أعلنت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال في أحد بياناتها أخيراً، أن أكثر من 70% من حالات ارتفاع ضغط الدم عند الأطفال في الولايات المتحدة يحصل تأخّر في تشخيصها، وفي كثير من الحالات لا يتم تشخيصها إلاّ بعد ظهور مضاعفات المرض.
اقــرأ أيضاً
وهنا سؤال يطرح نفسه بشكل تلقائي: ما هو السبب في هذه الحقيقة التي تبدو صادمة أو صعبة التصديق، وخصوصاً أنّ الأمر متعلّق بأكثر الدول تقدّما في العالم في مجال الطب والعناية الصحية؟
* صعوبات
هناك أسباب عديدة تجعل تشخيص هذا المرض أصعب لدى الصغار منه عند الكبار:
- السبب الأوّل: هو أن ارتفاع ضغط الدم هو أقل شيوعاً في الصغار مقارنة بالبالغين، مما يجعل فكرة تشخيصه بعيدة عن ذهن طبيب الأطفال، الذي لا يتعامل معه بشكل يومي.
- السبب الثاني: إن الأرقام الطبيعية لضغط الدم عند الأطفال تختلف حسب العمر.. فالضغط الطبيعي عند طفل عمره 5 سنوات مختلف عما هو عند آخر، عمره 10 سنوات على سبيل المثال، وهذا يؤدّي إلى تشوّش عند الطاقم الطبي في تعريف ارتفاع ضغط الدم من حيث المبدأ. ويحتاج الأمر لطبيب أطفال خبير يركّز على هذه الحالة ويبحث عنها بشكل روتيني، وخصوصاً في الفحص السنوي للطفل.
- السبب الثالث: إن الطبيب يجب أن يستخدم أكماماً Cuffs خاصّة لجهاز قياس ضغط الدم تتناسب مع عمر ونموّ الطفل (وخصوصاً محيط ذراعه) للحصول على قراءة صحيحة.
وهذا الأمر إذا كان متوفراً في معظم عيادات طب الأطفال، فإنه غير موجود عادة في غرف الطوارئ والعناية العاجلة، فيمكن بالتالي أن تمرّ حالات يعايَن فيها الطفل المصاب بارتفاع الضغط في هذه المؤسسات الطبية ولكن لا يتم الوصول إلى التشخيص الصحيح.
- أمّا السبب الأخير: فهو أن ارتفاع ضغط الدم كثيراً ما يكون صامتاً، أي لا تكون له أية أعراض، فلا تكون لدى الأهل أية شكوى يذكرونها للطبيب فيتأخر التشخيص.
* الأولي والثانوي
معظم حالات ارتفاع ضغط الدم لدى الكبار هي من النوع البدئي أو الأساسي Essential (أي تحصل دون وجود مرض آخر في الجسم يسببها)، والأمر يكون بعكس ذلك تماماً في الأطفال دون عمر 10 سنوات، حيث تكون معظم الحالات ناجمة عن أمراض أخرى في الجسم، وهذا ما نسمّيه ارتفاع الضغط الثانوي Secondary.
* ارتفاع الضغط الأولي
وهو الأقل شيوعاً عند الأطفال، وعلى الرغم من عدم وجود آفة ظاهرة تسببه، إلّا أننا نعلم أنه يزيد في حال:
- وجود البدانة وعدم ممارسة التمارين.
- عند الذين يتناولون الأغذية غير الصحية، وخصوصاً تلك التي تحتوي على كميات كبيرة من الملح.
- ويزيد حصوله أيضاً في حال وجود تاريخ عائلي للمرض.
* ارتفاع الضغط الثانوي
وهو الأكثر شيوعاً لدى الأطفال، ومن أسبابه:
- الأمراض الكلوية المزمنة.
- كيسات الكلية.
- فرط نشاط الغدّة الدرقية.
- مشاكل القلب، تضيّق الشريان الأورطى (برزخ الأبهر)، المعروف طبيّاً بـ Coarctation of the Aorta.
- تضيّق الشريان الكلوي.
* أعراض هامّة
على الرغم من أن ارتفاع ضغط الدم كثيراً ما يكون صامتاً، إلا أن هنالك بعض الأعراض التي يجب أن تلفت نظر الأهل وتدعوهم لاستشارة الطبيب بسبب ترافقها مع هذا المرض، ومن أهمّها:
- توقف التنفس أثناء النوم Sleep Apnea، حيث يلاحظ الأهل اضطراباً تنفسيّاً أثناء النوم مثل الشخير أو عدم انتظام التنفس أو توقفه لفترة تطول أو تقصر.
هذا العرض يترافق مع ارتفاع الضغط، ولابد للأهل من استشارة الطبيب عندما يلاحظون وجوده.
- مما يذكر أيضاً أن هذه الحالة شائعة عند الأطفال الذين يعانون من السمنة.
* مضاعفات
من المعروف أن نسبة عالية من حالات ارتفاع الضغط عند الأطفال تستمر إلى ما بعد البلوغ، وربما عانى المريض من المضاعفات المعروفة لهذا المرض مثل السكتة الدماغية والاحتشاء القلبي وقصور القلب واعتلال الكلية. وإن التشخيص والعلاج الباكرين سيجنّبان الطفل هذه المضاعفات الخطرة في المستقبل.
* فحوص
في حال وجود ارتفاع ضغط الدم لدى الطفل، فإن الطبيب قد يجري بعض الفحوص الخاصّة، والهدف منها تحرّي الأسباب التي ربما تكون قد أدّت إلى هذه الحالة من جهة، والبحث عن وجود المضاعفات من جهة أخرى.
وتشمل هذه الفحوص:
- الاختبارات الدموية لوظائف الكلية، ومستوى الغلوكوز، والتعداد الكامل للدم.
- تحليل البول.
- فحص الموجات فوق الصوتية (إيكو) للقلب (الصدى القلبي Echocardiogram).
- فحوصات الموجات فوق الصوتبة للكليتين Kidney Ultrasound.
* العلاج
يختلف علاج ارتفاع ضغط الدم عند الأطفال حسب شدّته من ناحية، وحسب كون الحالة أوّلية أو ثانوية من ناحية أخرى.
ففي الحالات الثانوية لابد من التركيز على علاج المرض المسبّب.. فمريض مصاب بتضيّق الشريان الكلوي مثلاً، غالباً ما يضطر للخضوع للجراحة للتخلّص من ارتفاع الضغط الدموي.
وهناك معالجات كثيرة تستخدم في الحالات الأوّلية والثانوية للمرض، مثل المدرّات Diuretics، وحاصرات بيتا Beta Blockers، ومثبطات إنزيم ACE، وحاصرات مستقبلات الأنغوتنسين، وحاصرات قناة الكالسيوم. ولا داعي للخوض هنا في تفاصيل هذه العلاجات، لأن الطبيب سيحددها بناءً على حالة كل مريض.
* إجراءات مفيدة
هناك بعض الإجراءات المفيدة في إنقاص ضغط الدم عند الأطفال والكبار على حد سواء، مثل:
- إنقاص الوزن عند المصابين بالسمنة.
- تناول الأطعمة الصحية، مع الابتعاد بشكل خاص عن الملح والشحوم المشبعة المؤذية للجسم.
- التمارين الرياضية بشكل منتظم.
* خاتمة
إن تشخيص ارتفاع ضغط الدم عند الأطفال هو أكثر صعوبة منه عند الكبار للأسباب التي ذكرناها، وإن التشخيص المبكّر للمرض يحتاج لفريق طبي خبير بأمراض الأطفال.
ويؤدّي البدء المبكّر في المعالجة للسيطرة على الضغط، ويمكّن الطفل من أن يعيش حياته الطبيعية بعيداً عن شبح المضاعفات الخطرة لهذا المرض.