلّب تعديل النظام الغذائي؟
سنجيب على كل هذه التساؤلات في السطور القادمة.
أنظمة غذائية وخطط وجبات بتقنيات الذكاء الاصطناعي ChatGPT
يمكننا القول أنه يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي ChatGPT وروبوتات الذكاء الاصطناعي الأخرى إنشاء خطط وجبات لأنظمة غذائية صحية تساعدك في إنقاص وزنك، مع مراعاة تفضيلاتك الغذائية واحتياجاتك من السعرات الحرارية، والطول والوزن والعمر والجنس والأهداف الصحية.
في الواقع، يطلب الروبوت هذه المعلومات على الفور عندما يُطلَب منه إعداد النظام الغذائي الصحي المناسب، فعندما يُطلب منه -على سبيل المثال- إنشاء نظام غذائي صحي لمريضة تبلغ 60 عامًا، وتعاني من أمراض القلب، مع اشتراط أن يحتوي النظام على 1500 سعرة حرارية، فإنه يعطيك خطة لمدة 7 أيام لثلاث وجبات، ووجبتَين خفيفتَين في اليوم.
تتلاءم الخطة مع معايير صحة القلب لاحتوائها على كثير من الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة، والبروتينات الخالية من الدهون والأطعمة الأخرى المنخفضة الصوديوم.
مع ذلك، يكشف الفحص السريع للوجبات والوجبات الخفيفة المقدَّمة عن بعض العيوب المُذهِلة، فقد وُجِد أن الأنظمة الغذائية المُعطاة والتي تم اختبارها قليلة التنوع بشكل صارخ؛ إذْ تحتوي الوجبات الخفيفة الصحية للنظام المقترح لمرضى القلب على: تفاحة صغيرة، أو برتقالة صغيرة، أو كوب زبادي صغير خالٍ من الدسم، ولا شيء آخر طوال الأسبوع!
بالمثل، تتبع كلُّ وجبة عَشَاء نمطًا يمْكن التنبؤ به، يتكوّن من نوع بروتين واحد خالٍ من الدهون، وخضراوات محمّصة أو مطبوخة على البخار، وحصة واحدة من النشويات.
لا يُقَدِّم الذكاء الاصطناعي اقتراحات لجعل هذه الوجبات مُستساغة، عن طريق إضافة التوابل أو النكهات الأخرى.
في الوقت نفسه، لا تحتوي خطط الأيام السبعة المقترحة على أي مشروبات أو حلويات، بينما تُعدّ المشروبات جزءًا مهمًا في أي خطة للوجبات.
تقنيات الذكاء الاصطناعي وقوائم المشتريات من المتجر
عندما سَأَلْتُ تقنية الذكاء الصناعي Chat GPT إذا كان بإمكانها مساعدتي في وضع قائمة مشتريات غذائية صحية (Shopping list) تساعدني في إنقاص الوزن، فكان ردُّها:
أولًا: عليك التفكير في العناصر التي ستحتاجها لإعداد وجبات كاملة، ووجبات خفيفة صحية. ويجب أن تحتوي الوجبة المتوازنة على خمسة مكوِّنات:
- الخضار: يمكن أن تشمل خياراتك الخضارَ الطازجة أو المجمدة.
- البروتين: البيض والسلمون المعلّب والتونة من البروتينات الحيوانية السريعة والسهلة، والعدس من البروتينات النباتية الجيدة.
- الدهون المفيدة: تشمل الدهون التي يمكن أن تكون مفيدة: زيت الزيتون البِكْر الممتاز، والأفوكادو، والمكسرات، وزبدة الجوز والطحينة.
- الكربوهيدرات الغذائية الكاملة: تشمل الكربوهيدرات الغذائية الكاملة أنواع الفواكه الطازجة أو المجمّدة، والخضراوات النشوية مثل البطاطس، والحبوب الكاملة مثل الشوفان والأرز البُنِّيّ والكينوا.
- التوابل الطبيعية: يمكن أن تشمل التوابلُ الأعشابَ والتوابلَ الطازجة أو المجفَّفة، وكذلك التوابل المُغذّية مثل الخل البلسمي والخَردل المطحون.
ثانيًا: من المهم وقت التسوّق ألا تكون جائعًا أو معدتكَ فارغة، فالشعور بالجوع يجعلك أكثر عُرْضة لزيادة المشتريات التي قد تتجاوزها عندما تكون غير جائع.
ثالثًا: لا تُغْني تقنية الذكاء الاصطناعي عن استشارة الطبيب، أو اختصاصي التغذية لمعرفة النظام الغذائي الأنسب لك.
عيوب استخدام ChatGPT لتخطيط الوجبات
تشبه تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى حد كبير الإنترنت في أيامه الأولى، فتقنية ChatGPT مثلاً لديها بعض مكامن الخلل التي يجب حلّها قبل أن تصبح موردًا معلوماتياً جديرًا بالثقة تمامًا في مجال التغذية.
يُعدّ ChatGPT رائعًا في جمع المعلومات وتوحيدها، ولكنه ليس جيدًا -حتى الآن- في فحص مصادرها؛ فنظرًا لأن ChatGPT يسحب المعلومات من جميع أنحاء الإنترنت، فأنت لا تعرف ما إذا كنت تحصل على معلومات من مصدر موثوق، أو من مصدر مشكوك فيه.
اطلُبْ من الروبوت أن يعطيك خطة وجبات لأي هدف بشكل دقيق، حاوَلنا مثلًا كتابة "أعطني خطة وجبة لآذان أصغر حجمًا"، وستجد إجابة! وعلى الرغم من أن ChatGPT ينص على إخلاء مسؤولية أنه لا توجد أطعمة مرتبطة بأذنَين أصغر، فإنه لا يزال يُنشِئ خطة وجبات "صحية" تنص على أنها قد تساهم بشكل غير مباشر في الشعور بالثقة بالنفس وخلق طاقة إيجابية للجسم.
كما يمكننا إضافة أن احتمال الخطأ لا يكمن فقط في الروبوت نفسه، أو التقنية ذاتها، ولكن في الطريقة التي قد يستخدمها الناس؛ فقد يطلب المستخدمون خطط وجبات غير مناسبة لهم.
كما يجب أن نلاحظ أن الغالبية العظمى من المعلومات الموجودة على الانترنت عن التغذية مصدرها تحليل المواد والأطعمة الغربية، ولا توجد تحاليل دقيقة لكمية البروتينات والدهون والنشويات والمعادن والشوارد الموجودة في أطعمتنا العربية، مثل المحشي والكُسكس والمسخّن والمَنسف والمَكبوس ... ولذلك لا يقدم البرنامج اقتراحات تشمل الأطعمة العربية الشائعة.
متى تستشير طبيب التغذية؟
بقدر ما قد يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا في ظروف معينة، إلا أنه حتى الآن لا يمكن أن يَحُلَّ محلّ حكمة وفهم اختصاصيّ تغذية مدرب، وخاصةً في الحالات الطبية.
لذلك، يؤكّد الباحثون على أهمية التواصل البشري في وضع أفضل خطط الوجبات لصحتك. سيستغرق اختصاصيو التغذية الوقت الكافي لفهم وتقييم تاريخ صحتك الجسدية، وصراعات الصحة العقلية والنفسية، وما يعجبك، وما لا يعجبك، ونمط حياتك، والأهداف التي ترجوها من اتباع الحمية الغذائية بشكل عام. أي أنهم لا يُقدِّمون أفكارًا للوجبات فحسب؛ ولكنهم مدرَّبون على فهمكَ وإرشادكَ كشخص، ومساعدتكَ على تعلّم كيفية الالتزام بالتغْييرات التي تُجريها لتغيير صحتك حقًا على المدى الطويل.
أخيرًا:
يتضمن فقدان الوزن الناجح على المدى الطويل تطوير عاداتكَ الصحية بطريقة تساعدك على الالتزام بها، فقد يساعدكَ الذكاء الاصطناعي وتقنياته الحديثة في التخطيط للوجبات، ووضع قوائم التسوّق، إلا أن التغييرات في نمط الحياة تتطلّب التزامًا وتواصلًا شخصيًا مع طبيب تغذية مدرّب، يستطيع أن يتوصّل للنظام الغذائي الأمثل لك ولصحتك، ليحقق لك أهدافك على المدى الطويل.