التدخين قبل الحمل.. هل يؤثر على صحة المولود؟

يُعتبر التدخين أثناء الحمل من أسوأ العادات وأخطرها التي تؤثر على صحة الأم والجنين، وعلى الرغم من التحذيرات المستمرة حول تأثيراته السلبية ومخاطره، فإن العديد من النساء يعتقدنَ أن التدخين الخفيف أو التدخين قبل الحمل لا يشكلان خطرًا كبيرًا على صحة المولود. وفي هذا السياق، كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة علم الأوبئة وصحة المجتمع (Journal of Epidemiology and Community Health) في 20 آب/أغسطس 2024، أنه حتى التدخين الخفيف، سواء قبل الحمل أم خلال أي مرحلة منه، مرتبط بشكل كبير بحدوث مشكلات صحية رئيسية عند المولود.

التدخين أثناء فترة الحمل يضر بصحة الجنين

أشار الباحثون إلى أن معدلات الوفيات وحدوث مشكلات صحية رئيسية عند الأطفال حديثي الولادة قد انخفضت بشكل كبير على مر السنين بسبب التحسينات في رعاية الأمومة التي تشمل جميع جوانب الرعاية قبل الولادة وأثناءها وبعدها. ومع ذلك، فإن دخول الأطفال حديثي الولادة إلى وحدات العناية المركزة ما يزال شائعًا، بالإضافة إلى إصابة الجنين باضطرابات في النمو العصبي قد تستمر حتى سن البلوغ.

في الولايات المتحدة، تُدخِّن حوالي امرأة واحدة من كل 10 نساء حوامل، ومن المعروف أن التدخين أثناء الحمل مرتبط بنقص نمو الجنين داخل الرحم، وانخفاض وزن المولود عند الولادة، وزيادة مخاطر الولادة المبكرة. ومع ذلك، ما يزال من غير المعروف ما إذا كان توقيت تدخين الأم وكثافته يؤثران على صحة المولود بشكل مؤكد.

دراسة تأثير التدخين قبل الحمل وخلاله على صحة المولود

تعتقد العديد من النساء أن التدخين قبل الحمل أو خلال الأشهر الثلاثة الأولى منه آمن، أو أن التدخين الخفيف لا يشكل صحيًّا خطرًا كبيرًا. للتعمق في هذا الموضوع، استخدَم الباحثون بيانات شهادات الميلاد الوطنية من نظام الإحصاء الحيوي الوطني الأمريكي (NVSS) من عام 2016 إلى 2019، وقاموا بتحليل بيانات أكثر من 12 مليون ولادة بعد استبعاد حالات الولادات المتعددة، والنساء اللاتي كنَّ يعانينَ قبل الحمل من ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري، أو إذا لم تتوفر معلومات حول عادة التدخين لديهن قبل ثلاثة أشهر من الحمل وخلاله.

أظهرت البيانات أن نسبة التدخين قبل الحمل بين هؤلاء الأمهات بلغت ما يزيد قليلًا عن 9%، بينما بلغت نسبة التدخين خلال الثلث الأول من الحمل 7%، و6% خلال الثلث الثاني، وأقل من 6% خلال الثلث الثالث من الحمل. وتم تحديد كثافة التدخين وفقًا لعدد السجائر التي دخنتها المرأة في اليوم، والتي تراوح عددها بين 0 إلى 20 سيجارة أو أكثر يوميًا.

اقرأ أيضاً

دليل لإقلاع الحامل عن التدخين

التدخين قبل الحمل يضر بصحة الجنين حتى لو كان خفيفًا

أظهرت النتائج أن النساء المدخنات كانت لديهن عوامل خطر أكثر مرتبطة بمشكلات صحة الأطفال حديثي الولادة، وكن أصغر سنًا، وغير متزوجات، وبدينات، ولديهن مستوى تعليمي منخفض، وولادات سابقة أكثر، وعدد أقل من زيارات الرعاية قبل الولادة.

وتضمنت المشكلات الصحية الرئيسية لدى الأطفال حديثي الولادة: صعوبة التنفس، ونوبات الصرع، ومشكلات عصبية خطيرة، واشتباه الإصابة بتسمم الدم. وبلغت نسبة انتشار هذه المشكلات الصحية لدى حوالي 9.5% من المواليد.

وبعد مراعاة العوامل المؤثرة المحتملة مثل العمر، والعِرق، والوزن ومؤشر كتلة الجسم (BMI) قبل الحمل، سواء منفردة أم مجتمعة، أظهرت النتائج أن التدخين قبل الحمل أو خلال أي فترة منه مرتبط بزيادة خطر إصابة الأطفال حديثي الولادة بمشكلات صحية رئيسية.

تأثير توقيت التدخين

أظهرت النتائج أن التدخين قبل الحمل أو خلاله يزيد من خطر إصابة المولود بأكثر من مشكلة صحية رئيسية مقارنة بالنساء اللاتي لم يدخن في أي مرحلة، إذ يزيد هذا الخطر بنسبة 27% إذا كانت الأم تُدخِّن قبل الحمل، ويزيد بنسبة تتراوح بين 31% و32% إذا كانت تدخن خلال فترة الحمل. كما يزيد خطر دخول المولود إلى وحدة العناية المركزة بنسبة 24% إذا كانت الأم تدخن قبل الحمل، وبنسبة تتراوح بين 30% و32% إذا كانت تدخن خلال فترة الحمل.

تأثير كثافة التدخين قبل الحمل

كما أظهرت النتائج أن التدخين الخفيف، أي معدل سيجارة واحدة أو اثنتين يوميًا، كان مرتبطًا بارتفاع خطر إصابة المولود بمشكلات صحية رئيسية. إذ يزيد هذا الخطر بنسبة 16% إذا كانت الأم قبل الحمل تدخن سيجارة واحدة أو اثنتين يوميًا، ويزيد بنسبة 31% إذا كانت تدخن 20 سيجارة أو أكثر في اليوم. كما يزيد خطر دخول المولود إلى وحدة العناية المركزة بنسبة 13% إذا كانت الأم قبل الحمل تدخن سيجارة واحدة أو اثنتين يوميًا، وبنسبة 29% إذا كانت تدخن 20 سيجارة أو أكثر في اليوم.

التدخين غير آمن قبل الحمل وخلال جميع مراحله

أكد الباحثون أن هذه النتائج تقدم دليلًا إضافيًا على ضرورة توقف النساء اللاتي يرغبن في الحمل أو هنّ حوامل عن التدخين من أجل حماية صحة أطفالهن. والجدير بالذكر أن هذه دراسة تعتمد على المراقبة، وبالتالي لا يمكنها إثبات علاقة سببية مباشرة، ومع ذلك، خلص الباحثون إلى أن النتائج تشير إلى أنه لا توجد فترة آمنة ولا معدل آمن من التدخين قبل الحمل أو خلاله، مما يؤكد على ضرورة منع غير المدخنات من التدخين، وتشجيع المدخنات على الإقلاع عن التدخين.