ما هو المرض الوراثي؟ وكيف يشخص؟

• من أين نبدأ؟

لنفهم هذه التعبيرات يجب أن نبدأ أولا من الخلايا؛ هذه الوحدات التي تكوّن جسم الكائن الحي ويوجد منها في الإنسان ما قد يصل إلى مائة تريليون خلية. هذه الخلايا تحصل على الغذاء من الطعام، لتحوّله إلى طاقة تستخدمها في أداء الوظائف المختلفة.

تحتوي الخلايا على المادة الوراثية في الجسم، والتي يمكن نسخها لإنتاج العديد من النسخ التي تحتوي على نفس المعلومات. هذه المادة الوراثية تتواجد داخل الخلية في مكانين محددين، الأول هو النواة التي تمثل مركز قيادة الخلية، حيث تتحكم في نموها ونضجها وانقسامها وموتها، وتحتوي على الجزء الأكبر والرئيسي من المادة الوراثية المعروفة بالدي إن إيه DNA. الجزء الثاني هو الميتوكوندريا التي تحتوي على مادة وراثية خاصة بها منفصلة عن تلك الموجودة في النواة وتؤدي وظائف مختلفة كذلك.

• لكن.. مما تتكون هذه المادة الوراثية؟

تتكون هذه المادة الوراثية من الحمض النووي الدي أوكسي ريبوزي، أو ما يُعرف اختصارا بالدي إن إيه DNA.

تتواجد المعلومات في الدي إن إيه على شكل شفرة تتكون من أربعة حروف أو أربعة قواعد نيتروجينية، هذه القواعد هي الأدنين (Adenine (A، والجوانين (Guanine (G، والسيتوزين (Cytosine (C، والثايمين (Thymine (T. هذه الحروف الأربعة تكوّن كتاب الوراثة في الخلية الحية التي تحتوي على قرابة 3 بلايين حرف. يمثل ترتيب هذه الحروف المعلومات الوراثية اللازمة لنمو وبقاء الكائن الحي، تماما كما تكوّن الحروف الأبجدية الكلمات والجمل.

حين تنقسم الخلايا لتتكاثر تحصل كل خلية جديدة على نفس النسخة من الحمض النووي أو المادة الوراثية. تتكون الجينات من الدي إن إيه، ويتراوح عدد القواعد في كل جين بين عدة مئات وقرابة مليوني قاعدة، وتمثل الجينات وحدات الوراثة، وهي تحتوي على التعليمات اللازمة لبناء البروتينات التي تقوم بالوظائف الحيوية. علي سبيل المثال هناك بروتين الجلوبين الموجود في الهيموجلوبين الذي يعمل على نقل الأكسجين في كرات الدم الحمراء، وكذلك هناك الجلوبيولين المناعي الذي يساعد على حماية الجسم من الميكروبات. يملك كل شخص نسختين من كل نوع من أنواع الجينات، يتم وراثة نسخة من الأب والأخرى من الأم.

هذه الجينات تتواجد على ما يُعرف بالكروموسومات، حيث تحتوي نواة البشر في الحالة الطبيعية على 23 زوجا من الكروموسومات (46 كروموسوما، من بينها 22 زوجا من الكروموسومات الجسدية، واثنان من الكروموسومات الجنسية التي تختلف بين الذكور والإناث، حيث يوجد في الإناث نسختان من كروموسوم X، بينما تحتوي خلية الذكور على نسخة من كروموسوم X وأخرى من كروموسوم Y.

لتبسيط الأمر وبعبارة موجزة.. القواعد النيتروجينية تكوّن حروف الدي إن إيه.. الجينات تتكون من جزيئات من الدي إن إيه.. تتواجد هذه الجينات على الكروموسومات التي يوجد منها 23 زوجا في خلية البشر.

• كيف يمكن أن تؤثر التغيرات الجينية على النمو والصحة؟

بعض التغيرات الجينية يمكن أن تؤدي إلى حدوث الطفرات، وتعرف الطفرة بكونها تغير دائم في ترتيب القواعد (الحروف) في الدي إن إيه الذي يكوّن الجينات ليؤدي إلى تغير في وظيفة هذا الجين أو البروتين الذي ينتج عنه.

هناك نوعان من الطفرات:
الأولى هي الطفرات الوراثية التي يمكن أن تنتقل من الآباء إلى الأبناء، ولذلك تتواجد في كل خلايا الجسم.

النوع الثاني هو الطفرات الجسدية التي تحدث في بعض الخلايا أثناء حياة الإنسان نتيجة تعرضه لبعض العوامل البيئية مثل الأشعة فوق البنفسجية مثلا. هذه الطفرات هي التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث السرطان مثلا.

تجدر الإشارة إلى أن عددا كبيرا من الطفرات لا تؤدي إلى أمراض، ولا تؤثر على الصحة أو النمو إذا لم تؤثر على وظيفة البروتين الناتج من هذا الجين.

قد يحدث في بعض الأحيان أيضا أن يتغير عدد الكروموسومات في الخلايا بالزيادة أو النقص، وهو ما يؤدي أيضا إلى بعض المشاكل والأمراض. لعل أشهر هذه الحالات وجود نسخة زائدة من كروموسوم رقم 21 بالإضافة إلى النسختين الطبيعيتين، وهو ما يؤدي إلى ما يعرف باسم متلازمة داون.

التغيرات الجينية قد تحدث أيضا في الجينات الموجودة في الميتوكوندريا؛ هذه العضيات مسؤولة عن إنتاج الطاقة داخل الخلية. في بعض الحالات، قد تحدث تغيرات في الجينات المسؤولة عن هذه الوظيفة داخل الميتوكوندريا، ويتم وراثتها بوجه خاص من الأم، وهو ما يؤثر على قدرتها على إنتاج الطاقة. هذا التأثير يشمل بشكل خاص الأعضاء التي تحتاج إلى قدر كبير من الطاقة للعمل، مثل القلب والمخ والعضلات. تظهر هذه الأعراض على شكل ضعف في العضلات، ومشاكل في الحركة، وظهور مرض السكري، وفشل كلوي، ومشاكل في القدرات العقلية مثل الخرف.

من المهم أيضا أن نشير إلى أن هناك مجموعة من الأمراض تعرف باسم الأمراض المعقدة أو متعددة العوامل Complex or Multifactorial disorders. هذه الأمراض تختلف عن الأمراض التي تتسبب فيها طفرة في جين واحد مثل أنيميا الخلايا المنجلية في كون أسبابها الجينية معقدة وتشمل العديد من الجينات بالإضافة إلى العوامل البيئية ونمط الحياة.

تشمل هذه الأمراض أمراض القلب، مرض السكري، وكذلك السمنة. على الرغم من أن هذه الأمراض عادة ما يتم وراثتها في العائلة، لكن لا يوجد نمط محدد ومعروف لطريقة وراثتها، وهو ما يجعل تحديد خطر الإصابة بها أو وراثتها صعبا.

تمثل دراسة هذه الأمراض أيضا صعوبة كبيرة، نظرا لأن العوامل التي تتسبب في هذه الأمراض يصعب تحديدها، وهو ما يمثل تحديا كبيرا للباحثين في هذا المجال.

• ما معنى أن شخصا لديه استعداد وراثي للإصابة بمرض ما؟

هذا الاستعداد الوراثي يعني أن هذا الشخص لدية احتمالية أكبر للإصابة بهذا المرض بناء على تركيبه الجيني الذي يتم وراثته من الأبوين. لكن هذا الاستعداد الوراثي لا يعني بالضرورة حتمية الإصابة بهذا المرض، فالعديد من العوامل البيئية والجينات الأخرى يمكن أن تعدل من هذا الخطر. على سبيل المثال هناك جينات BRCA1 وBRCA2 التي يمثل وجودها استعدادا وراثيا للإصابة بسرطان الثدي والمبيض. قد يسبب وجود بعض الجينات معا في نفس الشخص زيادة احتمال الإصابة بمرض معين. في هذه الحالة تجتمع مجموعة التأثيرات التي يسببها وجود هذه الجينات لتسبب احتمالية الإصابة ببعض الأمراض مثل السرطان، السمنة، السكري، وأمراض القلب.

اقرأ أيضاً:
دراسة: ثلثا أنواع السرطان لا يمكن الوقاية منها
كيف يمكن الوقاية من سرطان الثدي؟
كيف تشخص إصابة الجنين والوليد بمتلازمة داون؟
طرق علاج الثلاسيميا الخفيفة والشديدة