كشفت العديد من الدراسات عن الآثار الإيجابية التي يمكن أن تحدثها الطبيعة والبيئة المحيطة على الصحة العقلية والجسدية. والآن، يشير بحث جديد نُشر في 5 أغسطس/ آب من جامعة طوكيو إلى أن فوائد قضاء الوقت في الطبيعة تمتد إلى أبعد مما كان يُعتقد سابقًا.
دراسة جديدة: قضاء الوقت في الطبيعة مفيد لصحتك
أجرى الباحثون مراجعة منهجية لـ301 مقالة أكاديمية، تغطي 62 دولة، حول المساهمات غير المادية أو غير الملموسة للرفاهية التي توفرها الطبيعة.
حددوا 227 "مسارًا فريدًا" يربط بين النظام البيئي ومكون واحد لرفاهية الإنسان، وهو أكثر بكثير مما كنا نعتقد في البداية.
إن التواصل مع الطبيعة يوفر فرصًا للترفيه والتسلية والوفاء الروحي والتنمية الشخصية والعلاقات الاجتماعية والتجارب الجمالية، وأظهرت الدراسات السابقة أن الانخراط في مثل هذه الفرص يمكن أن يوفر فوائد، مثل تحسين الصحة البدنية والعقلية، والتماسك الاجتماعي، والشعور بالمكان.
إلى جانب 227 مسارًا حددها باحثو جامعة طوكيو، هناك أيضًا 16 "آلية فردية". وهذه الآليات هي أنواع شاملة من الاتصال يتم من خلالها إنشاء مسارات أكثر تحديدًا،
آليات جديدة يظهرها البحث
ورغم أن الدراسات السابقة أبرزت بالفعل بعض الآليات، لكن البحث الجديد حدد 10 أخرى. وتشمل هذه:
- التماسك: تطوير علاقات إنسانية ذات مغزى من خلال التفاعلات مع الطبيعة.
- تكويني: عندما تتغير عناصر مثل الحالة المزاجية والموقف والسلوكيات والقيم على الفور أو على مدى فترة قصيرة، بعد التفاعل مع الطبيعة.
- الرضا: الشعور بأن توقعاتك واحتياجاتك راضية من خلال التفاعلات مع الطبيعة.
- التعالي: الحصول على الفوائد المتعلقة بالقيم الدينية أو الروحية بعد التفاعل مع الطبيعة.
على الرغم من أن النتائج ليست مفاجئة بالضرورة - على الأقل للخبراء في مجالنا - فإن دراستنا توفر أول جهد شامل لتنظيمها. وبهذا المعنى، فإنه يوفر قاعدة معلومات متماسكة وإطار عمل مفاهيميا لكيفية حدوث هذه الروابط.
عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع الطبيعة والبيئة، يمكن تحفيز هذه الآليات بطرق مختلفة. على سبيل المثال، نزهة لطيفة في الغابة، أو المساعدة في تنظيف الشاطئ، أو استكشاف مدينة جديدة، أو البحث عن التوت، فكلها أنشطة تحفز الشعور بالاتصال.
لاحظ الباحثون أيضًا أنه قد يحدث تقاطع للآليات، وهو ما يزيد من تأثيرها. على سبيل المثال، فإن الاهتمام بالطبيعة من خلال نشاط ترفيهي قائم على الطبيعة، مثل البستنة، سيشمل كلا من الآليات المعرفية والتطورية.
ووجد أيضاً أن التحفيز لا يأتي فقط من العالم الخارجي. ولعدة قرون، كان معروفًا لبناة المعابد في جميع أنحاء العالم أن أسقفهم العالية تدفعنا نحو التفكير المجرد ومشاعر الرهبة.
النتائج على الصحة والرفاه
كان من الصعب قياس التأثيرات الحقيقية للطبيعة على الرفاهية، وعلى الرغم من أننا نتمتع بمستوى جيد من الفهم لوجود هذه الروابط بين هذه الفوائد غير المادية ورفاهية الإنسان، إلا أننا ما زلنا غير متأكدين تمامًا من الطرق الفعلية التي تحدث بها هذه الروابط في الواقع، أو تأثيرها الفعلي على جوانب مختلفة، وهذا إلى حد كبير لأن العديد من الدراسات الحالية قد استخدمت منهجيات ومقاييس مختلفة، أو ركزت على الفوائد الفردية، والنظم البيئية، والسياقات الجغرافية.
والفريق البحثي في الدراسة الجديدة كان قادراً على فهم كيفية حدوث الروابط في الواقع بشكل أفضل بالإضافة إلى آثارها النسبية على جوانب مختلفة من الرفاهية.
- شوهدت أكبر الفوائد في الصحة البدنية والعقلية، مع الترفيه والسياحة والقيمة الجمالية.
- جاء الدور المهم الذي تلعبه البيئة في إثارة مشاعر الترابط والانتماء في المرتبة الثانية، وكذلك في ترسيخ حس التعلم والقدرة.
- هناك مجموعة متنوعة من العوامل يمكن أن تؤثر على الرفاهية، وتشمل الخلفية الديموغرافية (أي الجنس والعمر والتعليم والدخل)، وخصائص المناظر الطبيعية (أي المساحات الخضراء وحجم عناصر المناظر الطبيعية وشكلها)، والمسافة إلى الموقع والميزات الثقافية والتاريخية والتفضيلات الشخصية وما إلى ذلك.
لم تكن كل تأثيرات الطبيعة إيجابية
على الرغم من العثور على فوائد لا تعد ولا تحصى للتواصل مع الطبيعة، فقد رأى الباحثون أيضًا نتائج غير مواتية لرفاهية الإنسان، حيث اكتشفوا آليات سلبية قليلة وبعض المسارات الأقل فائدة.
قال غاسباراتوس: "على الرغم من علمنا بإمكانية وجود مثل هذه الروابط، إلا أن هناك القليل من الدراسات التي تحاول تنظيم هذه المعلومات".
تم التعرف إلى عاملين أساسيين كمساهمين سلبيين محتملين في الرفاهية:
- تدهور أو فقدان العوامل الحالية، مثل حديقة غير خاضعة للصيانة.
- الأذى، مثل تغريد الطيور بصوت عالٍ خارج نافذتك، والتي قد يجدها البعض مزعجة.
كما أن البعض قد يستفيد من بعض العوامل، بينما لا يستفيد آخرون، وعلى سبيل المثال، في مجتمع السكان الأصليين، يمكن أن يؤدي الترويج للأنشطة السياحية لخلق فرص ترفيهية للزوار - مع فوائد متعددة للرفاهية، مثل الصحة البدنية، والتعلم، وما إلى ذلك، وفوائد اقتصادية لبعض السكان المحليين مثل الاقتصاد الجيد، ولكن في الوقت نفسه، فإن تحديات التعامل مع تدفق السياح يمكن أن تعرض للخطر مكونات الرفاهية المختلفة للسكان المحليين الآخرين.
ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن نتائج الدراسة كانت إيجابية إلى حد كبير، وكتب مؤلفو الدراسة: "بشكل عام، هناك انتشار أعلى في الأدبيات الخاصة بالتأثيرات الإيجابية وعالية الحجم للطبيعة على رفاهية الإنسان، وانتشارًا أقل نسبيًا للآثار السلبية".
كيف تفيد الطبيعة الجسم والعقل؟
نحن نعلم أن الوجود في الهواء الطلق في بيئات مختلفة يمكن أن يوفر مجموعة من الفوائد. ولكن كيف تؤثر الطبيعة بالضبط على حالتنا الفسيولوجية والعقلية؟
- فوائد الطبيعة لا يتم تسهيلها فقط من خلال المحفزات البصرية، ولكن أيضًا من خلال الأصوات والروائح وجميع الحواس الأخرى،
- أظهرت الدراسات أنه يمكن أن تكون لدينا استجابة فسيولوجية للوجود في بيئات طبيعية، ما يقلل من معدل ضربات القلب وضغط الدم وتوتر العضلات.
- يمكن أيضًا أن تفيد في استعادة التوازن النفسي، مع انخفاض الكورتيزول، وتحسين التركيز، والشعور بإحساس أعمق بالاتصال.
نتيجة لهذه التأثيرات، أفاد المشاركون في الدراسات البحثية السابقة بفوائد تشمل:
- انخفاض مستويات التوتر
- تقليل القلق والاكتئاب
- تحسين احترام الذات
- تعزيز الثقة
كم من الوقت يجب أن تقضيه في الطبيعة؟
مع الجداول الزمنية المزدحمة، ليس من الممكن دائمًا تخصيص ساعات للانخراط في الأنشطة الخارجية، خاصةً لأولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية. إذن، ما هو الوقت الكافي للانغماس في الطبيعة من أجل الحصول على الفوائد؟ بينما لم يستكشف الباحثون في هذه الدراسة بالذات هذا العامل، قدمت دراسات أخرى اقتراحات.
- أظهرت إحدى أولى دراسات علم النفس البيئي المعروفة جيدًا أنه حتى مجرد الحصول على منظر للطبيعة من سرير المستشفى يمكن أن يساعد في التعافي من الجراحة ويؤثر على مقدار الألم الذي يشعر به المريض.
- في الآونة الأخيرة، وجدت دراسة أجريت عام 2019، أن قضاء 120 دقيقة في الخارج كل أسبوع - والتي يمكن تقسيمها إلى فترات زمنية أصغر - كان مرتبطًا بصحة وعافية أفضل.
- كشفت دراسة أخرى من عام 2021 أن 30 دقيقة فقط من الوقت في الهواء الطلق يمكن أن تخفض ضغط الدم بنسبة 10% تقريبًا.
- الإجماع العام هو أن ساعتين في الأسبوع أو أكثر تحدث فرقًا ملحوظًا في حالة الرفاهية، وأن أقل من 20 دقيقة يوميًا يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي.
نصائح لتحسين اتصالك بالطبيعة
سواء كنت في منطقة حضرية أو محاطة بالريف، هناك الكثير من المناطق الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تؤدي إلى تحسين الرفاهية، فالطبيعة في كل مكان حولنا، وإذا تمكنا من احتضان ما نصل إليه، فسنجد فوائد أقرب مما كنا نتوقعه.
على سبيل المثال، يمكنك ممارسة هواية أو نشاط جديد يسمح لك بقضاء المزيد من الوقت في الخارج، مثل مراقبة الطيور أو البستنة أو التجذيف أو مجرد الذهاب للركض. إذا كنت في المدينة، يمكنك المشي لمسافات طويلة في حي جديد والانخراط في محيطك.
قد يُحدث تبديل تنقلاتك الصباحية فرقًا أيضًا، فمن المحتمل أن تستفيد حتى من مجرد المشي للعمل في حديقة أو منطقة أكثر هدوءًا فيها المزيد من الأشجار.
وإذا كنت عالقا في مكتب فيمكن تصميم الديكورات الداخلية حيث تقضي يومك. قد تحاول:
- إضافة المزيد من النباتات الداخلية
- استخدام أثاث مصنوع من مواد طبيعية مثل الخشب
- السماح بأكبر قدر ممكن من أشعة الشمس
- تعليق الصور والأعمال الفنية للأماكن الطبيعية
الخلاصة
نعلم جميعًا أن قضاء الوقت في الطبيعة يمكن أن يجعلنا نشعر بالرضا، وتساعدنا مجموعة متزايدة من الأدلة على فهم السبب.
تعزز أبحاث جامعة طوكيو المعرفة العلمية والوعي بالعلاقة بين البيئة والرفاهية، والتي قد تكون لها آثار أكبر على الصحة العامة.
ويعتقد الباحثون أن النتائج التي توصلوا إليها يمكن أن تكون لها تطبيقات عملية لإعلام صانعي السياسات والممارسين في خطاب إدارة النظام البيئي.
تذكر أن هناك العديد من الطرق التي يمكنك من خلالها الوصول إلى الطبيعة والاستمرار في تلقي الفوائد، حتى لو كنت تعيش في مدينة. يمكن أن يساعد الذهاب في نزهة في الحي وإضافة المزيد من النباتات إلى منزلك أو مكتبك والحصول على المزيد من ضوء الشمس في تحفيز الشعور بالارتباط بالطبيعة.
المصادر
Spending Time In Nature Is Good for You. New Research Explains Why
Spending at least 120 minutes a week in nature is associated with good health and wellbeing