متلازمة التمثيل الغذائي (Metabolic syndrome)، وتعرف أيضا بعدة أسماء، مثل متلازمة الأمراض القلبية الاستقلابية، متلازمة مقاومة الأنسولين، متلازمة الاستقلاب أو متلازمة الأيض، وهي مزيج من عوامل الخطورة وتتكون من الداء السكري، ارتفاع ضغط الدم، السمنة المركزية، وارتفاع الدهون في الدم.
ومن الشائع أن تتصاحب عوامل الخطورة هذه مع أمراض القلب والأوعية الدموية، حيث بينت الدراسات وجود علاقة بين متلازمة التمثيل الغذائي وكل من:
- أمراض الأوعية الدموية المحيطية.
- أمراض شرايين القلب والأزمة القلبية.
- أمراض الأوعية الدموية الدماغية والسكتة الدماغية.
والانتشار الوبائي لهذه المتلازمة وتأثيراتها السلبية على القلب والأوعية الدموية، والكلى، والأوعية الدموية الدماغية، والمناعة وتشخيص السرطانات المختلفة، كانت له أعباء كارثية على سكان العالم، حيث سبب عشرات الملايين من الوفيات التي كان من الممكن تجنبها. لهذا، على المجتمع الدولي وضع الخطط واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من هذا الوباء الصامت وما قد يودي به من أرواح تفوق أعدادها أعداد الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية والكوارث المفتعلة والصراعات الكبرى والحروب مجتمعة.
وفي مقالنا هذا سنركز على الإجراءات الوقائية للحد من هذه المتلازمة:
1- النشاط البدني
يجمع الخبراء على أن النشاط البدني بمعدل ثلاثين دقيقة يومياً من الجهد المعتدل، كالمشي السريع، يؤدي إلى الحد من انتشار وحدة متلازمة التمثيل الغذائي. وقد وجد أن الإجراءات البسيطة، مثل تقليل النشاطات التي لا تتطلب مجهوداً بدنياً والنشاطات الترفيهية ومشاهدة التلفاز وألعاب الفيديو والوقت الطويل أمام الحاسوب لأغراض غير وظيفية وتحديدها بساعة يومياً كحد أقصى، من الممكن أن تؤدي إلى انخفاض نسبة انتشار المتلازمة بنسبة 30-35%.
حيث يؤدي نمط الحياة الذي يخلو من النشاطات البدنية إلى الإصابة بمقاومة للأنسولين وما ينتج عنه من فرط للأنسولين بالدم وداء السكري من النوع الثاني والسمنة وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الدهون في الدم وما ينتج عنها من تصلبات في الأوعية الدموية.
كما أن ممارسة الرياضة بشكل منتظم تؤدي إلى تخفيف الوزن ومستوى الدهون في الجسم. ويعد النشاط المنتظم واللياقة البدنية القلبية التنفسية عند مرضى متلازمة التمثيل الغذائي من العوامل المساعدة على الحد من الوفيات الناجمة عن المتلازمة. ويتفوق تأثير الغذاء الصحي والنشاط البدني على الأدوية الخافضة للسكر، مثل المتفورمين، في الحد من تطور الداء السكري بنسبة 58% مقابل 31%.
كما وجد أنه بعد ثلاث سنوات من المتابعة الدورية لأشخاص معرضين للإصابة بالمتلازمة، تبين أن قلة النشاط البدني أدت إلى ارتفاع نسبة الإصابة من 55% إلى 61%. بينما أدى النشاط البدني إلى انخفاض نسبة الإصابة من 51% إلى 43%.
مثلا، أجريت دراسة فنلندية للوقاية من داء السكري على 522 شخصاً من متوسطي العمر الذين يعانون من زيادة في الوزن واضطراب مستوى السكر في الدم. وبعد ثلاث سنوات من المتابعة أظهرت النتائج فائدة كبيرة للنشاط البدني في التحكم بالوزن والحد من مظاهر متلازمة التمثيل الغذائي.
وفي دراسة فنلندية أخرى أجريت على 1069 رجلاً من ذوي الأعمار المتوسطة، تبين أن من مارس النشاط البدني لمدة تزيد عن ثلاث ساعات أسبوعياً كان أقل عرضة للإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي بنسبة 60%.
2- الغذاء الغني بالخضروات والفاكهة
تمت دراسة كثير من الحميات الغذائية لمعرفة دورها في الحماية من متلازمة التمثيل الغذائي، ووجد أن حمية البحر المتوسط مفيدة، نظراً لاعتمادها على التوازن ما بين الحبوب الكاملة والفاكهة والدهون غير المشبعة.
كما بينت الدراسات أن حمية البحر المتوسط التي تحتوي على كميات قليلة من اللحوم الحمراء والغنية بالحبوب والبقوليات والدهون الأحادية غير المشبعة تتصاحب مع انخفاض في مستوى الدهون الثلاثية بالدم وزيادة حساسية الخلايا للأنسولين وانخفاض مستواه بالدم.
كما بينت دراسة فراميتغهام الشهيرة انخفاضاً بنسبة 38% لانتشار المتلازمة عند مستهلكي البقوليات والألياف مقارنة بمن لا يستهلكونها. وفي دراسة (SUN) التي أجريت على 5360 من المشاركين الملتزمين بالنمط الغذائي المتوسطي، تبين بعد 74 شهراً من المتابعة الدورية انخفاض نسبة انتشار المتلازمة. كما كان الالتزام بالنمط الغذائي المتوسطي أكثر انتشاراً بين الإناث والمتقدمين بالعمر والأشخاص النشيطين بدنياً.
وفي دراسة سويدية أجريت على 2040 رجلا و2959 امرأة، ترافقت زيادة استهلاك الخبز الأبيض مع زيادة نسبة الإصابة بفرط الأنسولين في الدم واضطراب الدهون في الدم، بينما ترافق استهلاك الخبز الغني بالألياف مع انخفاض نسبة السمنة المركزية وانخفاض الدهون في الدم.
حيث يؤدي تناول الغذاء الغني بالخضروات والفاكهة إلى زيادة في حساسية الخلايا للأنسولين. بينما يرتبط استهلاك كميات كبيرة من اللحوم الحمراء مع زيادة في نسبة الإصابة بالمتلازمة إلى 4.7، كما ترافق استهلاك كميات كبيرة من اللحوم الحمراء (أكثر من 80 غراماً يومياً) مع زيادة في نسبة المصابين بارتفاع ضغط الدم.
وقد بينت دراسة "Oxford-EPIC"، التي أجريت على ما يزيد عن 11000 شخص تراوح أعمارهم ما بين 20-79 عاماً، وجود ارتفاع متوسط ضغط الدم عند من يستهلكون اللحوم بشكل منتظم، وأن الالتزام بحمية البحر المتوسط أدى إلى انخفاض نسبة الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي بواقع 20%.
3- تخفيف الوزن
تعد السمنة بمختلف أنواعها من العناصر الأساسية للمتلازمة، ولهذا السبب يهدف الباحثون إلى تخفيف أوزان المصابين بالمتلازمة بنسبة 7-19% في أول 6 أشهر. ولتحقيق هذا الهدف يجب على المصابين الحد من كمية السعرات الحرارية المستهلكة بواقع 500-1000 باليوم.
وينصح باتباع الحمية الغذائية والتمرينات الرياضية للحد من السمنة المركزية ومن زيادة محيط البطن وما يصاحبهما من مقاومة الخلايا للأنسولين التي تعد من العوامل الرئيسية للإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي.
حيث أدى فقدان 6.5% من الوزن بفضل تناول غذاء قليل السعرات الحرارية عند مرضى المتلازمة إلى انخفاض ضغط الدم الانقباضي بواقع 11.1 ميليمتر زئبق والانبساطي بواقع 5.8 ميليمتر زئبق، وانخفاض معدل سكر الدم بواقع 17 ميليغرامم/ديسيلتر، والدهون الثلاثية بواقع 94 ميليغرامم/ديسيلتر وإجمالي الكوليسترول بواقع 37 ميليغرامم/ديسيلتر بعد 4 أسابيع من فقدان الوزن.
وهنالك بعض الأدوية التي تساعد على خفض الوزن، على سبيل المثال Olistast، المعترف به من قبل منظمة الغذاء والدواء الأميركية، والذي يرتبط مع الدهون المعوية ويقلل من امتصاصها وأثبت أنه يؤدي إلى فقدان الوزن وتخفيض معدلات الكوليسترول الضار، الأنسولين، هورمون Leptin وبدرجة أقل معامل الالتهاب.
وبالإضافة لدواء Orilstat، حصل دواء Sibutramine على اعتمادية منظمة الغذاء والدواء الأميركية لدوره في فقدان الوزن عند مرضى المتلازمة. كما أظهرت الأبحات أن دواء Rimonabant يؤدي إلى فقدان الوزن وتحسين قياس محيط الخصر وارتفاع مستوى الكوليسترول النافع وانخفاض مستوى الكوليسترول الضار وانخفاض مستوى الدهون الثلاثية في الدم والحد من مقاومة الخلايا للأنسولين عند المصابين.
4- جراحات السمنة
في تجربة أجريت على مصابين بالمتلازمة، تم إجراء تدخلَين جراحيَين بالمنظار على المرضى، متمثلين برأب المعدة الشريطي العامودي (Vertical Banded Gastroplasty) على مجموعة من المرضى، ومجازة المعدة (Gastric Bypass) على المجموعة الأخرى.
حيث فقد مرضى المجموعتَين ما يقارب 30% من أوزانهم، وكذلك 11 ميليمتر زئبق من قراءات ضغط الدم و46 ميليغرام/ديسيلتر من مستوى السكر في الدم و196 ميليغرام/ديسيلتر من مستوى الدهون الثلاثية في الدم و33 ميليغرامم/ديسيلتر من إجمالي الكوليسترول في الدم. وكانت فاعلية العمليتَين الجراحيتَين متماثلة في الشفاء من المتلازمة بواقع 95% من المرضى بعد مرور عام.
5- مراقبة ضغط الدم
كان للأدوية مثبطة البيتا ومدرات البول دور فعال في الحد من الأزمات القلبية عند مرضى المتلازمة المصاحبة لارتفاع ضغط الدم.
6- انخفاض مستوى الكوليسترول في الدم
تخفيض مستوى الكوليسترول في الدم وتحسين نسبة الكوليسترول المفيد إلى إجمالي الكوليسترول في الدم كان له دور فعال في الحد من انتشار أمراض القلب والأوعية الدموية وما ينتج عنها من وفيات.
كما أن أدوية تخفيض الدهون في الدم، مثل (Statins)، لها فوائد لعلاج مرضى متلازمة الأمراض القلبية الاستقلابية وداء السكري النوع الثاني، ما يؤدي إلى الحد من الإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب والأوعية الدموية. أظهرت معظم الدراسات انخفاضاً في نسبة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بواقع 25-50%.
كما أثبتت الدراسات أن أحد هذه الأدوية (Simvastatin)، يؤدي إلى الحد من الإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 50%. لوحظت هذه النتائج عند مرضى متلازمة الأمراض القلبية الاستقلابية وداء السكري النوع الثاني. والعلاجات الأخرى لخفض الشحوم الثلاثية في الدم، مثل (fibrates)، و(nicotinic acid)، عند تناولها بالتزامن مع (Statins) تؤدي إلى الحد من الإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب والأوعية الدموية.
7- التوقف عن التدخين
من المعترف به عالمياً أن للتدخين أضراراً صحية، كالإصابة بتصلب شرايين القلب التاجية وأمراض الشرايين المحيطية وأمراض الأوعية الدموية الدماغية بالإضافة إلى الداء الرئوي المسد المزمن وسرطانات الرئة والمريء.
والانقطاع عن التدخين له فوائد في تخفيف الخطر النسبي للوفاة بنسبة 36% عند مرضى أمراض شرايين القلب التاجية الذين انقطعوا عن التدخين مقارنة بمن استمروا. وقد تبين أن حالات الوفاة كانت أقل عند المدخنين الذين يتبعون برامج إرشادية للتوقف عن التدخين مقارنة بالمدخنين الاَخرين. وهو ما يشير إلى أن للانقطاع الجزئي عن التدخين دوراً مهماً في الحد من الوفيات.
وفي دراسة أجريت على مدار عشر سنوات على 1445 من الذكور المدخنين حول فوائد التوقف عن التدخين، تبين حدوث انخفاض في الوفيات الناجمة عن أمراض شرايين القلب التاجية بواقع 18%. يتصاحب التدخين مع نسبة خطورة للوفاة القلبية المفاجئة تعادل 2.47 مقارنة بغير المدخنين. والتوقف عن التدخين يتصاحب مع انخفاض بنسبة 36% للإصابة بأمراض القلب المؤدية إلى الوفاة.
8- معالجة الضغط النفسي
أجريت دراسة بريطانية على 10308 من رجال ونساء الخدمة المدنية البريطانية ممن تراوح أعمارهم ما بين 35-55 عاماً، وجرت متابعتهم لمدة 14 عاماً، تبين خلالها أن الموظفين الذين يقعون تحت ضغط عمل مزمن لديهم نسبة خطورة للإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي تعادل 2.25 مقارنة ببقية الموظفين.
وفي دراسة فنلندية أجريت على عينة عشوائية تتكون من 3407 من الرجال والنساء ممن تراوح أعمارهم ما بين 18-78 عاماً، تبين أن الضغط النفسي يتصاحب مع ارتفاع نسبة المصابين بمقاومة الخلايا للأنسولين والسمنة وارتفاع الشحوم الثلاثية في الدم. وتزاد احتمالية الإصابة بمتلازمة الأمراض القلبية الاستقلابية بواقع (1.19-1.66) عند النساء اللواتي لديهن أعراض الاكتئاب أو أحداث حياتية مجهدة أو غضب شديد أو إحساس بالتوتر.
** أخيرا..
لا يوجد دواء واحد لعلاج المتلازمة بشكل كلي، لهذا يركز على علاج كل من المكونات على حدة باستخدام الأدوية المعتمدة، مثل أدوية ارتفاع ضغط الدم وأدوية تخفيض مستوى السكر في الدم لعلاج داء السكري وأدوية تخفيض مستوى الدهون في الدم وأدوية فقد الوزن وأدوية وإجراءات تثبيط الشهية وأدوية مضادات الصفيحات للحد من فرط التخثر المصاحب للمتلازمة.