الرعاية الذاتية (Self-care) هي أي نشاط نشارك فيه لرعاية احتياجاتنا الشخصية اليومية؛ مثل إطعام المرء لنفسه، والاستحمام، وتنظيف الأسنان بالفرشاة، وارتداء الملابس النظيفة، والاهتمام بالأمور الطبية، وهو يعد أمر حيوي لصحتنا العقلية والعامة، ومن المفارقات أنه أمر نتجاهل ممارسته بشكل متكرر.
لا شك في أن كل شخص يرغب بأن يهتم بصحته العقلية، لذلك فإنّ الرعاية الذاتية لا تخص فقط أولئك الذين يعانون من مرض نفسي، وإنما الأشخاص الأصحاء أيضاً، من المهم أن نأخذ جميعنا وقتاً لفعل الأشياء التي تسعدنا لأنها ستجدد نشاطنا وتعيد شحن طاقتنا ونكون في أفضل حالاتنا، سنتناول في هذا المقال عدة أفكار من شأنها أن تساعدنا في تقديم الرعاية الذاتية لأنفسنا.
* ما هي الرعاية الذاتية؟
يمكن أن تشمل الرعاية الذاتية أي أنشطة تشعرك بالتجديد والانتعاش والرضى مثل الحصول على قصة شعر جديدة أو التدليك، أو القيام برحلة، أو تناول الطعام في مطعمك المفضل، وكذلك تلبية احتياجاتك اليومية الأساسية.
* أسباب ضعف الاهتمام بالرعاية الذاتية
قد يواجه الفرد صعوبة في الرعاية الذاتية لعدة أسباب:
- وجود إصابة بالذهان
فالشخص المنفصل عن الواقع (يشمل ذلك الهلوسة أو الأوهام)، يصعب عليه رعاية نفسه.
- قد يؤدي الاكتئاب في بعض الأحيان إلى عدم اهتمام الشخص بنفسه
مما يسبب له فقدان الشهية أو الدافع، أو قلة الطاقة، أو الشعور بالكراهية الذاتية، وكل هذه يمكن أن تضعف من القدرة على رعاية الذات.
- قد يجد الناجون من سوء المعاملة أو العنف صعوبة في الحفاظ على عادات جيدة للرعاية الذاتية.
- التراجع المعرفي المرتبط بالخرف يمكن أن يضعف مهارات الرعاية الذاتية.
* ما هي أهداف الرعاية الذاتية؟
لدى جميع الأشخاص متطلبات مختلفة للرعاية الذاتية، والتي لا تعني فقط الحد من الضغوطات المهنية أو معالجتها، ولكنها تتعلق أيضاً بتعزيز السعادة بشكل عام، وهناك أهداف مشتركة لجميع جهود الرعاية الذاتية تقريباً:
- رعاية الصحة العقلية والبدنية والنفسية.
- التعامل الصحي مع التوتر.
- احترام الاحتياجات العاطفية والروحية.
- الحفاظ على علاقات الفرد الشخصية والاجتماعية.
- الحفاظ على التوازن بين الحياة الشخصية والأكاديمية أو المهنية.
* هل الرعاية الذاتية عمل أناني؟
الرعاية الذاتية ليست عملاً أنانياً، فالأفراد الذين لا يهتمون باحتياجاتهم العاطفية والجسدية قبل تلبية احتياجات الآخرين تتدهور حالتهم العاطفية أو البدنية بمرور الزمن، فقد يجد هؤلاء الأفراد الذين يهتمون بالآخرين، سواء على المستوى المهني أو في الحياة الشخصية، أنفسهم مستنزفين بشكل خاص إذا لم يكرسوا ما يكفي من الوقت للعناية بأنفسهم، وبمجرد تلبية احتياجاتهم الخاصة، قد يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان أكثر قدرة على مساعدة الآخرين في تلبية احتياجاتهم.
إن الاهتمام بالذات من الناحية العاطفية من خلال التعامل الصحي مع القلق والغضب والحزن والمشاعر الأخرى هو جانب مهم في الرعاية الذاتية، وغالباً ما يمكن تحقيق هذا النوع من الرعاية الذاتية عن طريق وضع حدود مع الناس، وخاصة أولئك الذين ليسوا إيجابيين أو داعمين وقد يكون لهم تأثير سلبي على الحالة النفسية للشخص.. فأنت لست مجبرا على الاستمرار بعلاقة مع شخص لا يمت لك بصلة ولديه مخزون وفير من الطاقة النفسية السلبية، لأنك ستتأثر بها عاجلاً أو آجلاً.
يمكن للعلاقات الجيدة والصحية أن تساعد الفرد في الحفاظ على إطار ذهني إيجابي، لكن الأصدقاء الذين يريدون تلبية احتياجاتهم الخاصة فقط، أو أفراد الأسرة الذين يتركون الفرد يشعر بالإرهاق أو الاكتئاب، لن يساعد على الأرجح في تحسين حالة الفرد العقلية أو العاطفية، وقد يجد الفرد الذي يواجه مشكلة في تلبية احتياجات الرعاية الذاتية العاطفية أنه من المفيد تحديد الوقت مع الأشخاص الذين لا يدعمونه أو يساعدونه.
* فوائد ممارسة الرعاية الذاتية
تعمل الرعاية الذاتية على تحسين حياتنا في مناطق مختلفة وبطرق مختلفة، وكلها مهمة لصحتنا العامة، ويمكن أن يكون لممارسة الرعاية الذاتية تأثيرات ملحوظة على تقديرنا لذاتنا. عندما نعتني بأنفسنا، فإننا نؤكد بذلك على تقديرنا لذاتنا، ومن خلال اهتمامنا بأنفسنا واحتياجاتنا فإننا نقول لأنفسنا: "إنك تستحقين هذا".
1- من خلال الرعاية الذاتية المنتظمة
يتم تعزيز الوعي الذاتي لدينا إلى حد كبير، وعادةً ما تكون الأنشطة التي نختارها شيءٌ نتمتع به بالفعل، وهي تمنحنا أيضاً الفرصة للتفرغ وتجربة أشياء جديدة، ويمكّننا ذلك من معرفة ما نفعله وما لا يعجبنا، وإذا اكتشفنا اهتمامات جديدة، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى مشاعر وأهداف جديدة.
2- الرعاية الذاتية تشجع على تطوير الذات
إذْ تعزز الراحة والاسترخاء، مما يعود بالفائدة على صحتنا العامة، كما تعزز العلاقات الصحية، وعندما يتحسن تقديرنا لذاتنا ووعينا الذاتي، يكون لذلك تأثير إيجابي على ذهننا بشكل عام، وهذا بدوره يتيح لنا رعاية أصدقائنا وأحبائنا بطريقة ربما لم نكن قادرين على القيام بها من قبل.
3- تحديد وإدارة التحديات العامة التي يواجهها جميع المهنيين الذين يعملون بجد مثل احتمال الإجهاد والإرهاق أو الصعوبات الشخصية.
4- الدراية بنقاط ضعفنا
مثل احتمالية إعادة الصدمات (إذا كان لديك تاريخ من الصدمات)، والصدمة البديلة أو الثانوية (إذا كنت تعمل مع الأفراد الذين يبلغون عن تجاربهم الصادمة)، وإرهاق التعاطف (الذي يمكنك تطويره من مزيج من الإرهاق والصدمات البديلة).
5- تحقيق المزيد من التوازن في حياتك
من خلال الحفاظ على الاهتمام الذي توليه للمجالات المختلفة لحياتك وتعزيزه بطريقة منطقية.
* هل نمارس الرعاية الذاتية بما فيه الكفاية؟
في استطلاع صغير أجري على موقع التواصل الاجتماعي تويتر لمعرفة ما إذا كان الناس يمارسون الرعاية الذاتية بقدر ما يشعرون أنهم بحاجة إليها، وكانت النتائج كما يأتي: من بين 135 شخصاً، 77% منهم لا يمارسون الرعاية الذاتية بالقدر الكافي، ويتوقع أن يكون هذا هو حال الآخرين إذا شارك المزيد من الناس فيه؛ في الواقع نحن لا نمارس الرعاية الذاتية بنفس القدر الذي نحتاج إليه.
قد يكون انخفاض الطاقة أو قلة الوقت من أكثر الأسباب شيوعاً لعدم ممارسة الرعاية الذاتية بالقدر الذي نحتاج إليه، لكن وضعنا المالي أو مشاعر الأنانية أو الشعور بالذنب عاملان مساهمان أيضاً، ويرى الكثيرون منا أن ممارسة الرعاية الذاتية تجعلنا نظهر وكأننا أنانيين، لكن هذه النظرة بعيدة عن الحقيقة.
* أفكار للرعاية الذاتية
لا يشترط أن تكون الرعاية الذاتية عبر تضييع الوقت أو استنزاف أنفسنا جسدياً أو مكلفة؛ إذْ يمكن أحياناً لبعض الأشياء البسيطة التي نقوم بها بشكل منتظم أن تجعلنا نشعر بالحيوية.
يعد إنشاء روتين للعناية الشخصية أمراً مثالياً، وأسهل طريقة للقيام بذلك هي تحديد أيام الرعاية الذاتية خلال الأسبوع، وقد يشعر الكثير من الناس أنه ليس لديهم وقت لممارسة الكثير من الرعاية الذاتية، وأفضل طريقة للتخلص من ذلك هو الجدولة والتنظيم، واكتب طرق الرعاية الذاتية التي اخترتها في التقويم الخاص بك، وقم بتخصيص الوقت المناسب لها.
على العموم سنقدم فيما يأتي مجموعة متنوعة من الأفكار السهلة والمفيدة للمساعدة على الرعاية الذاتية التي يمكنك البدء في تنفيذها بشكل منتظم:
1- العب مع حيوانك الأليف (أو حيواناتك الأليفة إذا كانت لديك) أو قم بزيارة متجر حيوانات أليفة لقضاء بعض الوقت مع حيوان
إذ إنّ اللعب مع حيوان مفيد للغاية لصحتك النفسية. يقال إن الاستماع إلى خرخرة القط يمكن أن يخفف من التوتر العاطفي.
2- احتفظ بمفكرة أو دفتر يوميات
وقم بتدوين أياً من أفكارك وكل ما تشاء عندما ترغب في مشاركة شيء ما، سواء كان جيداً أو سيئاً.
3- قم بنشاط اجتماعي
القيام بنشاط اجتماعي يمكن أن يكون مفيداً جداً، وانتقل إلى جلسة مشورة جماعية أو انضم إلى مجموعة تثير اهتمامك عبر الإنترنت.
4- ارسم أو لون
يمكن أن يكون الرسم أو التلوين طريقة رائعة للاسترخاء والراحة، لوّن في كتاب التلوين، أو قم باستخدام بعض الألوان المائية ورسم اللوحات التي ترغب لها.
5- قم بطهي وجبة صحية
أو قم ببعض المهام المنزلية، أو قم بطلب وجبات جاهزة صحية وامض ليلة في المنزل.
6- خذ بعض الوقت الإضافي في الحمام
استحم مرتين، وأبق شعرك تحت الماء بعد شطف الشامبو. ثم، أدر ظهرك إلى الماء، وأغمض عينيك، واشعر بالماء وهو ينساب على ظهرك وأنت تأخذ أنفاسك العميقة.
7- اشتر لنفسك كتاباً جديداً وقم بقراءته
إذْ تُعد القراءة طريقة رائعة للاسترخاء، كما أنها طريقة رائعة لتعلم أشياء جديدة.
8-اعتنِ ببشرتك
استغرق بعض الوقت لتقشير وجهك وترطيب بشرتك.
9- مارس بعض اليوغا أو الرياضة أو اذهب لنزهة لطيفة
ليس عليك القيام بتمرينات قوية لتكون بصحة جيدة، إذْ يوصي العديد من المصادر بحوالي 75 إلى 150 دقيقة من النشاط البدني كل أسبوع، وطبعاً لا يتوجب عليك القيام بسباق الماراثون أو رفع الحديد، وإنما يكفي المشي لمدة 30 دقيقة على الأقل عدة مرات في الأسبوع.
10- أشرك عقلك بانتظام مع الألغاز والأنشطة الإبداعية
فهي طريقة رائعة للتأكد من أنك تمارس الرعاية الذاتية العقلية.
11- حاول أن تكون لبعض الوقت وحدك
إذ حتى الأشخاص الذين يستمتعون بصحبة الآخرين يحتاجون عموماً إلى بعض الوقت ليكونوا فيه وحدهم للراحة.
12- أضف المكون الروحي للرعاية الذاتية
إذ يمكنك قضاء بعض الوقت في كنيسة أو مسجد أو أي مبنى ديني آخر؛ فالدين، يشبع حاجتك الروحية بالاتصال مع الخالق عز وجل، ويمكنك ممارسة الرعاية الذاتية الروحية بعدة طرق مختلفة، مثل التطوع لمساعدة الآخرين المحتاجين، أو قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق العظيمة في التواصل مع الطبيعة، أو القيام ببعض الممارسات الدينية والقيم التي تثير اهتمامك.
13- خذ قيلولة
لا تقلل من قوة القيلولة في النهار فهي جيدة ومفيدة لتجديد نشاطك بقية اليوم، كما أن إعطاء الأولوية للنوم هو تكتيك آخر للرعاية الذاتية، وحاول الالتزام من 7-9 ساعات من النوم كل ليلة لمدة أسبوع وشاهد ما تشعر به من الراحة.
* خلاصة القول
تعبّر الرعاية الذاتية عن الأنشطة والممارسات التي يمكننا المشاركة فيها بشكل منتظم لتقليل التوتر والحفاظ على صحتنا وسعادتنا على المدى القصير والطويل، والرعاية الذاتية ضرورية لزيادة فعاليتك ونجاحك في الوفاء بالتزاماتك المهنية والشخصية.
قد يختلف كل منا في المجالات التي يؤكد عليها والتوازن الذي يسعى له، لكن الرعاية الذاتية هي شيء يجب علينا ألا نتنازل عنه، ولدينا جميعاً صحتنا العقلية، ومن الأهمية بمكان أن نرعى صحتنا من خلال ممارسة الأنشطة المناسبة لنا.. إذاً لا تشعر بالذنب أبداً لأنك اعتنيت بنفسك.. فإنّ لنفسك عليك حقا.
المصادر
Why Self-Care is Vital to Our Mental Health
Self-Care
Introduction to Self-Care