يحاول الأطباء مساعدة القلب على أداء عمله بالأدوية أولاً، وقد نجح علماء الصيدلة والأطباء في التوصل إلى كثير من الأدوية التي تساعد القلب، سواء في تقويته، أو تخفيف أعباء عمله، أو تنظيم نبضه. وقد شكل اكتشاف أول هذه الأدوية ثورة في عالم علاج أمراض القلب.
قفّاز الثعلب
درس الاسكتلندي الشاب ويليام ويذيرينغ William Withering (1741-1799) علوم الطب في جامعة إدينبرة في بريطانيا، وبرع في علم النبات والجيولوجيا والكيمياء. وفي سنة 1776، نشر كتاباً هاماً في تصنيف نباتات بريطانيا العظمى، وظل كتابه ذلك مرجعاً أساسياً في علم النبات لفترة امتدت أكثر من قرن.
بينما كان ويذيرينغ يمارس أعماله الطبية في مدينة بيرمينغهام سنة 1775، جاءه مريض مصاب بقصور قلب شديد أدى إلى تجمع السوائل في رئتيه وبطنه وقدميه، وقد تدهورت حالته الصحية إلى درجة سيئة ولا أمل في شفائه. صارح الطبيب ويذيرينغ مريضه أن ليس لديه علاج ناجع لحالته. واعتقد الطبيب أن المريض لن يعيش طويلاً، ولكنه فوجئ به في حالة جيدة بعد أشهر من تلك المقابلة في العيادة، وقد زالت السوائل من بطنه وقدميه، وتحسن تنفسه ونشاطه.
وعندما استفسر الطبيب عن سر هذا التحسن العجيب، قال المريض أنه قد تلقى علاجاً مفيداً أعطته إياه غجَرية مسنّة تعالج بالأعشاب. فَتَّشَ الطبيبُ الشاب عن تلك المرأة طويلاً حتى وجدها، وبعد إصرارٍ ورجاء أَفشَت المرأة سرّ دوائها، وأعطته الخلطَة السرّية. درس الطبيب الخبير بالنباتات تلك الخلطَة، فوجد فيها حوالي 20 نوعاً من الأعشاب والنباتات المختلفة.
وبكل دقة وتمحيص، حلل مكوناتها، ووجد أن أغلبها ليس له فاعلية دوائية هامة، فيما عدا نبتة واحدة شكّ بكونها الدواء الفعال، وكانت زهور نبات بري اسمه قفاز الثعلب Purple Foxglove وهو نبات يوجد في كثير من أنحاء بلاده، واسمه العلمي ديجيتاليس بوربوريا Digitalis purpurea. على مدى عشر سنوات قام ويذيرينغ بتحضير مستخلصات عديدة من هذا النبات بأشكال مختلفة، وفي أوقات مختلفة من مراحل نموه، وطبق هذه المستخلصات النباتية على المرضى المصابين بقصور القلب، وسجل ملاحظاته السريرية ونتائج العلاج المفيدة والأعراض الجانبية والسمّية التي حدثت لبعض المرضى.
وبعد عشر سنوات من البحث العلمي المتأني، نَشَرَ ويذيرينغ نتائج أبحاثه سنة 1785، ووصف نتائج استخدام دواء الديجيتاليس في 163 مريض، وأحدث ذلك ثورة في علاج قصور القلب واضطرابات نظم القلب.
حُضِّرَتْ مستخلصات الديجيتاليس المختلفة، وتَمَّتْ تنقيتها على مراحل عديدة، حتى توصل العلماء إلى درجة عالية من النقاء في خمسينيات القرن العشرين في دواء الديجوكسين، الذي يُستخدم حتى هذه الأيام في تقوية القلب وعلاج قصوره وفي تنظيم بعض اضطرابات نظم دقاته.
ويليام ويذيرينغ وفي يده نبتة قفاز الثعلب
نبات قفاز الثعلب الذي استُخلص منه دواء الديجيتاليس
مزيد من الأدوية الفعالة
اكتُشِفتْ أدوية كثيرة بعد ذلك لتقوية القلب وزيادة كفاءته وتحسين قدرته على ضخ الدم في الدورة الدموية، مثل أدوية الدوبامين والدوبيوتامين. أنقذت هذه الأدوية كثيراً من مرضى قصور القلب، وعلى الرغم من ذلك قد لا يستجيب بعض المرضى للعلاج الدوائي، وتظل الطاقة الحركية في الدورة الدموية أقل مما يحتاجه جسم المريض، ولا يستجيب المريض للعلاج. فهل يمكن دعم الدورة الدموية بطرائق أخرى تساعد القلب على أداء وظيفته في الدورة الدموية الضرورية للحياة؟
المصدر:
كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجاله" للدكتور عامر شيخوني