صحــــتك

كيف توصل الأطباء إلى تنظير ما في داخل الجسم؟

التنظير الداخلي
تنظير المريء والمعدة

حتى أواخر القرن التاسع عشر، كان دخول جسم غريب صلب إلى الطرق التنفسية، أو توقفه في أنبوب البلع (المَرِيء) أمراً يؤدي إلى الوفاة في 98 % من الحالات ..! ويعود السبب في ذلك إلى عدم وجود أية إمكانية لإخراج مثل هذه الأجسام من هذه المواقع الحيوية، مما كان يؤدي إلى وفاة المريض اختناقاً، أو بسبب عدم تمكنه مِنْ بلع الطعام، أو بسبب الالتهابات الصدرية الشديدة التي تحدث في هذه الحالات. لم توجد آنذاك أية طريقة للنظر داخل جسم المريض، ولم تتوفر لدى الأطباء آنذاك أية أدوات تساعدهم على إخراج المواد أو الأجسام التي تدخل خطأً إلى الطرق التنفسية أو تتوقف في المَرِيء. ولم يكن مِنَ الممكن آنذاك فتح الصدر جراحياً لإخراج هذه المواد، لأنّ مجرد فتح الصدر كان يؤدي أيضاً إلى الوفاة اختناقاً بسبب طرق التخدير المحدودة التي كانت متاحة في تلك الأيام.

أبو التنظير

كان أحد الفلاحين الألمان يستمتع بتناول طبق لذيذ مِنَ الحساء الساخن، وفجأة انتابته نوبة سعال شديدة، واحتقن وجهه، وازرقَّ لونه، ولم يتمكن مِنَ الكلام، فأخذ يشير لزوجته بهلع ويضع يديه على رقبته وصدره. نُقل مِنْ فوره إلى المستشفى القريب، ومن حُسن حظه أنّ الطبيب غوستاف كيليان Gustav Killian (1860-1921) كان موجوداً هناك، فنقله مباشرة إلى غرفة العمليات. كان الدكتور كيليان قد حاول من قبل النظر داخل المَرِيء باستخدام أنبوب معدني طويل جَهزَّه بضوء خاص يمكن توجيهه إلى داخل الأنبوب لإنارة العتمة الموجودة في داخل الجسم، ورؤية ما فيه. لم يحاول أي طبيب في العالم قبله تمرير منظار في الطرق التنفسية لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى اختناق المريض، ولكنّ هذا المريض كان قد أغمي عليه، وكان يختنق أمامه بالفعل..! بعد قليل من التردد، أمسك الدكتور كيليان بمنظار المَرِيء وأدخله في فم المريض، وبدلاً مِنْ توجيهه نحو المريء، اتجه به نحو الحنجرة، وأَدخَل الأنبوب عبرها إلى الرُغامى (طريق التنفس). ورغم الضوء الخافت في الأنبوب إلا أنه لمح قطعة مِنَ الطعام تكاد تسد طريق التنفس بشكل تام، فأمسك بملقط طويل وأخرجها بمهارة وسرعة فائقة. سعل المريض بعدها بشدة مرات عديدة، وأخذ يتنفس بسرعة وعمق، وعادت الحُمرة تدريجياً إلى وجنتيه، ثم استعاد وعيه، وعاش بعد أنْ كاد يموت بسبب قطعة مِنَ العظم في طبق الحساء ضلَّتْ طريقها إلى حنجرته وسدَّتْ طريق تنفسه. في 1895 نشر الدكتور كيليان أبحاثه عن صُنع أنابيب معدنية استخدمها في تنظير المريء والطرق التنفسية. وفي 1897 نشر تقريراً عن حالة الفلاح الذي أنقذه مِنْ موت محقق، فكان أول مَنْ طبَّق تنظير الرُغامى والقصبات الهوائية في الإنسان، وأُطلق عليه لقب: أبو التنظير عنْ جدارة واستحقاق.

شيفالييه جاكسون Chevalier Jackson (1865-1958) مخترع المناظير الطبية وأدواتها

صانع الزجاج والخزف

في مدينة بنسيلفانيا في أمريكا، كان شيفالييه جاكسون Chevalier Jackson (1865-1958) صانع الزجاج والخَزَف فناناً فقيراً يعمل بكد ونشاط لكي يتمكن من تغطية نفقات دراسته للطب. أظهر مهارة خاصة في رسم اللوحات الطبية التوضيحية، وأظهر براعة في تصميم وصنع الأدوات الجراحية. قام بتحسين طرق تمرير الضوء في الأنابيب المعدنية التي كانت تُستخدم في تنظير طريق مرور الطعام مِنَ الفم إلى المعدة (تنظير المَرِيء)، وتنظير طريق مرور الهواء مِنَ الأنف والفم عبر الحنجرة إلى الرئتين (تنظير القصبات الهوائية). كما قام باختراع أدوات تنظيرية عديدة وأنابيب شفط طويلة ومجهَّزة بالضوء، وملاقط عديدة الأشكال تُمَكن الطبيب مِنْ استخراج كثير مِنَ الأجسام الغريبة التي يمكن أنْ تسد المريء أو الحنجرة أو الرغامى والقصبات الهوائية. وصف طرقاً عبقرية لاستخراج الإبر والدبابيس وقطع الخَرَز الكروية التي يصعب إمساكها بالملاقط العادية والتي كانت قبله تودي بحياة المريض. وفي خلال حياته المهنية الباهرة نَشَر جاكسون 12 كتاباً طبياً، وأكثر مِنْ 400 مقالة وبحثاً علمياً زيَّنها بكثير مِنَ الرسوم التوضيحية الجميلة الماهرة. وفي عام 1907 نَشر كتابه الهام: "تنظير القصبات والمريء والمعدة" الذي ظلّ مرجعاً هاماً في هذا المجال عشرات مِنَ السنين. أصيب جاكسون بمرض السل في عام 1911 ولكنه عاش حياة طويلة عامرة بالعطاء حتى توفي في 1958 عن عمر بلغ 93 سنة. وفي حفل تأبينه الذي أقامته جمعية الأطباء الأمريكية وُصف بأنه كان أحد أعظم أطباء التنظير، إنْ لم يكن أعظمهم على الإطلاق.

Příznaky rakoviny tlustého střeva a konečníku. Pouze včasná diagnóza je ...

منظار المعدة اللين

المناظير اللينة

في الثمانينيات، تم اختراع المناظير اللينة المصنوعة من ألياف زجاجية مرنة، ومزودة بعدسات مكبرة، وبنوع خاص من الضوء البارد الذي ينعكس عبر الألياف الزجاجية إلى داخل جسم المريض. استخدمت المناظير اللينة الحديثة في تنظير القصبات الهوائية، وأنبوب البلع (المريء)، وتمت الاستفادة منها في العمليات التنظيرية التي انتشرت تطبيقاتها هذه الأيام لتشمل استئصال المرارة والزائدة الدودية وعمليات البطن والصدر والمفاصل وعمليات الديسك والكلية والبروستات ... وذلك من خلال شقوق جراحية صغيرة بدلاً من الشقوق الجراحية التقليدية الكبيرة. تتسم العمليات الجراحية التنظيرية بسرعة شفاء المريض وتقليل آلام العمليات الجراحية.

الروبوت الجراحي

تم تطوير وتحسين الأدوات التنظيرية، حتى توصل الأطباء منذ أواخر التسعينيات إلى استخدام الروبوت الجراحي في عمليات البطن والصدر والقلب وعمليات البروستات والكلية ... وتحسنت الكاميرات والأدوات التنظيرية كثيراً في أوائل هذا القرن، مما خفف كثيراً من آلام العمليات الجراحية لكثير من المرضى.

 

المصدر:

كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجاله" للدكتور عامر شيخوني

آخر تعديل بتاريخ
30 مارس 2023
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.