أصيب الملاكم العالمي محمد علي كلاي بمرض باركينسون (داء الشَّلل الرَّعاش، أو داء الرقص) منذ حوالي سنة 1980 حينما كان عمره 38 سنة فقط. وظهرت تقارير عديدة عن احتمال وجود علاقة بين إصابته بهذا المرض وممارسته الاحترافية لرياضة الملاكمة، وأن هذا المرض ظهر عنده بسبب تعرضه المستمر لضربات على رأسه، وارتجاجات دماغية على مدى سنوات كثيرة من ممارسة الملاكمة العنيفة. ومن المعروف طبياً أن رضوض الرأس المتكررة ربما تسبب ظهور أعراض باركينسونية في مراحل متأخرة من العمر، فهل كانت رضوض الرأس هي السبب وراء إصابة الملاكم الشهير بمرض باركينسون؟
دراسة عصبية جديدة لمحمد علي كلاي
نشرت مجموعة من أطباء الأعصاب في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، تقييماً جديداً للحالة المرضية عند محمد علي كلاي قامت به في جامعة فلوريدا عن طريق دراسة تقارير طبية كثيرة ومفصلة، وعبر دراسة أفلام عن حركاته وتدريباته على مدى سنوات.
كيف أجريت الدراسة؟
قامت مجموعة الأطباء المختصين بالأمراض العصبية، بعد أخذ موافقة الأهل، بدراسة التقارير الطبية المفصلة عن حالة محمد علي، وبعض أفلامه على مدى نحو ثلاثين سنة، منذ أن لاحظ الأهل ظهور نوع من البطء في حركته اليومية في أواخر السبعينيات. خضع البطل في الفترة 1981-1986 إلى فحوصات طبية متفرقة في جامعة كاليفورنيا UCLA، وفي مايو كلينيك، ومستشفى جامعة كولومبيا في نيويورك. أثير احتمال وجود تشخيص مرض باركينسون منذ ذلك الحين، وطرح احتمال أن يرجع سبب ذلك إلى تكرر رضوض الرأس.
في الفترة 1995-2016 تلقى محمد علي المتابعة والعلاج العصبي بشكل رئيسي تحت إشراف أطباء الأعصاب في جامعة إيموري في أتلانتا، بولاية جورجيا الأميركية.
ما الذي كشفته الدراسة الشاملة الجديدة؟
بعد دراسة التقارير الطبية المفصلة على مدى أكثر من 30 سنة، منذ أن كان عمره في أواخر الثلاثينيات، حتى وفاته بعمر 74 سنة، توصل الأطباء إلى أن أعراض مرضه كانت مزمنة ومتزايدة تدريجياً، إذ إنه أظهر علامات "التعب، وضعف العضلات، وبطء الحركات، والوجه الجامد التعبيرات، إضافة إلى كثير من الأعراض الحركية التي تتوافق مع مرض باركينسون. من الواضح أنه استجاب جيداً لعلاج هذا المرض بدواء ليفودوبا Levodopa كما هو موثق في فحوصات عصبية متكررة في الثمانينيات، وهذه سمة ليست عادة من سمات الرجفان الذي قد يظهر بعد فترة طويلة من إصابات الرأس المتكررة".
نتائج الفحص بجهاز PET Scans
أظهر التصوير الدقيق بالنظائر المشعة لكامل جسم محمد علي كلاي سنة 1997 في جامعة إيموري وجود تغيرات في الدماغ تتوافق مع مرض باركينسون، ولم تظهر وجود إصابات دماغية رضية متكررة، وتم تأكيد هذا ثانية في فحص مماثل سنة 1998.
ازداد جمود تعابير وجهه على مر السنين، وازداد ضعف النطق، وظهرت أعراض وعلامات مرض باركينسون بشكل واضح، مثل انحناء الظهر، والخطوات القصيرة المتلاحقة، وعدم التوازن، والسقوط. انخفض وزن جسمه تدريجياً، وتدهورت ذاكرته، وأصيب بنوبات من الشعور بالإحباط البسيط، إلا أنه احتفظ بطاقته الإيجابية وتقبل حالته المرضية.
توفي محمد علي كلاي في 3 يونيو/ حزيران 2016 عن عمر بلغ 74 سنة.
ما هو التشخيص النهائي؟
يعتقد الأطباء الذين قاموا بهذه الدراسة لتقارير وأفلام محمد علي كلاي أن مرضه كان نوعاً من مرض باركينسون الشبابي الذي يسيطر فيه الرجفان "Young-onset tremor-dominant idiopathic Parkinson’s disease". وكان مرضه مزمناً، ومتزايداً بالتدريج، واستجاب للعلاج بدواء ليفودوبا المستخدم عادة في علاج مرض باركينسون. نفى هؤلاء الأطباء احتمال أن يكون مرضه ناتجاً عن رضوض الرأس المتكررة التي يمكن أن تؤدي لظهور أعراض الرجفان وبطء الحركة، لأن هذه الأعراض تكون مؤقتة عادة، وتظهر فيها حركات رجفان تتعلق بوضعية الجسم أو بالحركة، كما أن الرجفان الناتج عن رضوض الرأس لا يترافق عادة بصلابة الحركات وتقطعها وضعفها، بينما لوحظت جميع الأعراض النموذجية لمرض باركينسون عند محمد علي كلاي.
في تباين مع الانطباع العام بأن ممارسة الملاكمة تسبب مرض باركينسون، لم تظهر دراسات متكررة وجود هذه العلاقة بين الحالتين، بل هناك برامج عديدة لعلاج المصابين بمرض باركينسون عن طريق ممارسة رياضة الملاكمة تحت إشراف أطباء ومدربين مختصين، لأنها تحسن حالتهم الذهنية والجسمية.
المصادر:
New Evidence Sheds Light on Muhammad Ali's Parkinson's Disease | MedPage Today
