قام أحد الأفاضل بطرح سؤال: "ماذا تفعل إذا اكتشفت أن ابنك قد حضر حفلة تضمنت أفكارا مخالفة لما هو مقبول داخل إطار الأسرة؟"، وأعادني هذا السؤال لإشكالية التربية، ومدى دور الأسرة في تشكيل قرار الفرد.
* أنواع البنى الأسرية
هناك ثلاثة أنواع من البنى الأسرية والتي تشكّل الغالبية العظمى من أشكال التواصل في الأسر، لكل بنية منها نمط محدد يتم توارثه ونقله للأجيال، بالإضافة إلى نمط أسري بدأ في الانتشار ومن المقبول اعتباره رد فعل تجاه البناء المختلط والبناء الخانق:
1. البناء المتحرر
هذا النوع لا يصح اعتباره بناء لأنه يفتقر للثوابت في الأساس، فهو مجرد علاقة بين مجموعة من الأفراد، وتظهر فيه صور الانفلات الكامل عن بنيان ينظم الأسرة؛ فهي أسرة متفككة؛ لكل فرد منطلقاته الخاصة.
وتنتشر هذه النوعية من العلاقات في أقصى أطراف البنية المجتمعية، الطبقات العليا تماما والدنيا تماما؛ ولذلك يقال إن الطبقة الوسطى هي التي تحفظ بنيان المجتمع ككل.
قبل إدراك وجود نُظُم اجتماعية في حياة الحيوان كان يقال إن الفارق بيننا كبشر وبين التجمعات الحيوانية أننا كائنات اجتماعية؛ يعني ذلك وجود قانون ناظم للأفراد وأدوار يلعبها كل فرد.
ويقاس البناء الاجتماعي بمدى انتظام أفراده داخل هذه الأدوار، وحتى المراهقون المعروفون بكسر القواعد يحتاجون في داخلهم للقانون.. لنقطة انطلاق.. لحائط استناد.. أو مرجع قياس، والمراهق لا يثور ضد القانون وإنما ضد آلية تنفيذه ومن يقوم به؛ لأن القانون الأسري يتم استدماجه في الطفولة داخل البنية النفسية، وهو يسمح بوجود اتزان نفسي للفرد؛ فبدون قانون واضح ومستقر تصبح البنية النفسية وحدات متذبذة لا تستقر، ولذلك قلت يكون لكل فرد منطلقاته الخاصة وليس قانونه الخاص؛ لأن القانون هو أحد الثوابت وهذه العلاقة لا تبني أية ثوابت.
2. البناء المختلط
"ابني يثق بي جداً، حتى في الجامعة يعود في كل يوم ليخبرني بما حدث"، حين سمعت هذا من ولية أمر أحد العملاء تحسست سمات علاقة أخطبوطية بين الأم وابنها الشاب الجامعي؛ وهذه العلاقة تتم في أغلب الأحيان على مستوى لا واع، بهدف الحماية أو خوف الفقد، ويكون الفرد الناتج عن هذا النمط شخصاً اعتمادياً بالدرجة الأولى، فهو غير قادر على اتخاذ قرار أو الصمود بمفرده، وفي هذه البيئة ينتشر إدمان العلاقات، والاعتمادية النفسية.
يتم تصوير البنية المختلطة على أنها تواصل حقيقي، ولكن الحقيقة أنها انصهار معيب؛ فهي لا تسمح بتشكيل هوية يمكنها التكامل مع الآخر، وإنما براعم لا يمكنها الانفصال؛ والنضج الحقيقي يكمن في بناء هوية يمكنها أن تتصل بالآخر دون أن تفقد تمايزها وخصوصيتها، وهو ما لا تسمح به هذه البنية.
3. البناء الخانق
النمط الثاني من العلاقات هو العلاقات الخانقة، التي يشعر أفرادها أنهم داخل سجن شديد الحراسة، فأحد أطرافه يراقب ويطلع على كافة تحركات الطرف الآخر، ومثل كل السجون سيستغل أفراد هذا السجن أول فرصة سانحة للهروب من جدرانه، فهي علاقة طاردة في حقيقتها، وسيكون القبول بأول متقدم أو أول فتاة يقابلها الشاب وسيلة للتحرر، وهذا على أحسن الأحوال، والاحتمال الثاني أن يحمل الفرد الناشئ هذا النمط إلى البيت الجديد.
تشهد الأسر ذات العلاقة الخانقة نسبة أكبر من الثورات الداخلية، ومحاولات العصيان والخروج عن النمط، وهنا يكمن الخوف من أن يتصرف الفرد بوجهين، وجه يصدره للأهل ويمثل الذات المزيفة، ووجه يمثل الذات الحقيقية لكنه مختلف كثيراً أو قليلاً عن الوجه الذي يعرفه البيت؛ فقمع محاولات الاستقلال والاختلاف الشخصية كقصة الشعر أو الملبس أو نوعية الطعام يتولد عنه ثورة وخروج عن قانون الأسرة بشكل عام.
4. البناء المسؤول
بين هذين النمطين يوجد نمط الحرية المسؤولة، نوع مختلف تبدأ جذوره في العام الثاني من العمر، حين يبدأ الطفل في محاولة الاعتماد على نفسه، وممارسة سلطة الاعتراض "لا"، هذه "لا" الطفولية هي النبتة التي تزدهر في مرحلة المراهقة، حيث تظهر آثار تعامل الوالدين مع نزعات الطفل الأولية للاستقلال، هذه الخبرة الطفولية تعلم الطفل أنه يمكنه اتخاذ قراره بمفرده بعيداً عن مقدم الرعاية مع إيمانه أنه سيكون دوماً هناك لإصلاح الخطأ إن وقع، وتقديم الدعم والمشورة متى احتاجها.
هذه العلاقة التي تسمح بخصوصية أفرادها، لكن تحتفظ بدائرة التشاور والانفتاح والقرار المشترك، وعلاقة بهذه النوعية هي ثمرة التربية الصحية الواعية؛ فهدف التربية كما شرحت سابقاً هو بناء فرد قادر على الاستقلال واستكمال الحياة بمفرده.
نفهم إذا، أن أهم أركان التربية هي العلاقة بين الأبناء والآباء، وأن مفهوم العلاقة هو مفهوم مركب ويحتاج إلى فهم ودراية، فمن خلال العلاقة الأسرية يكتشف الفرد مفهومه الأول عن الانتماء والاستقلال والمسؤولية، ونحن بحاجة للنضج الحقيقي، ولذلك فمن أعلى مراتب الذكاء العاطفي هو مهارة التواصل مع الآخر، وبمعنى آخر فن بناء العلاقات والحفاظ عليها.
اقرأ أيضاً:
الأسر المضطربة
ما هي دواعي الاستشارة الزوجية؟
* أنواع البنى الأسرية
هناك ثلاثة أنواع من البنى الأسرية والتي تشكّل الغالبية العظمى من أشكال التواصل في الأسر، لكل بنية منها نمط محدد يتم توارثه ونقله للأجيال، بالإضافة إلى نمط أسري بدأ في الانتشار ومن المقبول اعتباره رد فعل تجاه البناء المختلط والبناء الخانق:
1. البناء المتحرر
هذا النوع لا يصح اعتباره بناء لأنه يفتقر للثوابت في الأساس، فهو مجرد علاقة بين مجموعة من الأفراد، وتظهر فيه صور الانفلات الكامل عن بنيان ينظم الأسرة؛ فهي أسرة متفككة؛ لكل فرد منطلقاته الخاصة.
وتنتشر هذه النوعية من العلاقات في أقصى أطراف البنية المجتمعية، الطبقات العليا تماما والدنيا تماما؛ ولذلك يقال إن الطبقة الوسطى هي التي تحفظ بنيان المجتمع ككل.
قبل إدراك وجود نُظُم اجتماعية في حياة الحيوان كان يقال إن الفارق بيننا كبشر وبين التجمعات الحيوانية أننا كائنات اجتماعية؛ يعني ذلك وجود قانون ناظم للأفراد وأدوار يلعبها كل فرد.
ويقاس البناء الاجتماعي بمدى انتظام أفراده داخل هذه الأدوار، وحتى المراهقون المعروفون بكسر القواعد يحتاجون في داخلهم للقانون.. لنقطة انطلاق.. لحائط استناد.. أو مرجع قياس، والمراهق لا يثور ضد القانون وإنما ضد آلية تنفيذه ومن يقوم به؛ لأن القانون الأسري يتم استدماجه في الطفولة داخل البنية النفسية، وهو يسمح بوجود اتزان نفسي للفرد؛ فبدون قانون واضح ومستقر تصبح البنية النفسية وحدات متذبذة لا تستقر، ولذلك قلت يكون لكل فرد منطلقاته الخاصة وليس قانونه الخاص؛ لأن القانون هو أحد الثوابت وهذه العلاقة لا تبني أية ثوابت.
2. البناء المختلط
"ابني يثق بي جداً، حتى في الجامعة يعود في كل يوم ليخبرني بما حدث"، حين سمعت هذا من ولية أمر أحد العملاء تحسست سمات علاقة أخطبوطية بين الأم وابنها الشاب الجامعي؛ وهذه العلاقة تتم في أغلب الأحيان على مستوى لا واع، بهدف الحماية أو خوف الفقد، ويكون الفرد الناتج عن هذا النمط شخصاً اعتمادياً بالدرجة الأولى، فهو غير قادر على اتخاذ قرار أو الصمود بمفرده، وفي هذه البيئة ينتشر إدمان العلاقات، والاعتمادية النفسية.
يتم تصوير البنية المختلطة على أنها تواصل حقيقي، ولكن الحقيقة أنها انصهار معيب؛ فهي لا تسمح بتشكيل هوية يمكنها التكامل مع الآخر، وإنما براعم لا يمكنها الانفصال؛ والنضج الحقيقي يكمن في بناء هوية يمكنها أن تتصل بالآخر دون أن تفقد تمايزها وخصوصيتها، وهو ما لا تسمح به هذه البنية.
3. البناء الخانق
النمط الثاني من العلاقات هو العلاقات الخانقة، التي يشعر أفرادها أنهم داخل سجن شديد الحراسة، فأحد أطرافه يراقب ويطلع على كافة تحركات الطرف الآخر، ومثل كل السجون سيستغل أفراد هذا السجن أول فرصة سانحة للهروب من جدرانه، فهي علاقة طاردة في حقيقتها، وسيكون القبول بأول متقدم أو أول فتاة يقابلها الشاب وسيلة للتحرر، وهذا على أحسن الأحوال، والاحتمال الثاني أن يحمل الفرد الناشئ هذا النمط إلى البيت الجديد.
تشهد الأسر ذات العلاقة الخانقة نسبة أكبر من الثورات الداخلية، ومحاولات العصيان والخروج عن النمط، وهنا يكمن الخوف من أن يتصرف الفرد بوجهين، وجه يصدره للأهل ويمثل الذات المزيفة، ووجه يمثل الذات الحقيقية لكنه مختلف كثيراً أو قليلاً عن الوجه الذي يعرفه البيت؛ فقمع محاولات الاستقلال والاختلاف الشخصية كقصة الشعر أو الملبس أو نوعية الطعام يتولد عنه ثورة وخروج عن قانون الأسرة بشكل عام.
4. البناء المسؤول
بين هذين النمطين يوجد نمط الحرية المسؤولة، نوع مختلف تبدأ جذوره في العام الثاني من العمر، حين يبدأ الطفل في محاولة الاعتماد على نفسه، وممارسة سلطة الاعتراض "لا"، هذه "لا" الطفولية هي النبتة التي تزدهر في مرحلة المراهقة، حيث تظهر آثار تعامل الوالدين مع نزعات الطفل الأولية للاستقلال، هذه الخبرة الطفولية تعلم الطفل أنه يمكنه اتخاذ قراره بمفرده بعيداً عن مقدم الرعاية مع إيمانه أنه سيكون دوماً هناك لإصلاح الخطأ إن وقع، وتقديم الدعم والمشورة متى احتاجها.
هذه العلاقة التي تسمح بخصوصية أفرادها، لكن تحتفظ بدائرة التشاور والانفتاح والقرار المشترك، وعلاقة بهذه النوعية هي ثمرة التربية الصحية الواعية؛ فهدف التربية كما شرحت سابقاً هو بناء فرد قادر على الاستقلال واستكمال الحياة بمفرده.
نفهم إذا، أن أهم أركان التربية هي العلاقة بين الأبناء والآباء، وأن مفهوم العلاقة هو مفهوم مركب ويحتاج إلى فهم ودراية، فمن خلال العلاقة الأسرية يكتشف الفرد مفهومه الأول عن الانتماء والاستقلال والمسؤولية، ونحن بحاجة للنضج الحقيقي، ولذلك فمن أعلى مراتب الذكاء العاطفي هو مهارة التواصل مع الآخر، وبمعنى آخر فن بناء العلاقات والحفاظ عليها.
اقرأ أيضاً:
الأسر المضطربة
ما هي دواعي الاستشارة الزوجية؟