يتحدث الدكتور توفيق بن عمران، من سدرة للطب وعضو مؤسسة قطر، عن الصحة الدقيقة وتأثيرها على منظومة الرعاية الصحية في قطر، إذ قال في معرِض رده على تساؤل: كيف سيؤثر معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة على منظومة الصحة الدقيقة في البلاد، بأنه "كما يبدو، سيقوم معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة بتنسيق تطوير وتقديم الرعاية الصحية الدقيقة في جميع أنحاء البلاد".
وينضوي المعهد تحت مظلة مؤسسة قطر، والذي يهدف إلى توحيد الجهود المبذولة في مجال العلوم الصحية والجينوم لدى كلٍ من قطر بيوبنك وبرنامج قطر جينوم، وتسخيرها لدعم مساعي البلاد في اعتماد ممارسات الطب الشخصي وتطبيقها.
تأثير الصحة الدقيقة على المنظومة الصحية
وفقًا للدكتور بن عمران، فإنه في ظل وجود عدة كيانات تعمل في هذا المجال الآن، بما في ذلك سدرة للطب ومؤسسة حمد الطبية وبرنامج قطر جينوم وقطر بيوبنك، فقد ظهرت الحاجة إلى إحداث هيئة مركزية يمكنها تسهيل الجهود المبذولة عبر هذه الكيانات على المستوى الوطني، وفي هذا السياق يقول: "كانت هناك حاجة إلى هيئة مركزية لتجنب الازدواجية وتعزيز التعاون، وضمان الاستخدام الأمثل للموارد، وهذا ما سيقوم به معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة، الذي سيكون لاعبًا محوريًا في ضمان مستقبل مجتمع أكثر صحة بالبلاد، ستؤثر الصحة الدقيقة على منظومة الرعاية الصحية في البلاد بشكل كبير، ويتوقع أن يشكل تشخيص وعلاج الأمراض الوراثية النادرة أكثر المجالات علاقةً بالطب الدقيق وتأثرًا به".
وأشار إلى أن المرضى الذين يكافحون الأمراض النادرة يمرون بتجربة تعرف ب"الأوديسة التشخيصية"، وهو مصطلح يستخدم ليُحيل على الرحلة الطويلة والصعبة التي يختبرها المرضى وعائلاتهم للحصول على تشخيص دقيق، وهي رحلة تستغرق على العموم من خمس إلى ست سنوات. ومع ذلك، فإنه مع ظهور الطب الدقيق والقوة المذهلة لعلم الجينوم، تم تقليص هذه الرحلة إلى أسابيع محدودة، وفي بعض الحالات إلى أيام معدودات، مبرزًا أن "هذا الانخفاض الزمني يفضي إلى تغيير جذري في حياة المرضى".
قوة الطب الدقيق في التشخيص والعلاج
قال الدكتور بن عمران، الذي يعمل أيضًا بصفة استشاري أول طب الأطفال ورئيس قسم أمراض الأيض الوراثية بمؤسسة حمد الطبية: "لا يُقلل ذلك بشكل كبير من رحلتهم التشخيصية فحسب، بل إن الكشف المبكر والعلاج السريع يعززان فرص نجاح العلاج وجودة حياتهم بصورة كبيرة".
وبفعل الطب الدقيق لم يعد الأطباء يعالجون الأعراض فقط كما في السابق، بل أصبحوا يعالجون المرض نفسه، فالنظر إلى الجينوم الخاص بالمرضى يوفر لنا فهمًا دقيقًا للجين الذي يسبب هذا الاضطراب، أو كيف يمكن أن يتفاعل المريض مع أدوية معينة بناءً على تركيبته الجينية، وكيف يمكن أن يكون الدواء نفسه فعالًا بدرجات متفاوتة، وفي بعض الحالات، قد يسبب ردود فعل سلبية، والسر في كل هذا يكمن في الجينات".
ويستحضر الدكتور بن عمران قصة عائلة تم علاجها في سدرة للطب للدلالة على قوة الطب الدقيق من خلال مثال ملموس، إذ بدأت تظهر على الطفل الأول للزوجين علامات فقدان القدرة على الحركة وهو في شهره الرابع تقريبًا، ليتم تشخيصه لاحقًا بأنه يعاني من ضمور العضلات الشوكي، وهي حالة وراثية نادرة تضعف فيها العضلات في جميع أنحاء الجسم، لأن الخلايا العصبية في الحبل الشوكي وجذع الدماغ لا تعمل بشكل صحيح.
يقول الدكتور بن عمران: "تمكّننا من تشخيص حالة الطفل بدقة، وأُعطي علاجًا جينيًا شمل تقديم نسخة جديدة ونشطة من جين العصبون الحركي عبر حقنة واحدة. كان التدخل ناجحًا، إذ إن العضلات التي تأثرت قبل العلاج لم تستعد وظائفها، لكن بفضل هذا العلاج تم إيقاف تقدم المرض بشكل فعّال".
وبعد بضع سنوات، كان نفس الزوجين ينتظران طفلاً آخر. لقد كانا استباقيين، وأجريا التحليل الجيني للجنين قبل الولادة، وأظهرت النتائج أن الطفل الثاني سيعاني أيضًا من مرض ضمور العضلات الشوكي، فيقول الدكتور بن عمران:" ومع ذلك، في حالة الطفل الثاني نظرًا لأن التشخيص كان قبل الولادة، فقد تم إعطاء العلاج الجيني قبل ظهور أي أعراض على الطفل، وبفضل التدخل المبكر أصبح عمر الطفل اليوم أكثر من عامين وهو بصحة جيدة، لقد تمكنا بفضل قوة الطب الدقيق، من تغيير المسار الطبيعي لمرض فتاك، وهو المرض الذي يعد السبب الأول لوفيات الرضع".
ويتابع: "هذه الحالة هي شهادة قويًة على قوة الطب الدقيق، إذ إن التشخيص المبكر الدقيق والتدخل المبكر والعلاج الدقيق أدى إلى تحقيق نتائج لم يكن من الممكن تصورها قبل عقد من الزمن، لكنها اليوم أصبحت ممكنة، وكل ذلك يحدث هنا في قطر".
وعند سؤال الدكتور بن عمران عن موقع قطر فيما يتعلق بتطوير الأدوية مع كون الأدوية جزءاً كبيراً من الصحة الدقيقة، قال: "تقليديًا، كانت منطقتنا تستقبل الأدوية من الخارج؛ لكن الوضع تغيّر الآن، حيث بدأت شركات الأدوية تتوجه إلينا لنكون جزءًا من التجارب السريرية، خصوصًا تلك المتعلقة بالأدوية الجينية".
وأضاف: "من المهم أن نشير إلى أن هذا التغيير الكبير يحدث بفضل الجهود الدؤوبة لبرامج، من قبيل برنامج قطر جينوم، الذي أثبت أن العرب لديهم تركيبة جينية فريدة، وأنهم يتفاعلون مع الأدوية بشكل مختلف عن القوقازيين، مما جعل شركات الأدوية تتجه إلينا بدلاً من أن نتجه نحن إليها"، وأشار الدكتور بن عمران إلى أن الأفراد مطالبون ليلعبوا دورًا محوريًا في تحقيق الاستفادة القصوى من الصحة الدقيقة لصالح البلاد.
واختتم قائلًا: "نحتاج أن يتولى الناس تحمّل مسؤولية صحتهم، وأن يكونوا استباقيين بشأن ذلك، لأن الكشف المبكر في حالة الأمراض الجينية يعد حاسمًا، فكل يوم يحدث فارقًا، على سبيل المثال، عندما يخضع الأشخاص لفحوصات ما قبل الزواج وتظهر الاختبارات أن أطفالهم قد يكونون حاملين لأمراض جينية معينة، فيجب على هؤلاء الآباء التفكير في التلقيح الصناعي حتى يمكن للأطباء انتقاء جنين سليم لزراعته، مما يتيح للزوجين فرصة إنجاب طفل معافىً في صحته، وتذكروا دائمًا أن الوقاية خير من العلاج".