تعتبر التدخلات الجراحية في أغلبها ضرورة ملحة، حيث يعتبر بعضها إجراء عاجل لا بد من تنفيذه والبعض الآخر يحتمل التأجيل، لكن قليلاً ما تكون هناك رفاهية في تأجليها لفترات طويلة أو الاستغناء عنها. من المسلم به أن التدخلات الجراحية دائماً ما تصاحب بشكل أو بآخر من المضاعفات والتي تتفاوت من الألم الشديد مروراً بتعرض حياة الجسد للمخاطر الكبيرة مثل النزيف الشديد وغيره، لذا فمن الإحتياطات التي يتخذها الأطباء، هي التجهيز الجيد للجراحة حتى يصل المريض إلي بر الأمان بأقل مضاعفات ممكنة.
* ماذا تعني المناعة؟
المناعة هي عبارة عن نظام بيولوجي معقد يتمتع بالتعرف على كل ما يضر ويتخلص منه سواء كان هذا المصدر الضار من خارج الجسم أو من داخله.في بعض الأحيان يحدث أن يختل عمل الجهاز المناعي والذي قد يكون ضعف في عمله، وأوضح مثال على ذلك هو مرض نقص المناعة الإيدز، والذي يفشل الجهاز المناعي في الدفاع عن الجسم.
وهناك شكل آخر من أشكال خلل الجهاز المناعي حين يعمل أكثر مما يجب عليه، مسبباً العديد من المشاكل الصحية، وتسمى حينها تلك المشكلة أمراض المناعة الذاتية، والتي يزيد عددها عن ثمانين نوع والذي يصيب ما يربو علي 24 مليون أمريكي.
* ما هي المناعة والمناعة الذاتية؟
في الحالات الطبيعية يعمل الجهاز المناعي على مقاومة الأمراض وأنواع العدوى المختلفة، لكن في بعض الحالات يحدث أن يبدأ الجهاز المناعي في مهاجمة الخلايا والأنسجة والأعضاء السليمة في أي جزء من الجسم والتي تضعف وظائفه بل قد تمثل خطراً حقيقياً على الحياة، وأشهر تلك الأمراض هو مرض السكري من النوع الأول، ومرض التصلب المتعدد، والذئبة الحمامية، والتهاب المفاصل الروماتيزمي.هناك أعراض عامة تصيب مرضى المناعة الذاتية مثل الشعور بالإجهاد الشديد من مجهود قليل، آلام وتورم في المفاصل، مشاكل جلدية، آلام في البطن ووظائف الجهاز الهضمي، ارتفاع درجات حرارة بشكل متكرر مع وجود تورم في الغدد اللميفاوية.
* هل لا بد من التحضير لكل العمليات الجراحي؟
هناك بعض العمليات الجراحية العاجلة والتي لا تحتمل عمل أية تحضيرات مثل انفجار قرح المعدة أو النزيف الداخلي أو تلك التدخلات التي لا يمكن تأجليها، وحينها لا يسعنا إلا المضي قدماً في إجراء الجراحة، لأن التأخير سيكون له عواقب مؤكدة، أما في تلك الحالات التي يمكن تأجليها لوقت ما مثل الفتق أو تغيير مفصل أو استئصال الحويصلة المرارية ذات الالتهاب المزمن، فإنه من الممكن عمل بعض التجهيزات التي تساعد المريض على المضي قدماً في عمل الجراحة متجنباً العديد من المضاعفات التي قد تحدث نتيجة التدخل الجراحي.* كيف نجهز مريض المناعة الذاتية لعمل الجراحة؟
قبل إجراء أي تدخل جراحي لا بد من عمل عدة فحوص حتى في حالة عدم وجود أية مشاكل صحية، وذلك للتيقن من صلاحية المريض، ومدى التجهيزات التي قد يحتاج تصحيحها مثل نسبة الهيموجلوبين في الدم ومعدل السيولة ووظائف الكلى والكبد ونسبة السكر في الدم مع وجود تحليلات أخرى تخص كل حالة، فمثلا مرضى الغدة الدرقية يحتاجون لعمل تحليل هرمون الغدة الدرقية إلى غير ذلك من كل الفحوصات اللازمة لكل مريض طبقاً لحالته.أما مرضى المناعة الذاتية فيحتاجون إلى عدة تحضيرات أكثر من الطبيعي، بعضها قد يحتاجه كل مرضى المناعة والبعض الآخر يخص كل مرض على حدة:
-
تحضيرات عامة
- الرجوع لطبيب المناعة والروماتيزم لمراجعة كافة العلاجات وجرعاتها وإمكانية عمل التدخل الجراحي في الوقت الحالي.
- ٢مراجعة جرعات الكورتيزون ومدى إمكانية تخفيضها حيث يؤثر الكورتيزون بشكل سلبي على التئام الجروح، وسينظر الطبيب المختص لمدى إمكانية خفض الجرعة ومدى الفوائد والأضرار التي قد تتحقق من خفض جرعة الكورتيزون من عدمه.
- مراجعة جرعات مذيبات الجلطة للمرضى الذين ينتظمون على تعاطى مذيبات للجلطات حيث تتداخل بشكل مباشر مع التدخلات الجراحية وحدوث نزيف أثناء وبعد العملية، وقد يتوجب في بعض الأوقات تأجيل التدخل الجراحي لحين ضبط جرعات مذيبات الجلطات.
- فحص المريض عند طبيب متخصص في أمراض القلب حيث يتأثر القلب بشكل مباشر جراء تعاطي جرعات التخدير
-
تحضيرات خاصة
- مرضى التهاب المفاصل الروماتيزمي
يصيب هذا المرض ما يقرب من نصف في المائة من سكان العالم، وهي نسبة ليست بالقليلة، ويصيب النساء ضعف نسبته في الرجال، وعند التحضير للجراحة لا بد من عمل الآتي: - تقييم حاسم ودقيق جداً لحالة القلب والأوعية الدموية حيث أن احتمالية حدوث ذبحة صدرية من الأمور الواردة أثناء وبعد الجراحة.
- تقييم حالة فقرات الرقبة والعمود الفقري خاصة للمرضى الأكبر عمراً إذ أنه من الممكن حدوث تآكل في الفقرات.
- ضبط جرعات الأدوية المثبطة للمناعة
- تقييم حالة الجهاز العصبي ومدى إمكانية عمل الجراحة في الوقت الحالي أو تأجيلها إلى حين ضبط أي خلل.
- مرضى الذئبة الحمامية
الذئبة هو مرض مناعي يصيب الأنسجة الضامة، وعدد المصابين به يزيد عن خمسة ملايين فرد حول العالم، وعند خضوع هؤلاء المرضى للجراحة لابد:- عمل حلقة اتصال بين كافة الأطباء المعالجين، إذ أنه في كثير من مرضى الذئبة يتابعون مع عدد من الأطباء، وللحصول على أفضل النتائج لا بد من عمل تلك الحلقة لتحديد أولويات الجراحة، وضبط جرعات الأدوية قبل عمل التدخل الجراحي.
- فحص جيد وتفصيلي لأمراض القلب والأوعية الدموية وعمل وظائف الرئة.
- تفصيل نوع الأدوية لطبيب التخدير حيث يختلف نوع الأدوية لمرضى الذئبة، والتي سوف يترتب عليها نوع التخدير سواء نصفي أو كلي، أو غير ذلك من أشكال التخدير، وأنواع الأدوية.
- بما أن ثلاثين إلى خمسين بالمائة من الأشخاص المصابين بمرض الذئبة يعانون أيضًا من مشاكل الجفاف بسبب حالة تسمى متلازمة سجوجرن، وفيها يهاجم الجهاز المناعي الغدد المنتجة للرطوبة في الجسم، فلا بد من إخبار الطبيب إذا كان هناك أي مشاكل مناعية أخرى مصاحبة للذئبة، وذلك لإضافة مواد مرطبة أو العمل على الوقاية من الجفاف.
- وهن العضلات الوبيل
هو مرض يتسم بضعف العضلات خاصة تلك التي تتحكم في العينين والجفون وتعبيرات الوجه والمضغ والبلع والتحدث، لكنه يمكن أن يؤثر على معظم أجزاء الجسم، حيث قد يحدث تساقط للجفون وازدواج في الرؤية، وصعوبة في التحدث والمضغ، مع ضعف في عضلات الذراع والرقبة، ومع احتمالية تأثيره علي عضلات الصدر مسبباً صعوبة في التنفس.من طرق علاج هذا المرض هو استئصال الغدة الصعترية (Thymus gland) والتي توجد خلف عظمة القص، فكيف نقوم بتجهيز المريض لتلك العملية الجراحية أو لغيرها للحصول على أفضل نتيجة ممكنة؟
إضافة للاختبارات اللازمة الروتينية ومراجعة طبيب المناعة، يجب عمل المزيد من الفحوصات حيث أن وهن العضلات الوبيل هو مرض مناعي ذاتي معقد، يجب أن تشمل الفحوصات قياس وظائف الغدة الدرقية، والأجسام المضادة للنواة، وعامل الروماتويد ووظائف الرئة وفحص دقيق لأمراض القلب، كما يجب عمل فصادة البلازما Plasmapheresis أو الغلوبولين المناعي في الوريد للمرضى الذين يعانون من مرض متقدم أو أعراض لها صلة أو ضعف في وظائف الرئة.
- أمراض الغدة الدرقية الخاصة بالمناعة الذاتية
يوجد نوعين من أمراض المناعة الذاتية الخاصة بالغدة الدرقية أحدهم مرض غريفز، والذي يتميز بفرط نشاط الغدة الدرقية، ومرض هاشيموتو الذي يتسم بضعف نشاط الغدة، والذي ينتج عنه وجود مستوى هرمونات الغدة الدرقية في الدم دون المستوى الطبيعي.لكل من المرضين طريقة علاج طبية، والتي تحتاج مراجعة طبيب الغدد الصماء لزيادة أو نقص الأدوية قبل العملية الجراحية، مع عمل فحوصات الغدة الدرقية العادية والأشعة اللازمة مثل الأشعة المقطعية إذا كان هناك تخوف من وجود ورم سرطاني في الغدة، خاصة أولئك الذين يعانون من مشاكل الغدة الدرقية من فترة طويلة مع مراجعة طبيب الرمد لفحص دقيق للعين لمرضى فرط نشاط الغدة الدرقية.
* هل تؤثر الجراحة على تفاقم أمراض المناعة الذاتية؟
الخضوع للجراحة يستلزم تخدير سواء كان موضعي أو كلي، مما قد يكون له تأثير مباشر على الجهاز المناعي حيث أن مادتي إيزوفلورين وسيفوفلوران هما من أكثر المواد المستخدمة في التخدير واللتان يسببان تثبيط في الجهاز المناعي حيث يرتبطان ببعض الخلايا المناعية مسببة إعاقة في تجمع الخلايا تلك مع بعضها مما يعمل على إضعاف جهاز المناعة بشكل ما، وهو تأثير يحدث للذين يخضعون للجراحة بصرف النظر عن إصابتهم بأية أمراض، أما أولئك المصابون بالمناعة الذاتية فهم أكثر تأثراً. أيضاً هناك دراسة أخرى تقول أن مرضى المناعة الذاتية معرضون للإصابة بمتلازمة جيلان باري، وهي عبارة عن ضعف في الأعصاب الطرفية وجذورها خاصة الأعصاب الطرفية مسبباً خدلان وضعف في الأطراف والحركة مع صعوبة في التوازن، لكن الخبر السار أنه يمكن التشافي منه بشكل كامل.
مرضى المناعة الذاتية قد يكونوا أكثر معاناة من غيرهم، ولكن تظل المتابعة الجيدة مع الأطباء والالتزام بالجرعات الدوائية المحددة مع الغذاء الجيد والسوائل الكافية والتوقف عن المواد الضارة مثل التدخين والكحوليات وممارسة الرياضة بشكل منتظم حسب قدرة المريض، تعتبر من الأمور التي تخفف العبء على المصاب وتجنب العديد من المضاعفات.
المصادر:
The impact of anaesthetics on immune function
The Role of Surgery in Autoimmune Conditions of the Thyroid
Perioperative considerations of systemic lupus erythematosus and antiphospholipid syndrome
Five Most Common Autoimmune Diseases
Lupus facts and statistics
Epidemiology of, risk factors for, and possible causes of rheumatoid arthritis
Effects of steroids and retinoids on wound healing
Autoimmune Diseases
What Are Common Symptoms of Autoimmune Disease?
Perioperative management of the patient with rheumatoid
arthritis
Autoimmune Diseases - NIH
Preparing for surgery when you have lupus
Myasthenia gravis
Preoperative preparation of the patient with myasthenia gravis
Link between surgery and Guillain-Barré syndrome discovered
Guillain-Barré syndrome
