الشيخوخة المبكرة والإصابة بالسرطان موضوع مثير للاهتمام، إذ إن الدراسات الحديثة تُظهِر أن حالات الإصابة بالسرطان التي يتم تشخيصها لدى الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 50 عامًا، والمعروفة باسم السرطان المبكر، آخذة في الازدياد، وذكر تقرير إحصاءات السرطان 2024 الصادر مؤخرًا عن جمعية السرطان الأمريكية (ACS)، أن تشخيص سرطان عنق الرحم والقولون والمستقيم قد زاد لدى الذكور والإناث الأصغر سنًا، كما أفادت دراسة حديثة أخرى أن حالات الإصابة المبكرة بـ29 نوعًا من أنواع سرطان زادت بنحو 79% على مستوى العالم بين عامي 1990 و2019، مع ارتفاع الوفيات المبكرة بالسرطان أيضًا بنحو 28% خلال تلك الفترة.
في حين تظهر البيانات أن السرطان في المراحل المبكرة في تزايُد؛ فإن العلماء ليسوا متأكدين تمامًا من سبب هذه الزيادة، ويتفق معظمهم على أن نمط الحياة والعوامل البيئية قد تلعب دورًا، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث الآن. وتشير دراسة جديدة إلى أن تسارع الشيخوخة البيولوجية (accelerated biological aging) يمكن أن يؤدي إلى حدوث السرطانات المبكرة، ولكن النتائج لم يتم نشرها بعدُ في مجلة علمية خاضعة لمراجعة خبراء (peer-reviewed scientific journal)، إلا أنها قُدمت خلال الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لأبحاث السرطان في الفترة من 5 إلى 10 أبريل.
تفاصيل الدراسة: كيف قام الباحثون بقياس العمر البيولوجي لمعرفة الشيخوخة المبكرة
في هذه الدراسة قام الباحثون بتحليل بيانات أكثر من 148000 شخص في سجلات البنك الحيوي في المملكة المتحدة (UK Biobank)، وتم حساب العمر البيولوجي لكل مشارك حسب قراءات تسعة مؤشرات حيوية في الدم، فإذا كان العمر البيولوجي لأحد المشاركين في الدراسة أعلى من عمره الزمني، أو عمر ولادته، فإن الباحثين يعتبرونه مصابًا بالشيخوخة المبكرة. تشمل هذه الفحوصات التسعة على الآتي:
- الألبومين (albumin)، البروتين الأكثر شيوعًا في الدم الذي يفرزه الكبد.
- الفوسفاتيز القلوي (alkaline phosphatase)، إنزيم الدم الذي يساعد على تحطيم البروتينات.
- الكرياتينين، وهو منتج طبيعي في الجسم يساعد في قياس مدى جودة أداء كليتي الشخص.
- بروتين سي التفاعلي (C-reactive protein)، يشير إلى وجود التهاب في الجسم.
- الجلوكوز، ويشير إلى كمية السكر في الدم.
- متوسط حجم الكريات (mean corpuscular volume)، يقيس حجم خلايا الدم الحمراء.
- طيف توزيع خلايا الدم الحمراء (red cell distribution width )، يبحث عن تشوهات في شكل وحجم خلايا الدم الحمراء.
- عدد خلايا الدم البيضاء، والتي تعد جزءًا من جهاز المناعة في الجسم.
- نسبة الخلايا الليمفاوية (lymphocyte proportion)، تقيس نسبة عدد نوع معين من خلايا الدم البيضاء تسمى الخلايا الليمفاوية في الدم.
الشيخوخة المبكرة والإصابة بالسرطان
بعد دراسة شاملة للعمر البيولوجي وتحليل فئات الأفراد المتأثرين بالشيخوخة المبكرة، تبين للعلماء أن الأشخاص الذين وُلدوا في عام 1965 أو بعدها يواجهون احتمالًا متزايدًا بنسبة 17٪ للإصابة بالشيخوخة المبكرة مقارنة بأولئك الذين وُلدوا بين عامي 1950 و1954، ولم يكتف الباحثون بذلك، بل أظهروا أيضًا وجود علاقة وارتباط بين الشيخوخة المبكرة وزيادة خطر الإصابة بأمراض السرطان. فيما يلي أمراض السرطان ونسبة الزيادة فيها:
- سرطان الرئة، زيادة بنسبة 42%.
- سرطان الجهاز الهضمي، زيادة بنسبة 22%.
- سرطان الرحم، زيادة بنسبة 36%.
- سرطان الجهاز الهضمي في وقت متأخر من الحياة بنسبة 16%.
- سرطان الرحم في وقت متأخر من الحياة بنسبة 23%.
تفسيرات محتملة لارتباط الشيخوخة المبكرة بالإصابة بالسرطان
قام فريق الباحثين بفحص العلاقة بين الشيخوخة المبكرة والإصابة بالسرطان وخلص الباحثون إلى أن الشيخوخة المبكرة قد أدت إلى زيادة احتمالات التشخيص المبكر لسرطان الرئة والرحم، كما أنها تزيد من خطر الإصابة بسرطان الجهاز الهضمي وسرطان الرحم في وقت متأخر من العمر، وهذه الزيادة في حالات السرطان من المحتمل أن تكون مرتبطة بنمط الحياة، إذ إن جمعية السرطان الأمريكية (ACS) تنص على أن ما يقرب من نصف جميع أنواع السرطان مرتبطة بعوامل تتعلق بنمط الحياة. كما علينا ألا ننسى تأثير الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي على توجيه سلوكيات الناس، بما في ذلك عادات الأكل وممارسة التمارين الرياضية بشكل أقل، بالإضافة إلى الإرهاق العاطفي الناتج عن مطاردة "عالَم" افتراضي بشكل مستمر، مما قد يجعل هذا الجيل أكثر عرضة للإصابة بالشيخوخة المبكرة، وبالتالي احتمال الإصابة بمرض السرطان. ومن العوامل التي يمكن أن تؤثر وتفسر ارتباط الشيخوخة المبكرة والإصابة بالسرطان الآتي:
- البدانة.
- ارتفاع معدلات التوتر.
- التدخين.
- تناول المشروبات الكحولية.
- عدم ممارسة الرياضة.
- سوء الاستقرار العائلي والوظيفي.
نهايةً، هذا البحث مهم لأننا نرى انتشار مرض السرطان بين الكبار والصغار، ولا أحد يعرف السبب المباشر وراء ذلك. بالنسبة لهذا البحث؛ فإن النتائج منطقية بالنظر إلى أن الشيخوخة هي من بين أعلى عوامل خطر الإصابة بالسرطان، ومع ذلك؛ من غير الواضح ما إذا كانت طريقة الباحثين لقياس الشيخوخة البيولوجية دقيقة، حيث إن هناك بعض نقاط الضعف في هذا البحث، وهي عدم وضوح مدى جودة المؤشرات الحيوية للشيخوخة التي تم اختيارها، وأن جميع المشاركين في الدراسة كانوا من المملكة المتحدة، مما قد يحد من إمكانية تعميم النتائج، لذا يجب القيام بمزيد من الأبحاث المتعلقة بارتباط الشيخوخة المبكرة والإصابة بالسرطان .