صحــــتك

أمراضٌ غيَّرت مسارات التاريخ.. الجدري والتيفوس

التيفوس
كان للأوبئة والأمراض دور في تغيرات تاريخية هامة، أثرت على حياة الأمم والممالك وغيرت مسارات الحروب والمعارك، فليس وباء كورونا الجديد أول مرض يخيف البشر. وأشرنا في المقال السابق إلى الموت الأسود أو وباء الطاعون، وفي هذا المقال نستعرض الآثار التاريخية الكبيرة لأمراض الجدري والحصبة والتيفوس.
 
1. 
الجدري والحصبة
- ساعد مرض الجدري ومرض الحصبة الغزاة الإسبان على كسب الحرب ضد السكان الأصليين في قارة أميركا الجنوبية والمكسيك، بينما احتاج الأوروبيون الآخرون إلى نحو 100 عام للتغلب على سكان أميركا الشمالية الأصليين.

تموضَعت إمبراطورية الأزتيك Aztec في وسط المكسيك، وكانت إمبراطورية مزدهرة تميزت ببناء الأهرامات كمدافن للآلهة التي يستيمتون في الدفاع عنها.
وبنى الأزتيك عاصمتهم Tenochtitlan (مدينة المكسيك العاصمة حالياً)، سنة 1325، على جزيرة في بحيرة تكسكوكو، وبلغ عدد سكانها نحو 200 ألف نسمة، وكانت تتوسط تلك المدينة أهراماتها.

تموضعت إمبراطورية الإنكا Inca في جبال الأنديس في أميركا الجنوبية، وامتدت لتشمل معظم الشاطئ الغربي لأميركا الجنوبية. في سنة 1532، هاجم المستكشف الإسباني فرانسيسكو بيزارو إمبراطورية الإنكا Inca وهزمها.
وفي سنة 1519، وصل المستكشف الإسباني هرمان كورتيس إلى مكسيكو، وهزم إمبراطورية الأزتيك بحلول عام 1521.

ادّعى كورتيس أنه إله وأنّ تفوق المقاتلين الإسبان هو سبب الانتصار، بينما عَزَا سكان الأزتيك والإنكا هزيمتهم إلى تفوق ربّ الإسبان على آلهتم، وتحوّل كثير منهم نتيجة هذا الاعتقاد إلى المسيحية.
والحقيقة أنّ لا ادعاء كورتيز ولا اعتقاد السكان الأصليين كانا وراء نتيجة المعارك، وإنما كان الجدري والحصبة وراء هزيمة الإمبراطوريتين.

لقد ساهم اختلاط هؤلاء السكان بالأوروبيين قبل فترة قصيرة جداً من الغزو الإسباني في انتقال الأمراض الأوروبية المعدية إليهم، وكان على رأسها الجدري والحصبة.
وأصيب الكثير من سكان تلك الإمبراطوريات وكثير من المقاتلين المشهود لهم بالشجاعة بالحصبة والجدري. وتسبب المرض بموت الآلاف منهم، ما قَلَبَ موازين المعارك بسرعة لصالح الإسبان.

- في أثناء الحرب الأهلية الأميركية عام 1860، مات كثير من الجنود الأميركيين نتيجة إصابتهم بالجدري أثناء محاولتهم انتزاع كندا من الإنكليز.
وأدى الوباء إلى انسحاب الأميركيين، وساهم ذلك في بقاء كندا دولة مستقلة، وليست ضمن الولايات المتحدة الأميركية.

 2.    التيفوس أو حمى التيفوس Typhus or Typhus fever

هو مرض جرثوميّ خَمَجيّ تسببه بكتيريا الريكتسيا، وله عدة أشكال، أشدّها الشكل الوبائي. وتبلغ نسبة الوفيات بهذا الشكل الوبائي من المرض حوالي 20% – 60% من الحالات إذا لم يعالَج.

لا ينتقل المرض من إنسان مصاب إلى آخر مباشرة، لكن وجود وسيط ناقل مثل حشرات القمل والبرغوث والعثّ هو الذي ينقل المرض من شخص لآخر، لذلك تكثر الإصابات عند وجود تجمعات فقيرة وكبيرة، ويحدث ذلك أيضاً خلال المجاعات والحروب.

تتوافر حالياً علاجات للمرض تشتمل على بعض المضادات الحيوية، بينما لم يكن هنالك قبل عهد المضادات الحيوية أي علاج لهذا المرض الذي فتك بعشرات الآلاف من البشر.

- غزا نابليون بونابرت روسيا سنة 1812 على رأس جيش قوامه 500 ألف جندي، وسببت المقاومة الروسية العنيفة، ونقص مؤن وطعام الجيش الفرنسي نتيجة قساوة المعركة، والعوامل الجوية كالثلوج وغيرها، موت أعداد كبيرة من الجنود. وساهمت الأمراض، وعلى رأسها التيفوس، في قتل مزيد من الجنود والتسبب في الهزيمة الفرنسية.

لقد انتشر القمل في أجساد الجنود الفرنسيين، الذين كانوا يمضون أياماً طويلة دون استحمام وليس لديهم الوقت لتغيير ثيابهم وغسلها.
فقد الفرنسيون في تلك الحملة العسكرية 400 ألف مقاتل، وكان نصيب التيفوس لوحده منهم نحو 220 ألف مقاتل.
لقد قتل التيفوس لوحده نصف المقاتلين، ولربما ساهم ذلك في تغيير مسار التاريخ.



- في سنة 1914، أعلنت النمسا الحرب على صربيا بعد مقتل الأرشيدوق فيرناند، وسرعان ما امتدت الحرب وتحولت إلى صراع عالمي سمّي الحرب العالمية الأولى.
تعرضت المدن الصربية على الجبهة الأمامية للتدمير، ما دفع السكان إلى الشوارع دون مأوى ودون بنية تحتية مع انهيار تام للبنى الصحية، كما أسر الصرب حوالي 20 ألف جندي من النمساويين وقادوهم إلى السجون.

في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1914، ونتيجة لسوء التغذية وقلة النظافة في السجون وانتشار القمل، انتشر وباء التيفوس بين السجناء والأسرى والمساجين، ثم ما لبث أن امتد إلى القوات المقاتلة، وخلال عام واحد قَتَل التيفوس حوالي 150 ألف شخصٍ منهم، من بينهم 50 ألف سجين، علاوة على فقدان ثلث الكوادر الطبية في ذلك البلد نتيجة مرض التيفوس.
وأدى ذلك إلى ثني النمسا عن غزو صربيا خشية انتشار التيفوس داخل حدودها.
لقد قتل التيفوس كثيراً من الصربيين وفي الوقت نفسه حماهم من الغزو النمساوي، ويا لتلك المفارقة!!

- وعلى الجبهة الروسية، تم تسجيل نحو 2.5 مليون حالة وفاة خلال العامين الأخيرين من الحرب العالمية الأولى وأثناء الثورة البلشفية، وقد ساهم الجوع والبرد والحرب مجتمعين في امتداد الوباء بين الجنود واللاجئين المصابين بالتيفوس ليصل إلى معظم المدن والبلدات.



- خلال الحرب العالمية الثانية، كان لاستخدام طرق الوقاية من التيفوس واستخدام المبيدات الحشرية وجهود مسؤولي الطب الوقائي العسكريين دور كبير في عدم تفشي التيفوس.

- ولكن، عندما فر الجنود الألمان من مدينة نابولي الإيطالية في شتاء 1943، تركوا المدينة مدمرة بلا بنى تحتية، ما أفسح المجال لانتشار التيفوس، حيث كان يصاب حوالي 700 شخص أسبوعياً في بداية كانون الثاني/ يناير 1944.
ولحسن حظ سكان نابولي، دخل الحلفاء المدينة واستخدموا كل وسائط الرعاية الصحية، وبذلك جنبوا المدينة شر ذلك الوباء القاتل.

- أما في اليابان، فقد تفشى التيفوس خلال الحرب العالمية الثانية بين العمال الكوريين الذين جَلَبَهم اليابانيون للعمل في مناجم الفحم في مدينة هوكايدو، ثم انتشر المرض بين سكان المدينة، ما سبب نحو 45 ألف إصابة، مات عدد قليل منهم نسبياً.

آخر تعديل بتاريخ
09 أبريل 2020
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.