مع التوغل في شتاء العمر، تزداد احتمالية إصابة كبار السن بأمراض طويلة الأمد، يتطلب علاجها وصف العديد من الأدوية التي قد تترتب عنها مخاطر قد تقع عاجلاً أم آجلاً، وما يزيد الطين بلة هو أن تراكم الأمراض يحتم تراكم العلاجات، التي قد لا تتوافق مع بعضها في حال تناولها في وقت واحد، الأمر الذي يزيد من المخاطر، خاصة عند وصفها باستمرار ولفترات طويلة.
ومع التقدم في السن، تؤثر الأدوية على أجسامنا بشكل مختلف، إذ يصبح بعضها أكثر فاعلية في حين البعض الآخر يصبح أقل فاعلية، ومع هذا، فإن تناول أدوية معينة قد يكون محفوفاً بالمخاطر حتى لو جرى تناولها بجرعات كانت تعتبر آمنة في سن أبكر.
ويعتبر تباطؤ العمليات الاستقلابية (الأيض) الناجم عن الشيخوخة أحد الأسباب المهمة لزيادة الآثار الجانبية للأدوية، إذ إن وظائف الكبد والكلى تتقهقر وتحتاج إلى وقت أطول للتخلص من الأدوية أو تفكيكها، وهذا ما قد تترتب عنه عواقب تطاول فعاليتها، وكذلك توزيعها وتحملها وسميتها.
أسباب تجعل كبار السن أكثر عرضة للآثار الجانبية للأدوية
- مع التقدم في السن، تقل كمية الماء الإجمالية في الجسم وتزداد كمية النسيج الدهني نتيجة اضمحلال الكتلة العضلية، وهذا ما يجعل الأدوية الذوابة في الماء تصل إلى تراكيز أعلى جراء وجود ماء أقل من أجل تخفيفها، أما الأدوية التي تذوب في الدهون فإن فترة إقامتها في الجسم تطول بسبب تراكمها وتخزينها.
- يأخذ كبار السن أدوية كثيرة لإصابتهم باضطرابات عديدة.
- يكون كبار السن أكثر عرضة للتفاعلات الدوائية لتناولهم عدة أدوية في آن واحد.
- يعاني كبار السن من أمراض مزمنة، قد تتفاقم بسبب الأدوية، أو قد تؤثر تلك الأمراض على طريقة عمل تلك الأدوية.
أدوية يجب تناولها بحذر لكبار السن
نتيجة الأسباب سالفة الذكر، تميل العديد من الأدوية الى البقاء في الجسم مدة أطول، ما يؤدي إلى اطالة أمد تأثيرها، وبالتالي إلى تأجيج آثارها الجانبية.
وللتقليل من فرص الإفراط في تناول الأدوية ومن تفاعلاتها وآثارها الجانبية، توصي جمعية طب الشيخوخة الأميركية الأشخاص الذين قطعوا عتبة العقد السادس من العمر بأن يتوخوا جانب الحذر عند تناول الأنواع التالية من الأدوية بما فيها تلك التي تصرف من دون وصفة طبية:
1. أدوية القلب
يستخدم عقار الديجوكسين لعلاج قصور القلب وعدم انتظام ضرباته من خلال زيادة انقباض العضلة القلبية وتقليل قابلية العقدة الأذينية البطينية على توصيل النبضات العصبية، ما يجعل القلب أكثر قدرة على ضخ الدم في كل نبضة من نبضاته.
مصدر القلق: يمكن للديجوكسين أن يكون ساماً عند كبار السن وأولئك الذين لا تعمل الكلى عندهم بشكل جيد. تجب مراقبة علامات وأعراض التسمم بالديجوكسين أثناء تناوله، فهناك علامات إنذار مبكرة لهذا التسمم، وتشمل: فقدان الشهية والارتباك والغثيان والتقيؤ وتشوش الرؤية واضطراب دقات القلب والخفقان والإغماء والتثدي عند معشر الرجال. يجب التواصل مع مقدمي الرعاية الطبية عند الشكوى من العلامات والأعراض سالفة الذكر، وعلى كل من يفكر في التوقف عن أخذ الدواء ألا يفعل من دون استشارة الطبيب، لأن التوقف عن أخذه فجأة يترك تداعيات خطيرة على وظائف القلب.
2. أدوية السكري
يحدث مرض السكري نتيجة عدم قدرة غدة البنكرياس على طرح كميات كافية من هرمون الإنسولين لكي يتمكن الجسم من تحويل سكر الغلوكوز إلى طاقة، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم، من هنا الحاجة إلى تناول الأدوية الخافضة للسكر من أجل ضبطه وإعادته إلى المستوى الطبيعي.
مصدر القلق: يمكن لكبار السن الذين يأخذون أدوية السكري أن يتعرضوا بسهولة إلى انخفاض مباغت في مستوى السكر في الدم، فيصابون بالإغماء ويتعرضون لحوادث السقوط، خاصة عند الوقوف أو النهوض من السرير.
3. مضادات الالتهاب غير الستيرويدية
تستخدم هذه العقاقير على نطاق واسع لتقليل الألم ومكافحة الالتهاب وخفض حرارة الجسم.
مصدر القلق: حبذا لو جرى تفادي إعطاء مضادات الالتهاب غير الستيرويدية للمتقدمين في السن الذين تجاوزوا 65 عاماً من العمر، لأنها تزيد من مخاطر الإصابة بعسر الهضم والتقرحات والنزف والثقوب في المعدة والأنبوب الهضمي، وقد تحصل تلك الآثار الجانبية الخطيرة عند كبار السن من دون سابق إنذار وفي أي وقت من العلاج.
4. الوارفارين
يوصف الوارفارين وأمثاله لمنع تكوين جلطات دموية يمكن أن تقف وراء وقوع أزمات دماغية أو نوبات قلبية، قد تؤدي بصاحبها إلى حافة الهاوية بل قد تكون قاتلة.
مصدر القلق: إن الوارفارين يعمل على ترقيق الدم ضمن نطاق ضيق للغاية، بحيث إن إعطاؤه بكمية أعلى قليلاً من الحد المثالي يمكن أن يؤدي إلى ترقق الدم بشكل خطير، وهذا ما يخلق الأرضية المناسبة لحدوث النزف، خاصة عند المتقدمين في السن الذين لا حول لهم ولا قوة كونهم أكثر عرضة لفقدان التوازن وحوادث التعثر والسقوط. تجب مراقبة مستوى منع التخثر في الدم عن كثب للتأكد من أنه ضمن النطاق المناسب لتفادي الوقوع في المحظور.
5. مضادات الصفيحات الدموية عن طريق الفم
تعمل مضادات الصفيحات الدموية على منع التخثر الدموي من خلال عرقلة تكدس الصفيحات بعضها فوق بعض، الأمر الذي يثبط تكوين الخثرة، وهذا ما يساهم في العلاج والحماية من النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
مصدر القلق: إمكانية الإصابة بالنزف على غرار ما يحصل عند تناول عقار الورافارين، خاصة عند أولئك الذين بلغوا 75 عاماً أو أكثر، لهذا تجب مراقبة مخاطر حدوث النزف عن قرب عند من يأخذون الأدوية المضادة للصفيحات.
6. مرخيات العضلات
تكمن أهمية هذه الأدوية في أنها تساعد على تقليل التشنجات العضلية المؤلمة التي يمكن أن تحد من الحركة وتمنع المصاب من الراحة، وقد تحول دون الحصول على قسط كاف من النوم.
مصدر القلق: يمكن أن تسبب مرخيات العضلات جملة من الآثار الجانبية، أبرزها الدوار والارتباك والتعب والنعاس وانخفاض ضغط الدم والضعف العام، الأمر الذي يزيد من حوادث السقوط.
7. الأدوية المضادة للكولين
مضادات الكولين هي مجموعة من الأدوية التي تثبط عمل الناقل العصبي الأستيل كولين، الذي يتولى نقل الرسائل بين خلايا معينة في الدماغ وأنحاء أخرى في الجسم. توصف مضادات الكولين لعلاج حالات مرضية مثل داء الرعاش وفرط نشاط المثانة والغثيان وغيرها.
مصدر القلق: تملك مضادات الكولين تأثيرات ثانوية غير مرغوب فيها، مثل التخليط الذهني، وتغيم الرؤية، وضعف التوازن، ويكون المرضى الأكبر سناً هم الأكثر تعرضاً لتلك التأثيرات الثانوية، لذلك يجب على الأطباء بذل أقصى جهد ممكن لتجنب وصف تلك الأدوية للطاعنين في السن.
8. الأدوية المضادة للقلق والأرق
تستخدم هذه الأدوية للتخفيف من القلق أو للمساعدة على النوم، ولكن استعمالها مدة طويلة يقود إلى الإدمان عليها، كما يمكن للجرعات الزائدة منها أن تسبب التخليط الذهني وتباطؤ التنفس، والذهول، والوفاة.
مصدر القلق: يمكن أن تسبب الأدوية الموصوفة لعلاج القلق أو الأدوية التي تساعد على النوم باقة من التأثيرات الجانبية، خاصة عند كبار السن الذين يملكون حساسية مفرطة تجاهها، اذا يمكن لتلك الأدوية أن تكون سبباً أساسياً للدوخة وضعف التوازن والخلل في الذاكرة، ما يجعل كبار السن أكثر تعرضاً للسقوط والإصابة بالكسور.
9. مسكنات الألم الأفيونية
تستعمل هذه الأدوية للتخفيف من الألم والسيطرة عليه من خلال ارتباطها بالمستقبلات الأفيونية التي توجد في الدماغ والحبل الشوكي وفي أماكن أخرى في الجسم.
مصدر القلق: يمكن لمسكنات الألم الأفيونية أن تكون سبباً في اندلاع العديد من الآثار الجانبية خاصة عند كبار السن، فيعانون من الارتباك والسقوط والنوبات وحتى الهلوسة والتخليط الذهني.
10. الأدوية المضادة للذهان
توصف هذه الأدوية بشكل شائع لعلاج الإضطرابات السلوكية عند كبار السن المصابين بالخرف.
مصدر القلق: تمتلك مضادات الذهان آثاراً جانبية شتى، تختلف حدتها وشدتها من شخص إلى آخر. يمكن لهذه الأدوية أن تزيد من مخاطر الإصابة بالرعشات والسقوط والسكتة الدماغية وقد تؤدي إلى الموت.
11. الأستروجين
توصف حبوب الأستروجين عادة للسيطرة على الهبات الساخنة والأعراض الأخرى الناجمة عن انقطاع الطمث والدخول في مرحلة سن اليأس عند بنات حواء.
مصدر القلق: يزيد هرمون الأستروجين من خطر التعرض لسرطان الثدي والجلطات الدموية والخرف.
الخلاصة
تشكل الأدوية جزءاً مهماً من الرعاية الطبية لكبار السن مقارنة بأقرانهم الأصغر سناً، لأنهم يصابون بأمراض مزمنة تحتاج إلى العلاج سنوات طويلة، وربما مدى الحياة. يكون كبار السن أكثر عرضة للتأثيرات الجانبية للأدوية لأسباب عديدة، منها قلة كمية الماء الإجمالية في الجسم، وزيادة نسبة الدهون، وتراجع وظائف الكبد والكلى. وكلما زاد عدد الأدوية المتناولة، زادت المخاطر، من هنا تبدو أهمية التعرف على الأدوية وآثارها الجانبية، وكذلك أهمية أخذها في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة. ويوصي الدكتور جوناتان إتش واتانابي، الأستاذ المساعد في علم الصيدلة السريرية، باتباع نهج "الأقل هو الأفضل" لجميع الأدوية التي يأخذها كبار السن لتحسين صحتهم وحماية أنفسهم من مخاطر الآثار الجانبية للأدوية، وما أكثرها.
المصادر
Drug Side Effects - Medication Older Adults Should Use With Caution
Ten Medications Older Adults Should Avoid or Use with Caution
Drugs to Use with Caution in the Golden Years - UC Sa
Aging and Drugs - Older People's Health Issues - MSD Manuals