بدايةً، لا بد من أن أشير إلى أن العالَم بعد تفشي وباء فيروس كورونا الجديد (كوفيد 19) الحالي لن يكون كما كان عليه قبل تفشي هذا الوباء. فقد ضرب هذا الفيروس المتناهي في الصغر ضربته مكلفاً البشرية، ولا يزال، خسائر هائلة على صعيد الضحايا البشرية والخسائر المالية والعلاقات السياسية والاجتماعية إلخ.
وليس ذلك بجديدٍ إذا ما استعرضنا دور الأمراض والأوبئة في زوال إمبراطوريات ودول وتحقيق انتصارات وهزائم للدول والجيوش. لقد كانت أوبئة الجدري والطاعون والحصبة والتيفوس والملاريا والسل فرقَ موتٍ حقيقيةٍ شكّلت كوابيس قاتلة ومرعبة على مر العصور القديمة، ولعبت دوراً كبيرا في تغيير مسارات التاريخ.
ولا يزال بعض تلك الأمراض، كالسل والملاريا، منتشراً يُخلِّفُ عشرات الآلاف من الضحايا سنويا في البلدان النامية، علاوة على الأعباء الاقتصادية الهائلة التي تكبِّدها تلك الأمراض للدول والأفراد. وأيضاً، لا يزال الإيدز يضرب يمنة ويسرة مخلِّفاً عشرات الآلاف من الضحايا سنوياً في بلدان العالم كافة، فقيرها وغنيها.
ودارت رحى حرب البيلوبونيز التي استمرت من عام 431 ق.م. وحتى عام 404 ق.م. بين سكان مدينة أثينا عاصمة الإمبراطورية اليونانية وحلفائها ممن يسمَّون بالاتحاد الديلي من جهة، وسكان مدينة أسبارطة وحلفائها البيلوبونيزيين والمقدونيين وغيرهم من جهة أخرى.
في البدء، كان ميزان القوى شبه متعادل بين الفريقين، مع تفوق بري أسبارطي يقابله تفوق بحري أثيني. لكن، وبعد سنتين من بدء الحرب، أي في مارس/آذار من عام 429 ق.م. ضرب وباء الطاعون مدينة أثينا وقضى على نحو 75000 شخص من سكانها (كانوا يعدّون نحو 300000 شخص) وعلى ربع مقاتليها، وعلى رأسهم زعيمهم القائد بركليس Pericles، الذي كان اليونانيون بحاجة ماسة لحكمته وشجاعته وبراعته.
أطلق اليونانيون على الطاعون لقب الموت الأسود، وقد استمر الوباء حتى عام 427 ق.م. وكانت له تأثيرات خطيرة على مجتمع أثينا. وأفضى انتشار الوباء إلى فقدان الأمن وانتشار الجريمة والفقر والجوع وفقدان الانضباط وعدم الالتزام بالقوانين والقيم الأخلاقية.
ولكم أن تتخيلوا أعزائي القراء معنويات المقاتلين الأثينيين. انتهت الحرب أخيراً سنة 404 ق.م. بانتصارٍ ساحق للأسبرطيين.
لقد كان وباء الطاعون، مع عوامل وتحالفات أخرى، سلاحاً استراتيجياً خطيراً في تلك الحرب حيث ساهم مساهمة فعّالة وحاسمة في كسر معادلة التوازن العسكري، وقَتل من السكان ومن الجنود أكثر مما قُتل في ساحات المعارك. وأدت تلك الهزيمة، التي ساهم الطاعون في حدوثها، إلى تمهيد الطريق لسقوط الإمبراطورية اليونانية.
أما الإمبراطورية الرومانية، فقد ساهم الطاعون في انهيارها أيضاً، فقد جلب المحاربون الرومان العائدون من الحملات العسكرية في الشرق الأدنى الطاعون والحصبة والجدري إلى بلداتهم ومدنهم، وكان الطاعون سبب موت الإمبراطور الروماني لوسيوس فيروس Lucius Verus سنة 169 ميلادية. وبعدها بتسع سنوات، تفشّى الطاعون مرة ثانية، حيث كان يموت كل يوم نحو 2000 شخص في روما وحدها. وقد قدّر العدد الإجمالي لضحايا ذلك الوباء بنحو 5 ملايين شخص.
كما دمَّر الطاعون الجيشَ الروماني وكان من ضحاياه الإمبراطور الروماني الكبير ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius. وساهم ذلك لاحقاً في انهيار الإمبراطورية الرومانية سنة 540 ميلادية. وأخيراً يقدّر بعض المؤرخين أن الطاعون قَتل أكثر من نصف الأوروبيين أيضاً بين عامي 1104 و1110م.
وسنتابع التعرف على تأثير الأوبئة على تاريخ الأمم والبشر في مقال قادم.. فإلى لقاء.
وليس ذلك بجديدٍ إذا ما استعرضنا دور الأمراض والأوبئة في زوال إمبراطوريات ودول وتحقيق انتصارات وهزائم للدول والجيوش. لقد كانت أوبئة الجدري والطاعون والحصبة والتيفوس والملاريا والسل فرقَ موتٍ حقيقيةٍ شكّلت كوابيس قاتلة ومرعبة على مر العصور القديمة، ولعبت دوراً كبيرا في تغيير مسارات التاريخ.
ولا يزال بعض تلك الأمراض، كالسل والملاريا، منتشراً يُخلِّفُ عشرات الآلاف من الضحايا سنويا في البلدان النامية، علاوة على الأعباء الاقتصادية الهائلة التي تكبِّدها تلك الأمراض للدول والأفراد. وأيضاً، لا يزال الإيدز يضرب يمنة ويسرة مخلِّفاً عشرات الآلاف من الضحايا سنوياً في بلدان العالم كافة، فقيرها وغنيها.
الطاعون.. هازم الجيوش وهادم الممالك
البيلوبونيز، التي سميت باسمها حرب البيلوبونيز الشهيرة، هي شبه جزيرة تقع في جنوب اليونان، وسميت على اسم إله التواضع بيلوبس Pelops عند الإغريق القدماء.ودارت رحى حرب البيلوبونيز التي استمرت من عام 431 ق.م. وحتى عام 404 ق.م. بين سكان مدينة أثينا عاصمة الإمبراطورية اليونانية وحلفائها ممن يسمَّون بالاتحاد الديلي من جهة، وسكان مدينة أسبارطة وحلفائها البيلوبونيزيين والمقدونيين وغيرهم من جهة أخرى.
في البدء، كان ميزان القوى شبه متعادل بين الفريقين، مع تفوق بري أسبارطي يقابله تفوق بحري أثيني. لكن، وبعد سنتين من بدء الحرب، أي في مارس/آذار من عام 429 ق.م. ضرب وباء الطاعون مدينة أثينا وقضى على نحو 75000 شخص من سكانها (كانوا يعدّون نحو 300000 شخص) وعلى ربع مقاتليها، وعلى رأسهم زعيمهم القائد بركليس Pericles، الذي كان اليونانيون بحاجة ماسة لحكمته وشجاعته وبراعته.
أطلق اليونانيون على الطاعون لقب الموت الأسود، وقد استمر الوباء حتى عام 427 ق.م. وكانت له تأثيرات خطيرة على مجتمع أثينا. وأفضى انتشار الوباء إلى فقدان الأمن وانتشار الجريمة والفقر والجوع وفقدان الانضباط وعدم الالتزام بالقوانين والقيم الأخلاقية.
ولكم أن تتخيلوا أعزائي القراء معنويات المقاتلين الأثينيين. انتهت الحرب أخيراً سنة 404 ق.م. بانتصارٍ ساحق للأسبرطيين.
لقد كان وباء الطاعون، مع عوامل وتحالفات أخرى، سلاحاً استراتيجياً خطيراً في تلك الحرب حيث ساهم مساهمة فعّالة وحاسمة في كسر معادلة التوازن العسكري، وقَتل من السكان ومن الجنود أكثر مما قُتل في ساحات المعارك. وأدت تلك الهزيمة، التي ساهم الطاعون في حدوثها، إلى تمهيد الطريق لسقوط الإمبراطورية اليونانية.
أما الإمبراطورية الرومانية، فقد ساهم الطاعون في انهيارها أيضاً، فقد جلب المحاربون الرومان العائدون من الحملات العسكرية في الشرق الأدنى الطاعون والحصبة والجدري إلى بلداتهم ومدنهم، وكان الطاعون سبب موت الإمبراطور الروماني لوسيوس فيروس Lucius Verus سنة 169 ميلادية. وبعدها بتسع سنوات، تفشّى الطاعون مرة ثانية، حيث كان يموت كل يوم نحو 2000 شخص في روما وحدها. وقد قدّر العدد الإجمالي لضحايا ذلك الوباء بنحو 5 ملايين شخص.
كما دمَّر الطاعون الجيشَ الروماني وكان من ضحاياه الإمبراطور الروماني الكبير ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius. وساهم ذلك لاحقاً في انهيار الإمبراطورية الرومانية سنة 540 ميلادية. وأخيراً يقدّر بعض المؤرخين أن الطاعون قَتل أكثر من نصف الأوروبيين أيضاً بين عامي 1104 و1110م.
وسنتابع التعرف على تأثير الأوبئة على تاريخ الأمم والبشر في مقال قادم.. فإلى لقاء.