عندما يضعف القلب وتفشل الأدوية في دعم الدورة الدموية تتعرض حياة المريض للخطر، وقد فكر الأطباء بطريقة ما تساعد القلب الضعيف على أداء عمله. فمنذ بداية الخمسينيات، طرح الأمريكيان أدريان كانتروفيتز Adrian Kantrowitz (1918-2008) ودوايت هاركن Dwight Harken (1910-1993) طريقة لتحسين الدورة الدموية بسحب كمية من الدم أثناء انقباض القلب وضخها بسرعة إلى الجسم أثناء انبساط القلب وذلك أملاً في تحسين الدورة الدموية. قام كانتروفيتز بكثير من التجارب على الحيوانات لدراسة هذه الطريقة، ولكنه لم ينجح بسبب صعوبة سحب الدم وضخه بسرعة تتوافق مع سرعة نبض القلب، كما أدت عملية ضخ الدم بهذه السرعة الكبيرة إلى انحلاله وإلى تحطم وانحلال الكريات الحمر.
الأخوان كانتروفيتز
تعاوَنَ الطبيب أدريان مع أخيه الأكبر المهندس آرثر كانتروفيتز Arthur Kantrowitz (1913-2008) لحل مشكلة دعم الطاقة الحركية في الدورة الدموية، وذلك بإدخال بالون عن طريق الشريان الفخذي وتمريره إلى الشريان الأبهر، ثم ضخ غاز الهليوم الخفيف لملء البالون أثناء انبساط القلب، وتفريغ البالون أثناء انقباض القلب، أو بكلمة أخرى تحريك الدم ودفعه أثناء انبساط القلب عن طريق نفخ البالون بالغاز الخفيف الذي يحتاج تحريكه طاقة أقل بكثير من تحريك وضخ الدم.
أثبتت هذه الطريقة نجاعتها في دعم الدورة الدموية بسلام في حيوانات التجربة، وفي يوم من أيام شهر أكتوبر سنة 1967 كانت مريضة عمرها 48 سنة تحتضر في مستشفى موسى بن ميمون بنيويورك حيث يعمل الطبيب أدريان كانتروفيتز. أُصيبتْ هذه المرأة بهبوط حاد في القلب إثر أزمة قلبية، ولم تنفعها الأدوية، ودخلتْ في حالة صدمة قلبية.
وقف الأطباء عاجزين عن مساعدتها، حتى تقدم كانتروفيتز باقتراح محاولة تطبيق البالون الأبهري الذي أثبت نجاحه في حيوانات التجربة، إلا أنه لم يستخدم حتى ذلك الحين في علاج أي إنسان من قبل. بعد تردد قصير، وبعد أن فقد الأطباء كل أمل في علاجها، وافقوا على تلك المحاولة. كان البالون المستخدم آنذاك كبيراً ولا يمكن إدخاله في الشريان الأبهر إلا بعملية جراحية. أدخل أدريان البالون واستخدمه في دعم الدورة الدموية في تلك المريضة لمدة ست ساعات، تحسنتْ خلالها حالة المريضة بشكل باهر، وخرجتْ من حالة الصدمة القلبية، وتماثلتْ للشفاء تدريجياً حتى تخرجتْ من المشفى بسلام.
من الناحية الفيزيائية يمكن اعتبار البالون الأبهري مضخةً كهربائية تحوّل الطاقة الكهربائية إلى طاقة حركية تضاف إلى الدورة الدموية عند وضع البالون داخل الشريان الأبهر. الطاقة الحركية التي يضيفها البالون الأبهري تساعد القلبَ المريض على تقديم طاقة حركية أكبر في دورة الدم بحيث تغطي احتياجات الجسم الحيوية بشكل أفضل.
أُجريتْ تحسينات عديدة على البالون الأبهري منذ ذلك النجاح الأول، وتم تصغيره بحيث أمكن وضعه دون الحاجة إلى عملية جراحية منذ عام 1979، كما أُضيفتْ له تحسينات إلكترونية جعلت تَوافق عمله مع عمل القلب أكثر كفاءة وسهولة. استُخدم البالون الأبهري بنجاح في علاج المرضى المصابين بقصور القلب الحاد خاصة بعد الأزمات القلبية، ومازال يُستخدم حتى هذه الأيام في عمليات القلب الصعبة.
الأمريكي أدريان كانتروفيتز Adrian Kantrowitz (1918-2008) مخترع البالون الأبهري 1967
اخترعت أجهزة أخرى فيما بعد، نجحت أيضاً في دعم ضخ الدم في الدورة الدموية، بالاعتماد على ضخ الدم في مضخات دورانية يمكن إدخالها إلى الشريان الأبهر عبر الجلد دون الحاجة لعملية جراحية، وقد ساهمت هذه الأجهزة مثل البالون الأبهري في إنقاذ كثير من المرضى في حالات فشل القلب الحاد.
المصدر:
كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجاله" للدكتور عامر شيخوني