ولِد الصبي جيفريز في مدينة أوكسفورد ببريطانيا سنة 1950، وعندما بلغ الثامنة من عمره أهداه والده مجموعة كيمياء أَثارتْ فضوله واهتمامه. كان يحب صنع انفجارات صغيرة في مختبره الصغير، إلا أنّ واحداً منها أصابه بحرق في ذقنه. وعندما كَبُر الصبي اضطر لترك لحيته تنمو لإخفاء هذه الندبة.
أهداه والده أيضاً مجهراً صغيراً أصبح هوايته الجديدة، فأخذ يفحص كل ما تقع عليه يداه باستخدام ذلك المجهر، وأدهشته رؤية الأجسام ومدى اختلاف مظهرها تحت التكبير. عندما بلغ الثانية عشرة من العمر بدأ بتشريح الحشرات، ثم بعض الحيوانات الصغيرة، إلا أنّ هذه الهواية الجديدة سبَّبَتْ له بعض المتاعب عندما وَجَدَ قطة ميتة في الطريق، فأخفاها في حقيبته، وأخذها إلى المنزل حيث قام بتشريحها على طاولة المطبخ!
أَظهر جيفريز تفوقاً علمياً جيداً في دراسته، وحَصَل على منح دراسية وشهادة جامعية في الكيمياء الحيوية. ثم حصل على شهادة الدكتوراه في عِلم الوراثة من جامعة أوكسفورد سنة 1975. وذات مساء في سنة 1984، بينما كان يعمل في مختبرات الوراثة في جامعة لايشستر في بريطانيا، لاحَظَ تشابهاً واضحاً في الصور الشعاعية التي حَضَّرَها لعيناتٍ من الحمض النووي DNA كان قد حَصَلَ عليها من أفراد عائلة أحد العاملين في مختبره. وأدرك فجأة إمكانية اكتشاف نوع من البصمَة الوراثية Genetic fingerprinting بدراسة التشابه والفروقات في تركيب الحمض النووي DNA التي يمكن أنْ تُستخدَم في تمييز كل إنسان. قام بتطوير هذه الطريقة بنجاح، وسرعان ما قادته الظروف لإثبات فاعليتها وجدواها.
قضية مستعصية
نَشَرت الصحف ذات يوم في سنة 1985 خبراً عن صعوبة واجهتها في حل قضية بمحكمة الهجرة والجنسيات ببريطانيا، تركَّزت المشكلة في صعوبة إثبات هوية طفل بريطاني عائلته في الأصل مِنْ غانا. استطاع جيفريز أنْ يُثبت بفحص الحمض النووي DNA صحة قرابة الطفل لهذه العائلة، وكان سرور والدة الطفل عظيماً عند سماع هذا الخبر، وكذلك كان فرح جيفريز برؤية السرور في عينيها ونجاحه في حل المشكلة.
بعد ذلك بشهور قليلة، قام جيفريز أيضاً بمساعدة التحقيقات الجنائية في قضية اغتصاب وقتل فتاتين في بلدة مجاورة. كانت الشرطة قد اعتَقلتْ أحد المشتبه بهم، ووَجَّهَتْ له اتهامات خطيرة، إلا أنّ جيفريز استطاع تبرئته وإثبات التهمة على القاتل الحقيقي عندما اكتَشَفَ وجود حمضه النووي DNA (بصمته الوراثية) على جسم القتيلتَين.
تقدير وجوائز
في سنة 1996، حَصَل السير أليك جون جيفريز Alec John Jeffreys على جائزة ألبرت آينشتاين في العلوم تقديراً لجهوده في كشف البصمَة الوراثية. تَطوَّرتْ تقنيات هذه الأبحاث وتَوسَّعتْ تطبيقاتها في القضايا الجنائية والقانونية وقضايا إثبات القرابة والطب الشرعي، وامتدَّتْ تطبيقاتها العلمية إلى الدراسات الحيوانية والنباتية وعلوم التاريخ والتطور البيولوجي. وبفضل التقنيات الحديثة، وصلت دقتها في تحديد الأشخاص إلى درجة واحد في البليون، وأَصبح إجراؤها سريعاً بفضل استخدام تقنيات الكومبيوتر.
السير أليك جون جيفريز Alec John Jeffreys (1950) الذي اكتشف البصمة الوراثية سنة 1984
المصدر:
كتاب "قصة الوراثة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني