الصابون السائل والصلب، الذي نقوم بفرك أيدينا به عدة مرات في اليوم، ليس وليد العصر الحديث، بل هو اختراع عرفته البشرية منذ أقدم العصور، إذ يعود تاريخ الصابون إلى أكثر من 2800 سنة قبل الميلاد، ويقال إن البابليين هم أول من ابتكره، والدليل على هذا أن علماء الآثار وجدوا نقوشًا على أواني طينية بابلية توثق أقدم وصفة صابون مكتوبة تشير إلى طريقة تصنيع الصابون المؤلف من الدهون الممزوجة برماد الخشب والماء، فما هو تاريخ تطور الصابون، وما تركيبته الكيميائية، وأيهما أفضل الصابون الصلب أم الصابون السائل؟ تعرَّف على ذلك في هذا المقال.
تاريخ تطور وصناعة الصابون
عرف المصريون القدامى الصابون فكانوا يستحمون به بانتظام، وتصف بردية "إيبرس الفرعونية" التي يرجع تاريخها إلى سنة 1500 ق.م، كيفية دمج الزيوت الحيوانية والنباتية مع الأملاح القلوية لتكوين منتج يشبه في تركيبه الصابون، كان يُستعمل للغسل وعلاج الأمراض الجلدية وغيرها من الاستخدامات القديمة التي كانت مشهورة في ذلك الزمن عند المصريين القدامى.
وعرفت الحضارة الرومانية القديمة أشكالًا مبتكرة من الصابون، ويقال إن اسم الصابون soap جاء من أسطورة رومانية تروى عن جبل سابو mount sapo، وتقول الأسطورة إن المطر كان يغسل الجبل ليجرف معه الرماد والدهون الحيوانية من القرابين، ما أدى إلى تشكل خليط من الطين تبين أنه يجعل الملابس أكثر نظافة، وعلى مر العصور، تطورت صناعة الصابون، وما زلنا نستعمل الصابون يومياً.
إلى أن جاء فيروس كورونا فأجبرنا على تكثيف استخدامنا له بوتيرة أكبر للنظافة ولتجنب التقاط العدوى، إلا أن مشهدًا جديدًا طغى على حياتنا اليومية منذ أكثر من عقدين إلى ثلاثة عقود من الزمن، هو التوجه أكثر فأكثر نحو استعمال الصابون السائل على حساب الصابون الصلب، الذي بات الراغبون في شرائه يحسبون ألف حساب قبل التفكير في طلبه من الباعة خوفًا من أن ينعتونهم بأنهم "دقة قديمة" كما يقول المثل.
درس مختصر في كيمياء الصابون
وفقًا لإدارة الغذاء والدواء الأميركية، فإن هناك تعريفًا صارمًا لماهية الصابون، فهو نتاج عملية كيميائية اسمها "التصبن" saponification تحدث من دمج مكونين رئيسيين، هما: المكون الأول دهني (دهن حيواني أو نباتي)، أما المكون الآخر فهو عبارة عن مادة قلوية، لهذا فإنه عليك النظر جيدًا في تركيب الصابون الذي في حوزتك، فمن المحتمل ألا يكون صابونًا حقيقيًا إذا لم يتحقق فيه الشرط المذكور، أي وجود مادة دهنية مع مادة قلوية، من أجل تحقيق عملية التصبن التي استعملت منذ اكتشافها من قبل البابليين وما زالت، حتى أيامنا هذه، هي الأساس في صناعة الصابون.
أيهما أفضل: الصابون الصلب أم الصابون السائل ؟
عند شراء الصابون قد تحتار في الاختيار ما بين الصابون الصلب أو الصابون السائل، وأي منهما أفضل لصحة الجلد وقتل الميكروبات.
لا عليك، سنحاول في السطور الآتية تسليط الضوء على النقاط الأساسية التي يجب عليك أن تكون على دراية بها، لتساعدك في اختيار الصابون الأفضل لك ولأسلوب حياتك، ولكن قبل الخوض في التفاصيل، هل سبق لك أن طرحت على نفسك السؤال الآتي: ما هو الصابون بالضبط؟
الصابون والأوساخ والميكروبات
عندما شق الصابون السائل طريقه إلى الأسواق فقد تم الترويج له بين الناس بأنه مضاد للبكتيريا، وأنه لا ينقل الميكروبات إلى الجلد مثل الصابون الصلب، ما ساعد كثيرًا في رواجه وزيادة إقبال عامة الناس عليه، إلا أن التحريات التي أجريت فيما بعد أفادت ما معناه أنه أيًا كان نوع الصابون الذي تستعمله، صلبًا أك سائلًا، فهما متساويان في الفعالية من حيث إزالة مسببات الأمراض والأوساخ.
الصابون والترطيب
إذا كنت تريد أن تحمي يديك من التعرض للجفاف والتشقق، فقد يكون من الأنسب لك استعمال الصابون السائل لأنه أقل حموضة من الصابون الصلب، فهذا الأخير يحتوي على درجة حموضة عالية تسبب جفاف البشرة، عدا هذا، ففي أغلب الأحيان، فإن الصابون الصلب لا يحتوي على مادة الغليسرين المرطبة للبشرة، في حين أنها تضاف إلى الصابون السائل.
الصابون والمكونات الموجودة فيه
يجب الأخذ في عين الاعتبار المواد الكيميائية الموجودة في الصابون، فهذه قد تتسرب عبر الجلد لتذهب إلى الدم، من هنا، فكلما غسلت يديك أو جسمك أكثر زادت احتمالية تراكم المواد الكيميائية السامة في الجسم، وتحتوي معظم ألواح الصابون الصلب على مكونات طبيعية هي المواد الدهنية والزيوت النباتية، أما الصابون السائل فيضم عادة مواد صناعية ومواد حافظة ومعطرات ومقشرات ومذيبات وملمعات، يمكنها أن تكون مهيجة للبشرة وضارة للجلد ولأجهزة أخرى في الجسم، يجب الحذر من الصابون الذي يحتوي على مكونات محظورة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية، لعل من أهمها مادة التريكلوسان (مضاد بكتريا) والبارابين (مادة حافظة).
أيضًا، فإنه يجب قراءة الملصقات الموجودة على عبوة الصابون السائل من كثب، للتحري عن مواد مشبوهة مثيرة للجدل مثل مادة الكبريتات المخرشة للعين والجلد وجهاز التنفس، ومادة الفتالات التي تلحق الضرر بالرئة والكبد والكليتين والجهاز التناسلي. وكما الصابون العادي والمعطرات، قد يحتوي الصابون السائل على مواد معطرة صناعية تدخل في تركيبه، وقد تثير هذه المعطرات الحساسية لدى البعض، من هنا، فمن الأفضل لهؤلاء أن يختاروا الصابون الصلب الخالي عادة من المعطرات.
الصابون والبيئة
يعتبر الصابون الصلب صديقًا للبيئة، لأنه لا يشكل مصدرًا للنفايات على كوكب الأرض، فهو يحتوي على مكونات طبيعية، ويباع دون تغليف أو في علب صغيرة من الورق المقوى، لهذا فإن النفايات الناجمة عنه معدومة أو شبه معدومة.
أما الصابون السائل فحدث ولا حرج، فهو يخلف وراءه نفايات بسبب مكوناته وصبغاته الكيميائية وعبواته البلاستيكية، عدا هذا وذاك، فإن الصابون السائل يدخل في تركيبته مواد بلاستيكية دقيقة تستعمل للتقشير أو للتلميع، وتعتبر هذه المواد البلاستيكية من أشد الملوثات للبيئة، لأنها تتبعثر في الطبيعية وفي مياه الأنهار والمحيطات، فلا يمكن صيدها، وبالتالي فلا يمكن تدويرها.
الصابون والتكلفة
إن الصابون السائل ينفد بسهولة وبشكل أسرع من الصابون الصلب، فالغسل بالصابون الصلب يستهلك كمية أقل بكثير من الكمية المستهلكة من الصابون السائل، لهذا فإن الصابون الصلب يدوم لفترة أطول، فإذا تم تخزين لوح الصابون الصلب بشكل صحيح، بعيدًا عن رذاذ الماء المباشر، فإنه يمكن استعماله لأشهر طويلة حتى مع الاستخدام اليومي.
الصابون والسفر
بفضل شكله المضغوط والصغير، يعتبر الصابون الصلب مثاليًا للمسافرين، فهو يشغل مساحة أقل بكثير من الصابون السائل، ويمكن استخدامه لفترة أطول، كما يمكن اصطحابه على متن الطائرة من دون أي مشكلة، وذلك بعكس الصابون السائل الذي يكون معبأً على شكل عبوات قد تستهلك حيزاً أكبر في شنطة السفر، مما يصعب التنقل فيها وحملها، خاصة لو حملت معك عدة عبوات في حال كنت تفكر في السفر لفترة طويلة.
الصابون ومشاركته مع الآخرين
إذا كنت تتشارك الحمّام مع آخرين، فإن الصابون السائل هو الخيار الأفضل، لأن احتمالية تلوثه بالبكتيريا تكون أقل بالمقارنة مع قطع الصابون الصلب، إذا كان أحد أفراد أسرتك مريضًا، فهناك احتمال أن تلتقط جراثيمه بسهولة في حال مشاركته نفس القطعة من الصابون الصلب، إلا أن هذا الاحتمال يبقى ضعيفًا ولم يتم تأكيده.
الأسئلة الأكثر شيوعاً
هل الصابون أفضل من الشامبو؟
مستوى الرقم الهيدروجيني للشعر يختلف عن الجلد، فالرقم الهيدروجيني (PH) للشعر يتراوح بين 4.5-5.5، أما الصابون فهو منتج قلوي بدرجة حموضة تتراوح بين 9-10، لكن الدرجة الحمضية الطبيعية للشعر كافية لمنع نمو البكتيريا أو الفطريات، ومع ذلك؛ إذا غسلت شعرك بالصابون فإن قلوية الصابون ستدمر الكيراتين الطبيعي للشعر، ونتيجة لذلك سوف يصبح شعرك جافاً وهشاً.
هل جل الاستحمام يغني عن الصابون؟
من الممكن جداً استخدام جل الاستحمام بدلاً من الصابون، ومن مميزات جل الاستحمام هو المجموعة الواسعة من العطور والروائح المختلفة، بالإضافة إلى الجانب المرطب الذي يمكن أن يكون لطيفاً جداً على البشرة أكثر بكثير من صابون الاستحمام العادي.
أما بالنسبة للسلبيات فتحتوي بعض أنواع جل الاستحمام على مواد كيميائية وإضافات أكثر مقارنة بالصابون الطبيعي، والتي يمكن أن تكون قاسية على البشرة الحساسة، ويمكن أن تؤدي إلى حساسية الجلد.
ما هو الصابون المناسب؟
أحد أنواع قطع الصابون ليس أفضل أو أسوأ من الآخر بطبيعته، فبعض قطع الصابون تكون لطيفة على البشرة، وبعضها الآخر قد يكون قاسياً ويسبب الجفاف أو التحسس، لكن ليس عليك أن تتعثر عند محاولتك اختيار نوع الصابون المناسب، ما عليك إلا مراعاة بعض الاعتبارات البسيطة فقط، مثل الرائحة إذا كنت من المهتمين بالروائح والعطور، ونسبة ترطيب الصابون إذا كانت بشرتك جافة، يمكن اختيار صابون ذي تركيبة طبيعية وخالٍ من الكيماويات في حال كانت بشرتك حساسة، بالإضافة إلى اعتبار السعر وكمية الصابون سواء كان صابونًا سائلًا أو صلبًا.
ختاماً، إن غسل اليدين بالماء والصابون يعد من أهم الطرق للتخلص من الأوساخ والعَرق والميكروبات، وسواء كان الصابون صلبًا أو سائلاً، فكلاهما فعالان من هذه الناحية، لكن التفضيل الشخصي هو الذي يدخل على خط اختيار نوع الصابون، ويمكن لبعض الأشياء أن تؤثر على التوجه نحو اختيار الصابون الصلب أو الصابون السائل، فإذا كانت التكلفة وإزالة الأوساخ والبيئة والسفر هي شغلك الشاغل فالصابون الصلب هو حليفك، أما إذا كان الترطيب والرائحة ومشاركة الآخرين نفس الصابون هي التي تشغل تفكيرك، فإن الصابون السائل هو الفائز.
المصادر:
The Best Type of Bar Soap for Your Skin
ACI) is the Home of the U.S. Cleaning Products Industry®.
Is Liquid Soap Better than Bar Soap?