الصرع هو رابع أكثر الاضطرابات العصبية شيوعا في العالم، وهو داء مزمن يشاهَد في كل الأعمار إلا أنه غالبا ً ما يحصل في الطفولة المبكرة أو بعد سن الستين. تفيد تقديرات منظمة الصحة العالمية بأن ما يقارب 50 مليون شخص في أصقاع الكرة الأرضية يعانون من هذا المرض.
يهاجم الصرع مرضاه على شكل نوبات متكررة ناجمة عن ارتفاعات مباغتة ومفرطة في الشحنات الكهربائية الدماغية تؤدي إلى حصول تشويش كهربائي على صعيد إرسال الرسائل بين الخلايا العصبية يفضي إلى اندلاع تغيرات لا إرادية في حركات الجسم ووظائفه الحسية والسلوكية والإدراكية، الأمر الذي يؤثر على مظهر المريض وحركاته وعواطفه وتصرفاته.
الصرع ليس مجرد الوقوع على الأرض
عندما يفكر الناس في الصرع ونوباته فإنهم غالبا ما يربطون المرض بوقوع شخص ما على الأرض وتعرضه لاهتزازات (تشنجات)، ولكن هذه ليست سوى صورة من عشرات الصور لنوبات الصرع، فإلى جانب السقوط على الأرض والتشنجات يمكن أن يحصل للمريض ما يلي:
- الصراخ.
- هلوسات سمعية وحسية وبصرية وتذوقية.
- قلق، خوف، غثيان، دوخة.
- فقدان الانتباه.
- تغيرات في ضربات القلب وحركات التنفس.
- فقدان الإدراك أو الوعي.
- تيبس الجسم.
- فقدان السيطرة على المثانة والأمعاء.
- الصداع الشديد، والنعاس، والإرهاق، والتشوش الذهني بعد النوبة.
حقائق مهمة عن الصرع
- يصيب الصرع الدماغ، وهو ليس مرضًا معديًا كما يظن البعض.
- لا يزال السبب الأساسي لمرض الصرع غير معروف، إلا أنه قد ينتج من اضطرابات أو حالات مرضية، مثل السكتة الدماغية، وأورام المخ، ورضوض الرأس، والعدوى، والأمراض العصبية والنفسية، والحمى، واضطرابات السكر في الدم، وردود فعل لأدوية تم أخذها بوصفة طبية أو من دون وصفة.
- الصرع نوعان:
- الصرع العام، وفيه يتأثر كامل الدماغ بالشحنات الكهربائية غير الطبيعية.
- الصرع البؤري، الذي تتأثر فيه مناطق معينة من الدماغ.
- حوالى 70 في المئة من المصابين بالصرع يمكنهم أن يعيشوا من دون نوبات في حال تم تشخيصهم وعلاجهم على الوجه الأمثل.
- قرابة 80 في المئة من مرضى الصرع يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
- ثلاثة أرباع المصابين بالصرع الذين يعيشون في البلدان الفقيرة لا يحصلون على الرعاية الطبية اللازمة.
- خطر الموت هو أعلى بثلاث مرات لدى المصابين بالصرع منه عن بقية السكان. هناك نسبة كبيرة من مسببات الوفاة المرتبطة بالصرع يمكن الوقاية منها، مثل حوادث السقوط والغرق والحروق والنوبات الطويلة الأمد.
- ليس كل من عانى من النوبات التشنجية مصابا بالصرع، فهناك نوبات غير صرعية تقف وراءها مسببات لا علاقة لها بمرض الصرع لا من قريب ولا من بعيد.
- يعالج الصرع بالأدوية المضادة للتشنج، وإذا فشلت هذه فإنه يتم اللجوء إلى خيارات علاجية أخرى.
محفزات نوبات الصرع
محفزات حدوث نوبات الصرع هي مجموعة من العوامل التي تطلق العنان لحدوث النوبات الصرعية عند المصابين بالصرع، وهناك فارق كبير بين المحفّزات والمسبّبات.
وتشاهَد المحفّزات لدى بعض المصابين بالصرع، في حين أن البعض الآخر لا يمكن التعرف على أي من هذه المحفّزات. نستعرض في السطور التالية أهم المحفّزات فالتعرف عليها قد يساعد في منع حدوث النوبات:
تفويت أخذ الدواء أو عدم الانتظام في أخذه
وهو يعتبر من أشهر المحفّزات، لأن عدم تناول أدوية الصرع بشكل منتظم أو نسيان أخذها سوف يفتح الباب على مصراعيه أمام حدوث النوبات وإطالة أمد حدوثها، وهذا لا يصب في مصلحة المريض على الإطلاق.
الضغوط العصبية
تعتبر الضغوط العصبية وما يلازمها من قلق وعصبية وغضب، سببًا شائعًا في إشعال النوبات الصرعية، ولكن العلماء لا يملكون تفسيرًا لماهية العلاقة الدقيقة بينهما. إن مصادر الضغوط العصبية كثيرة جراء أحداث الحياة اليومية المليئة بالمتاعب لدرجة أنها قد تجعل أكثر الناس صحة يهتز أمامها، فما بالكم مع مرضى الصرع؟!!!.
قلة النوم
تحدث أثناء النوم تغيرات كهربائية وهرمونية في الدماغ يمكن أن تكون الشرارة التي تشعل النوبات الصرعية، من هنا إصابة البعض بالنوبات في فترة النوم خاصة عند أولئك الذين لم ينالوا قسطًا كافيًا من النوم. هناك علاقة ثنائية الاتجاه ما بين النوم والصرع، فالحرمان من النوم يتسبب في حدوث النوبات، ولكن يمكن لهذه الأخيرة أن تكون سببًا لقلة النوم.
المرض والعدوى
قد يؤدي المرض لدى بعض الأشخاص إلى حدوث نوبات الصرع، وقد يعود السبب إلى الإجهاد البدني الناجم عن المرض، أو عن قلة النوم، أو من عادات الأكل السيئة أو نتيجة تناول بعض الأدوية، أو بكل بساطة بسبب التعرض للتجفاف. أيضا، يمكن للأمراض الفيروسية التي تصيب الجهاز العصبي المركزي والأمراض الشائعة، مثل الزكام والتهابات الجيوب الأنفية، أن تكون عوامل محفّزة للنوبات الصرعية.
تناول بعض الأدوية
قد تؤدي بعض الأدوية التي تصرف من دون وصفة طبية والمكملات العشبية والمكملات الغذائية والزيوت الأساسية إلى اندلاع نوبات الصرع. أفاد بعض المرضى عن إثارة النوبات لديهم إثر تناولهم لعقاقير مثل مضادات الاكتئاب، والمنشطات والترامادول وايزونيازيد.
الطقس
إن الظروف الطقسية وما يرافقها من ارتفاع أو انخفاض في درجات الحرارة ومن تبدلات على صعيد الضغط الجوي والرطوبة، يمكن أن تفضي إلى تغيرات في الجسم تساهم في إشعال فتيل النوبات الصرعية.
التبدلات الهرمونية عند النسوة
تعاني بعض النساء من نوبات صرعية أكثر عددًا أو أكثر حدة أو أكثر سوءًا في مرحلة معينة من الدورة الشهرية، وقد تم تفسير ذلك بالتقلبات الهرمونية الطارئة على هرمونَي الإستروجين والبروجيسترون. قد تحصل تلك التقلبات الهرمونية أيضا عقب الولادة، أو قبيل مرحلة انقطاع الطمث.
الأضواء الساطعة
هناك 3 في المئة من المصابين بالصرع حساسون للأضواء الساطعة التي تثير لديهم النوبات الصرعية. هذا النوع من الصرع نادر وهو يصيب الإناث والشباب.
المشروبات الروحية
شرب الكحول بكميات صغيرة قد لا يسبب النوبة الصرعية، في المقابل، فإن استهلاك كمية زائدة من الكحول وخلال فترة وجيزة يمكن أن يتسبب في حدوث النوبة الصرعية. عدا هذا، يمكن للكحول أن يجعل الأدوية المضادة للصرع أقل فائدة، من هنا ضرورة تجنبه كليًّا.
الكافيئين
الكافيئين مادة منبهة يمكن أن تساهم في اندلاع النوبات لدى بعض المصابين بالصرع. يجب الأخذ في عين الاعتبار أن الكافيئين لا يوجد فقط في القهوة والشاي، فهو موجود في مشروبات الطاقة والمشروبات الغازية والشوكولا وعلاجات البرد والأنفلونزا وحقن وحبوب الكافيئين.
هل نقص التغذية عامل محفّز لنوبات الصرع؟
يُشتبه في وجود علاقة ما بين نقص التغذية والصرع منذ سنوات عديدة. تشير الدراسات التي أجريت هنا وهناك على نماذج حيوانية وبشرية إلى وجود فرضيتَين مختلفتَين تدوران في حلقة مفرغة، هل نقص التغذية هو الذي يؤدي إلى إشعال النوبات الصرعية؟ أو أن الصرع هو الذي يؤدي إلى نقص التغذية؟
في الواقع لا توجد حتى الآن معلومات كافية حول العلاقة بين نقص التغذية أو نقص أحد العناصر الغذائية ونشوء النوبات الصرعية، وما يمكن سوقه في هذا المجال هو:
الفيتامينات
النقص الوحيد المعروف بتسببه للنوبات الصرعية أو تأزيمها هو الفيتامن ب 6 ( بيروديكسين)، ويحدث هذا النقص بشكل أساسي عند الأطفال حديثي الولادة والرضع.
من ناحية الفيتامين د فقد أظهرَت دراسة نشرت عام 2012 وشملت 13 شخصا مصابين بالصرع، أن تصحيح نقص الفيتامين د لديهم ساهم في تقليل عدد النوبات لديهم. أكثر من هذا، كشفت دراسة شملت الصحة القلبية الوعائية عند 2300 شخص عن أدلة أولية تشير إلى أن وجود علاقة بين الفيتامين د والموت القلبي المفاجئ غير المتوقع لدى مرضى الصرع، إذ كانت حوادث الموت أعلى بمرتين عند من لديهم مستويات من الفيتامين د أقل من 20 نانوغراما لكل ديسيليتر، مقارنة بأولئك الذين في دمائهم مستويات أعلى من 20 نانوغراما لكل ديسيليتر. ما هو السبب؟ يقال إن أحد الأسباب المحتملة للموت القلبي المفاجئ هو عدم انتظام ضربات القلب.
الشوارد
تعتبر الشوارد من العناصر الغذائية الهامة، خاصة شوارد الصوديوم والمغنيسيوم والكالسيوم. إن وجود تركيزات منخفضة من هذه المعادن يمكن أن يثير تغيرات على صعيد النشاط الكهربائي لخلايا المخ الأمر الذي يتسبب في نشوء النوبات. بشكل عام، يمكن القول إن نقص هذه العناصر نادر الحدوث اللهم إلا اذا كان هناك نقص شديد في التغذية.
قد يحصل نقص الصوديوم بسبب تناول مدرات البول، أو بسبب الإفراط في شرب الماء، أو لأسباب هرمونية.
أما هبوط الكالسيوم فيشاهَد في أمراض الكلى والاضطرابات الهرمونية، وربما يرتبط بنقص مستوى المغنسيوم.
إن سوء التغذية والإدمان على المشروبات الروحية يؤديان الى انخفاض المغنسيوم الذي يمكن أن يتسبب في حدوث نوبات الصرع.
هل يحتاج المصابون بالصرع إلى تناول المزيد من المعادن؟
في الواقع، نادرا ما يحتاج المصابون بالصرع إلى تناول جرعات إضافية من معادن الصوديم أو الكالسيوم أو المغنيسيوم من أجل السيطرة على النوبات. إذا سجل الطبيب مستويات منخفضة من تلك المعادن في الجسم، ولم يمكنه التوصل إلى السبب الأساسي الذي يقف وراءه فإنه ليس مستبعدا أن يوصي بتناول مكملات المعادن، فتناول جرعات إضافية من بعض المعادن قد ينفع في الحد من التأثيرات الجانبية الناجمة عن الاستخدام المطول لأدوية الصرع. في كل الأحوال على المريض أن يستشير طبيبه لمعرفة ما إذا كان هذا الأمر ينطبق عليه.
هل للأكل تأثير على الصرع؟
أشار العديد من الدراسات إلى أن النظام الغذائي الكيتوني، الغني بالدهون والفقير بالكربوهيدرات، يمكن أن يساعد في السيطرة على النوبات لدى بعض المصابين بالصرع. يتم وصف هذا النظام من قبل الطبيب، ويجري تطبيقه ومراقبته من قبل اختصاصي في التغذية،
ويوصَف النظام الغذائي الكيتوني عادة للأطفال الذين يعانون من نوبات لا تستجيب للأدوية، ولكن لا ينصح بهذا النظام للبالغين لأن الخيارات الغذائية المقيدة تجعل من الصعب اتباعه.
يتيح النظام الغذائي الكيتوني تقليل النوبات الصرعية لدى العديد من الأطفال بنسبة 50 في المئة، في حين أنه يسمح في منعها كليًّا عند 10 إلى 15 في المئة منهم.
قد يسبب النظام الغذائي الكيتوني عددا من الآثار الجانبية لأنه لا يؤمِّن للجسم ما يحتاجه من فيتامينات ومعادن، وتضم هذه الآثار الجانبية:
- الخمول.
- حصى الكلى.
- ارتفاع كوليسترول الدم.
- الإمساك.
- تباطؤ النمو.
- كسور العظام.
أنظمة غذائية أقل تقييدًا
هناك أدلة حديثة تفيد بأن الأنظمة الغذائية الأقل تقييدًا، كما الحال مع النظام الكيتوني، ويمكن أن تكون مفيدة أيضا، مثل حمية أتكنز المعدَّلة، أو حمية المشعِر السكري المنخفض، فالسِّمة المشتركة لهذه الحِميات أنها تعتمد على خطوتَين:
- الخطوة الأولى، التخلص من السكريات البسيطة والابتعاد عن الحلويات.
- الخطوة الثانية، اعتماد حمية غذائية متوازنة قوامها الأطعمة الكاملة والصحية والطبيعية.
يساعد النظام الغذائي المتوازن الجسم والعقل على العمل وعلى البقاء في صحة جيدة، وهذا ما يقلل من مخاطر حدوث النوبات الصرعية لدى بعض المصابين بالمرض.
لا تفعل هذا إذا شاهدت شخصًا مصابًا تعرّض لنوبة الصرع:
- لا تحاول إيقاف الهزات أو الرعشات التي يتعرض لها المصاب لأن هذا الأمر لن يفيده بل قد يعرضه للضرر.
- لا تضع أصابعك في فم المصاب أثناء التشنج فهذا يعرضك لعض شديد.
- لا تعطه أي دواء.
- لا تجرب إيقاظه من النوبة.
- لا تتركه إلا بعد انقضاء النوبة.
- لا تنسى الاتصال بمقدمي الرعاية الطبية.
الخلاصة
إذا كنت أحد ضحايا مرض الصرع فإن التواصل مع طبيبك هو الطريق الأمثل للتحكم بالمرض ومنع حدوث نوباته قدر المستطاع بناء على الاستراتيجية العلاجية التي يراها مقدم الرعاية الصحية أنها الأنسب بالنسبة لك. أما في شأن المحفّزات المحتمَلة للنوبات الصرعية، فإن المريض هو الأدرى بجسمه، وبالتالي فهو الأفضل في كشف تلك المحفّزات ووضعها في مذكّرات، خاصة أن هذه ليست واحدة عند الجميع، وهي تختلف من مريض إلى آخر. إذا كان هناك شيء ما يثير لديك نوبات الصرع وبشكل منتظم وفي مواقف محددة، فإنه يجب عليك أن تأخذ الأمر على محمل الجد، وأن تبذل قصارى جهدك لتفاديه أو لقطع الطريق عليه، ولكن لا تنسى أبدًا أن تقوم بأهم شيء، ألا وهو التحدث مع مقدم الرعاية الذي يعتني بك.
المصادر
What are some common seizure triggers? - Medical News Today
Epilepsy - WHO | World Health Organization
12 most common seizure triggers - Epilepsy Scotland
Malnutrition and epilepsy: A two-way relationship - Clinical Nutrition
Nutritional Deficiencies as a Seizure Trigger | Epilepsy Foundation