إعادة استخدام زيت الطهي سلوكٌ قد يكون له أضرار على صحة الدماغ مثل تلف أنسجة الدماغ أو الخرف أو مرض ألزهايمر، فوفقاً لتقرير حقائق وأرقام مرض ألزهايمر لعام 2024 الصادر عن جمعية ألزهايمر، يصيب هذا المرض الآن على ما يقرب من 7 ملايين شخص يبلغون من العمر 65 عاماً أو أكبر في الولايات المتحدة.
ووسط هذه الأزمة الصحية التنكّسية العصبية المتزايدة، سلطت دراسة حديثة على الفئران الضوء على وجود صلة محتملة بين إعادة استخدام زيت الطهي وزيادة التنكس العصبي.
وجدت الدراسة الجديدة أن الفئران التي تتغذى على زيوت الطبخ المُعاد تسخينها أظهرت مستويات أعلى بكثير من التنكس العصبي مقارنة بالفئران التي تستهلك نظامًا غذائيًا عاديًا.
ويشير البحث إلى أن إعادة تسخين زيت الطهي قد يزيد من التنكس العصبي عن طريق تعطيل محور الكبد والأمعاء والدماغ، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على التوازن الفسيولوجي، ويرتبط بالاضطرابات العصبية.
زيوت الطبخ المسخَّنة مقارنة بزيوت الطبخ غير المسخّنة
يُعد القلي طريقة طهي منتشرة عالميًا، وغالبًا ما تُستخدم في مطاعم الوجبات السريعة، ولدى الباعة المتجولين، وفي الطهي المنزلي، وغالباً ما يقومون بتكرار إعادة استخدام زيت الطهي عدة مرات.
لقد ربطت الدراسات استهلاك الأطعمة المقلية مع حدوث أمراض القلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان، ومع ذلك، لم تتم سوى دراسات قليلة على التأثيرات الطويلة المدى لتكرار إعادة استخدام زيت الطهي على استقلاب الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة (PUFAs) وتطور الأمراض.
قام فريق الدراسة بتقسيم إناث الفئران إلى خمس مجموعات تمت تغذيتها بنظام غذائي عادي (مجموعة المراقبة،) أو نظام غذائي عادي مكمَّل بزيت السمسم غير المسخَّن، أو زيت عباد الشمس غير المسخَّن، أو زيت السمسم المعاد تسخينه، أو زيت دوار الشمس المعاد تسخينه يوميًا لمدة 30 يومًا، تم تصميم هذا النهج لتقليد ظروف استهلاك زيت القلي المعاد استخدامه.
وبالمقارنة مع نظيراتها التي اتبعت أنظمة غذائية مختلفة، أظهرت الفئران التي تمت تغذيتها بأنظمة غذائية تحتوي على زيوت مُعاد تسخينها حدوث ارتفاع في الإجهاد التأكسدي والتهاب في أنسجة الكبد.
بالإضافة إلى ذلك، لوحظ حدوث تلف كبير في القولون عند هذه الفئران، مما أدى إلى تغير مستويات السموم الداخلية والسكريات الدهنية، مما يشير إلى وجود السموم التي تنتجها سلالات بكتيرية معينة.
أظهرت العينة التي تمت تغذيتها بنظام غذائي يتضمن الزيوت المعاد تسخينها قابلية أكبر لتلف الخلايا العصبية مقارنة بالمجموعة التي لم تتغذّ على أي زيوت، أو تغذت على نظام غذائي يحتوي على زيوت غير مسخَّنة.
وكشفت الدراسة أن الأنظمة الغذائية التي تشمل الزيوت المعاد تسخينها أدت إلى ارتفاع مستويات الكوليسترول، والكوليسترول الضار، والدهون الثلاثية، وخمائر الكبدAST وALT، وعلامات الالتهاب، إلى جانب حدوث أضرار كبيرة في الكبد والقولون، واحتمال حدوث ضرر في القلب والأوعية الدموية والأعضاء.
كما أدى استهلاك الزيوت المعاد تسخينها إلى حدوث تلف محدد في الدماغ، خاصة في المناطق الحيوية للتجديد، مما يسلط الضوء على المخاطر العصبية لاستهلاك الزيوت المعاد تسخينها.
في المقابل، أظهرت الفئران التي تغذت على زيوت غير مسخَّنة علامات أفضل لصحة الدماغ مقارنة بالفئران في مجموعات الزيوت المعاد تسخينها.
ماذا يحدث عند تسخين الزيوت؟
يؤدي إعادة استخدام زيت الطهي وتسخينه لدرجات حرارة عالية إلى حدوث تغير في تركيبها الكيميائي الطبيعي بشكل كبير، مما يقلل من مضادات الأكسدة المفيدة فيها، ويشكل مركّبات ضارة مثل الدهون المتحولة، والأكريلاميد، والألدهيدات.
تؤدي إعادة تسخين الزيوت، خاصة بعد القلي المتكرر، إلى تفاقم هذه العملية، بحيث يصبح الزيت غير مستقر بشكل متزايد، مما يفقده الفوائد الصحية، ويولد فيه المزيد من السموم مع كل استخدام.
كما أن التسخين المتكرر يتسبب في تكسير الزيوت مما يؤدي إلى تغيرات في تركيبة الأحماض الدهنية، وزيادة مستويات منتجات أكسدة الدهون مثل أنواع الأكسجين التفاعلية.
يمكن أن يؤدي عدم التوازن بين أنواع الأكسجين التفاعلية ومضادات الأكسَدة البيولوجية (الموجودة داخل الجسم) إلى تحفيز الإجهاد التأكسدي في الدماغ، مما قد يؤدي إلى إتلاف الخلايا العصبية، ويزيد من خطر الإصابة بأمراض التنكس العصبي.
خلصت الدراسة في النهاية إلى أن تعرّض زيت الطهي المتكرر للحرارة يؤثر سلباً على تكوين الأحماض الدهنية، مما يقلل من صحة الدهون المتعددة غير المشبعة، ويزيد من الأيزومرات المتحولة والأحماض الدهنية المشبعة.
متى يصبح زيت القلي ضارًا؟
تخضع زيوت القلي لتغيرات كيميائية أثناء التسخين والتعرض للضوء وكذلك أثناء التخزين، وهذه هي الطبيعة الكيميائية للمنتجات الدهنية، وتؤدي هذه التغيرات إلى تحلل الزيوت إلى مواد كيميائية سامة، ومن حسن الحظ أن هناك علامات واضحة على هذا التدهور، ونذكر من هذه العلامات:
- تغير اللون الذي يصبح داكناً.
- رائحة زنخة أو منفرة.
- طعم زنخ.
- سماكة الزيت.
وتعتمد السرعة أو المعدل الذي يحدث به هذا التغير الضار في الزيوت على نوع الزيوت المستخدَمة، وبشكل عام؛ كلما زادت كمية الدهون غير المشبعة في الزيت كلما كان تحلله أسرع، مثلاً تتحلل زيوت دوار الشمس والكانولا وفول الصويا بشكل أسرع بكثير من زيت الزيتون والنخيل.
أضرار إعادة استخدام زيت الطهي أكثر من مرة
في حين أن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث، فقد تم ربط الزيوت المعاد تسخينها بزيادة مستويات الكوليسترول والالتهابات، وهي عوامل خطر لأمراض القلب والأوعية الدموية واضطرابات التنكس العصبي.
وقد يكون الكبد الذي يقوم بتصفية المواد الموجودة في أجسامنا وإزالة السموم منها معرّضًا بشكل خاص للتلف الناتج عن الزيوت المعاد تسخينها.
ووفقاً لأليسا سيمبسون، اختصاصية تغذية لم تشارك في الدراسة، فإن التناول المتكرر للزيوت المعرَّضة لدرجات حرارة عالية يمكن أن يعطل استقلاب الدهون في الكبد مما قد يؤدي إلى مرض الكبد الدهني غير الكحولي (NAFLD)، وإلى تسريع حدوث أمراض الكبد بسبب الإجهاد التأكسدي.
كما أبدت سيمبسون مخاوفها بشأن تأثير الدهون المؤكسَدة على ميكروبات الأمعاء وعلى نفاذية الأمعاء، مما قد يؤدي إلى خلل في عملية الهضم، وحدوث التفاعل الالتهابي، وخلل في حاجز الأمعاء.
وشددت أيضاً على أن الحفاظ على ميكروبات الأمعاء الصحية هو أمر ضروري لصحة الكبد، إذ إن عدم التوازن قد يؤدي إلى اختراق البكتيريا الضارة ووصولها إلى الكبد بسبب زيادة نفاذية الأمعاء، وبالتالي التسبب في الإجهاد التأكسدي والالتهاب.
ويؤثر هذا الاضطراب على محور الكبد والأمعاء والدماغ، وهو أمر بالغ الأهمية للصحة العصبية من خلال مسارات الاتصال الأيضي والمناعي والهرموني، مما قد يؤدي إلى حالات التهابية عصبية واضطرابات عصبية.
علاوة على ذلك، أوضحت سيمبسون أن الاضطرابات في استقلاب دهون معينة يمكن أن تعطل اتصالات خلايا الدماغ ووظيفتها، مما قد يؤدي إلى إتلاف الخلايا العصبية.
الأساليب الغذائية للحماية من التنكس العصبي
للتخفيف من آثار إعادة استخدام زيت الطهي، توصي سيمبسون باتباع نظام غذائي غني بأحماض أوميغا 3 الدهنية والمواد المغذية، مثل الكركمين والفيتامين E التي يمكن العثور عليها في الكركم واللوز وغيرها من الأطعمة.
ووفقاً لسيمبسون، فإن دمج مضادات الأكسدة والألياف والبوليفينول من الفواكه والتوت والخضراوات والمكسرات والشاي الأخضر يمكن أن يقلل من الإجهاد التأكسدي والالتهابات، وبالتالي حماية الدماغ.
بالإضافة إلى ذلك؛ أكدت على أهمية البروبيوتيك الموجود في بعض الأطعمة مثل الكافيار والكيمتشي لصحة الأمعاء والكبد، كما أن اتباع أنماط غذائية صحية شاملة مثل نظام البحر الأبيض المتوسط أو نظام مايند الغذائي قد يساعد في منع التنكس العصبي.
من ناحية أخرى، حذرت سيمبسون من أن "تناول الأطعمة المقلية بشكل متكرر قد يساهم في زيادة الوزن، ومقاومة الأنسولين، ومتلازمة التمثيل الغذائي، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة".
نصائح لتجنب أضرار إعادة استخدام زيت الطهي
عند اختيار زيوت الطبخ يجب على المستهلكين اختيار الزيوت التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المتعددة غير المشبعة واختيار أساليب التحضير التي تتطلب حرارة منخفضة، ولا ينبغي إعادة استخدام زيت الطهي في عمليات الطهي المتكررة، ولا ينبغي تسخين الزيوت إلى درجات حرارة عالية.
أوصت سيمبسون بتدوير زيوت الطهي ومراقبة درجة حرارة الزيت في الأماكن التي تَستخدم القلي العميق، مثل المطاعم، لمنع ارتفاع درجة الحرارة والأكسدة المفرطة.
ولتجنب المزيد من الزيوت غير الصحية، اقترح الخبراء على المستهلكين أن يسألوا عن زيوت الطبخ المستخدَمة في المطاعم، ويختاروا الأطباق المحضرة بأساليب صحية أكثر مثل الشوي أو الخبز.
ختاماً، يشير هذا البحث الجديد إلى أن الاستهلاك المنتظم للزيوت المعاد تسخينها قد يعطل وظائف الكبد ويزيد من الإجهاد التأكسدي، مما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض التنكس العصبي.
وعلى الرغم من أن هذه الدراسة أجريت على الفئران، فإن نتائجها تسلط الضوء على المخاطر الصحية المحتملة المرتبطة بتكرار إعادة استخدام زيت الطهي و تسخينه، وتدعو إلى اتخاذ خيارات غذائية مدروسة جيدًا من الناحية الصحية.