صحــــتك

كيف تميز خلايا المناعة بين خلايا الجسم الطبيعية والأجنبية؟

الغدة الزعترية
الغدة الصعترية الغامضة

ما زال السؤال بدون إجابة!

على الرغم من إثبات صحة نظرية بورنِت في الاستنساخ الانتقائي لخلايا المَناعة، إلا أنّ التساؤل ظلَّ قائماً حول كيفية تمييز خلايا المَناعة خلايا الجسم عما هو غريب عنها. اقترَحَ العالِم الدنماركي نيلز ييرنِه من جملة أفكاره الثورية في عِلم الوراثة، أنّ تمييز خلايا المَناعة بين خلايا الجسم وما هو أجنبي عنها يتعلق بعمل غُدَّة توجَد في أعلى الصدر عند الإنسان وتسمى غُدَّة التُوتَة أو الغُدَّة الصَّعْتَرِيَّة أو الزعترية Thymus gland. ولكن دَورها لمْ يتضح تماماً إلا بعد الأبحاث التي قام بها العالِم الأسترالي الفرنسي الأصل جاك ميللر Jacque Miller والتي بَدأ بها خلال تحضيره رسالة الدكتوراه في لندن، وتابَعها في مؤسسة هول للأبحاث الطبية في استراليا.

الغدة الصعترية الغامضة

كان العلماء يعتقدون حتى بداية الستينات أنّ الغُدَّة الصَعتَرية ليست أكثر من عضو ضامر خامل ليستْ له وظيفة واضحة في جسم الإنسان البالغ. فعند فحص بُنية هذه الغُدَّة تحت تكبير المجهر عند إنسان بالغ، يُلاحَظ أنها تتألف بشكل رئيسي من خلايا دهنية، تتخللها خلايا ليفية، وبقايا لخلايا كثيرة ميتة ومتحَللة تُشبه في شكلها العام خلايا المَناعة. إلا أنّ ميللر كان لديه رأي آخر، فقد اعتقد أنه لا بد من وجود وظيفة ما لهذه الغُدَّة التي تبدو صحراء قاحلة.

يبدو أن الغدة الصعترية لها علاقة بالمناعة

لاحظ ميللر أن الفئران التي تُستأصَل فيها هذه الغُدَّة أثناء طفولتها المبكرة لا يكون لديها مقاومة جيدة ضد كثير من الأمراض الجرثومية عندما تكبر. كما أَثبتَ أنَّ الفئران التي ليس لديها هذه الغُدَّة، لا ترفض قِطَعَ الجِلد التي تُزرع فيها مِنْ فئران تختلف عنها في أصولها الوراثية. ولمْ يدرِك كثير من علماء المَناعة أهمية تجارب ميللر، بل إنّ رائد علم المناعة الحديث بيتر مدَوَّر نفسه قد كَتَبَ بعد أنْ اطَّلعَ على دراسات ميللر أنّنا: "يجب أن نَعتبر وجود خلايا المَناعة في الغُدَّة الصَعتَرِية ليس أكثر مِنْ حادثٍ تَطَورِيّ عديم الأهمية". إذ لمْ يتصوَّر علماء المَناعة آنذاك كيف يمكن لغُدَّة تحتوي على كثير من الخلايا الميتة أنْ يكون لها دَور مهم في حماية الجسم من الجراثيم والأمراض؟! ومرة ثانية كان للعالِم بورنِت رأي آخر، فقد انتبه إلى أهمية نتائج ميللر، وفي محاضرة مهمة ألقاها في لندن سنة 1962، اقترَحَ بورنِت أنّ خلايا المَناعة الميتة الموجودة في الغُدَّة الصَعتَرية ما هي إلا الخلايا المناعية التي تمَّتْ إزالتها من الجسم قصداً لأنها تلك الخلايا التي يمكن أنْ تتكاثر وتَنشط لصنع مضادات أجسام تعمل ضد خلايا الجسم ذاته. أي أنَّ خلايا المَناعة التي يمكن أنْ تتفاعل ضد خلايا الجسم ذاته يتم قتلها وتحللها في الغُدَّة الصَعتَرية في مراحل تَشَكُّل الجَنين ومراحل الطفولة الأولى، ولا يَمر عبر حاجز هذه الغُدَّة إلا خلايا المَناعة التي يمكن أنْ تتفاعل ضد الأجسام والجراثيم والمواد الأجنبية الغريبة عن الجسم. وتقوم هذه الخلايا المناعية بحماية الجسم في بقية مراحل العمر من غزو الجراثيم والفيروسات والأجسام الغريبة التي تَجد طريقها إليه، وهي الخلايا التي تقوم برفض الأعضاء التي تُزرَع في الجسم مثل الجِلد والدم والكُلية والقلب ... وهكذا تكاملتْ نظرية عامة عن كيفية عمل خلايا المَناعة في حماية الجسم، وكيف تَستطيع تمييز خلايا الجسم عما هو غريب عنها.

 

المصدر:

كتاب "قصة المناعة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني

 

آخر تعديل بتاريخ
11 مايو 2023
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.