كيف نتخلص من لوم ونظرة المجتمع للضحية وتركهم الجاني؟
كنت أريد حلًا أتجاوز به نظرة المجتمع تجاهي، تعرضت للتحرش كثيرا وللاغتصاب، ولم يعرف أحد، وعندما أتكلم مع صديقاتي أو لأحد يتقدم لي يرفضونني بطريقة صعبة، أحاول أن أقاوم بكل الطرق كي أكمل حياتي، وفي نفس الوقت لا يوجد لدي أحد، أي أحد أطلب منه المساعدة يقول لي تزوجي، لكنه ليس خيارًا بالنسبة لي، فأنا محكوم عليّ بالإعدام، حاولت الانتحار، ذهبت لطبيب نفسي وفشل في علاجي، أحتاج إلى الدعم، كيف؟
قلبي معك يا صديقتي، فما زلنا في مجتمعاتنا الشرقية نعاني من لوم الضحية التي تحتاج لسند وتَفَهُم؛ لتتمكن من تجاوز معاناتها، ولكن الآن في عمرك أتصور أنكِ قد اكتسبتِ خبرات ومهارات لم تكن عندك وأنت صغيرة وقت حدوث ما حدث، فهذه حقيقة أرجو أن تلاحظيها بصدق، وتكتشفي تفاصيلها بهدوء وتركيز. والأمر الثاني هو ما ألاحظه من رغبتك في أن تجدي القبول والسند من آخرين، وهذا لا يحدث لأي شخص في العالم إلا حين يقدم ذلك لنفسه بنفسه بصدق لنفسه.
فلتراجعي مع نفسك بصدق هل تقبلين نفسك فعلًا؟، هل تحبينها وتحترمينها؟، هل تراعينها؟، فإن كانت الإجابة لا، أو أحياناً؛ فاعلمي أن مشوار قبول وحب ورعاية الآخرين لك؛ لن يحدث إلا إذا بدأتِ ذلك أولاً مع نفسك، ولعل ذلك يحدث بتعلم بعض المهارات، وفحص بعض الأفكار التي تصدقينها لدرجة تجعلك لا تراجعيها من جديد، حتى حديثك عن فشل المعالج في علاجك يحتاج لمراجعة؛ فلا أنكر أن هناك معالجين غير كُفء، ولكن أقصد أن تراجعي ما كان يدور بداخلك وقت العلاج، هل تمكنت من إحساس الأمل والرغبة في تحقيق تغيير في نفسك أو التعامل معها، أم كنتِ تصدقين أنه مهما تعالجت لن يتغير شيء؟، فالإحساس الثاني إن لم يكن أمامك معالج ماهر جداً سيفشل العلاج بسبب عمق تصديقك أنه فعلاً لا فائدة، وهذا الإحساس بالذات هو الذي إذا تمَّكن من الشخص يوصله للأفكار التي تحدثتِ عنها.
ولأن هنا لا يمكن تقديم علاج كامل؛ فسأترك لكِ نقاطًا لتدبيرها بصدق؛ لتتمكني من مراجعتها بشكل مختلف حتى تبحثي على معالجة نفسية ماهرة:
- حين نتحدث عن أمور حدثت لنا وكانت مؤلمة والمجتمع الخاص بنا يراها أمرًا لا يتم قبوله بسهولة لطريقة تفكيره العقيمة؛ علينا أن نختار من نقول له، ونعرف لماذا نريد أن نقول له، فليس كل صديق يصلح لمعرفة أسرارنا، خاصةً إن كانت حساسة ومهمة لنا، ولا كل من نرتاح لقبوله لنا نتحدث معه عنها دون سبب حقيقي نحتاج بسببه الحديث عنه، وليس ذلك خوفاً منهم، أو عدم صدق معهم، ولكن لحماية أنفسنا من أذى من لا يتمكن من حبنا وقبولنا وتَفَهُم ما يحدث بداخلنا بصدق تحت أي ظرف، سواء بالبعد، أو التعامل بشكل يؤذينا، أو غيره مما هو أسوأ؛ فهذه مهارة حُسن الاختيار، وحُسن التفكير.
- حين نبحث عن مكان للسكن، أو العمل، ما هو الداعي لتتكلمي عما مررتِ به من تجارب صعبة؟، ما هي العلاقة؟، حتى إذا أحد اقترح عليكِ فكرة الزواج، فجملة ”كل شيء قسمة ونصيب” رد مقبول ومتعارف عليه، خاصة مع تأخر سن الزواج الحادث منذ سنوات، فأريدك أن تُفكري بصدق وقرب من نفسك في إجابة هذا السؤال، لماذا تريدين أن تحكي لمن يقترح عليكِ الزواج ما حدث لكِ؟، هل بسبب وحدتك مثلاً ورغبتك في الاسئتناس بناس في حياتك يشعرون بما مررتِ وتمرين به فيرعوكِ نفسياً؟، أم ليهتموا بطلبك أكثر من المعتاد؟، أم أسباب أخرى؟، فالرد على هذا السؤال مهم من أجلك أنت أيضاً.
- التحرش المتكرر والاغتصاب من أصعب ما تمر به الأنثى يا صديقتي، وآثارها تتوقف على طبيعة شخصية الفتاة وعلى مَن كانوا حولها ويقدمون الدعم لها، ولا أعلم كيف تعاملت مع هذه التجارب، وكيف كان مَن هم حولك؟، ولماذا أنتِ وحيدة؟، هل بسبب وفاة أبويكِ؟، أم هناك أسباب أخرى، وهل لديك إخوة أم لا؟، وكيف كانت نشأتك؟، ومن كان المتحرش، أو المتحرشون؟، ولماذا وكيف تكرر؟، وكذلك التجربة الأخرى، كل هذه التفاصيل تساعدك كثيرا أكثر مما تتصورين.
- ماذا تفعلين في حياتك عموماً؟، هل لديك أي أنشطة ولو تطوعية؟، هل تقضين وقتاً طيباً لكِ بأي شكل من الأشكال؟، هل لك علاقة بجيران أو بأقارب، أو غيرهم؟، فالوحدة اختيار وليست فرضًا على الإنسان كما تظنين؛ فكلما تحسنت وتحسنت اختياراته، وتحسنت مهاراته؛ كلما اكتسب علاقات طيبة في حياته، وهذه الأمور مهارات يُمكن تعلمها والتدرب عليها. دمتِ بخير.