في ظهورها الأول منذ إعلان إصابتها بمرض متلازمة الشخص المتيبس أبهرت الفنانة العالمية سيلين ديون الحضور وحتى رئيس وزراء بلادها رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأدائها في حفل افتتاح أولمبياد باريس، ولكن ماذا الذي جعل ديون تختفي عن الأنظار طول هذه المدة؟ وهل فعلًا متلازمة الشخص المتيبس قد تتسبب في إيقاف حياة شخص مدة عامين؟ تابع معنا في هذا المقال نبذة عامة عن هذا المرض.
متلازمة الشخص المتيبس
متلازمة الشخص المتيبس (stiff person sybdrome) هي اضطراب نادر له سمات مرض مناعي ذاتي يصيب الجهاز العصبي المركزي. وتُحدث المتلازمة عطلًا في المسارات العصبية الطبيعية بين الدماغ والعضلات، فيعاني المصابون بها في بادئ الأمر من تصلب وتشنجات في عضلات الجذع، يتبعه -مع مرور الوقت- تيبس وتشنجات تشمل عضلات الساقين، ومن ثم تنتشر لتطال عضلات أخرى في الجسم، ما يخلق صعوبات في المشي، وقد تكون التشنجات العضلية حادة ومؤلمة وعنيفة لدرجة أنها يمكن أن تطرح صاحبها أرضًا، مؤدية لحدوث كسور في العظام، أو إلى إصابات خطيرة.
تم التعرف على أول حالة من متلازمة الشخص المتيبس عام 1956، عند رجل يبلغ من العمر 49 سنة، وقد أُطلق عليها آنذاك اسم "متلازمة الرجل المتيبس" لاعتقاد الباحثين في ذلك الحين أن المتلازمة تصيب الرجال فقط، ولكن تبين فيما بعد أن النساء يتعرضنَ أيضًا للإصابة بها، وأن نسبة تعرضهن لها تبلغ الضعف مقارنة بالذكور، وبناء عليه؛ تم تغيير الاسم إلى متلازمة الشخص المتيبس تفاديًا للالتباس.
ما سبب متلازمة الشخص المتيبس ؟
السبب الفعلي والدقيق للمتلازمة ما يزال في طيّ المجهول، ولكن العلماء يعتقدون أنها ناجمة عن اضطراب مناعي ذاتي يقوم فيه جهاز المناعة في الجسم بمهاجمة الخلايا العصبية السليمة في الدماغ والنخاع الشوكي. وإذا أخذنا بما يقوله المعهد الوطني الأميركي للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية، فإن الأشخاص الذين يعانون من المتلازمة يملكون في دمائهم مستويات عالية من مضادات الأجسام لإنزيم يسمى ديكاربوكسيلاز حمض الغلوتاميك Glutamic acid decarboxylase.
يُرمز لهذا الإنزيم اختصارًا GAD، ويساهم هذا الإنزيم في صنع ناقل عصبي مهم في الدماغ، هو حامض غاماـ أمينوبيوتيريك Gamma aminobutyric acid -GABA الذي يتحكم في حركة العضلات. يُعتقد أن الجهاز المناعي لدى المصابين بمتلازمة الشخص المتصلب يعمل خطأً على مهاجمة الإنزيم GAD، الأمر الذي يؤدي إلى نقص إنتاج حمض GABA الذي تقل كميته في الجسم.
تم رصد مضادات أجسام أخرى لبروتين يدعى أمفيفيسين (Amphiphysin) أيضًا لدى المصابين بمتلازمة الشخص المتيبس، ولكن بكميات قليلة نسبيًا، ويوجد البروتين المذكور في النهايات العصبية، وتتمثل مهمته في مساعدة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض.
الفئات الأكثر عرضة
تشمل الفئات الأكثر عرضة من غيرها لخطر الإصابة بمتلازمة الشخص المتيبس على الآتي:
- النساء، فهن أكثر تأثرًا بالمتلازمة بنسبة الضعف بالنسبة للرجال.
- الأشخاص المصابون بأمراض أخرى من أمراض المناعة الذاتية، مثل: البهاق، والداء السكري، والتهاب الغدة الدرقية المناعي الذاتي، ومرض فقر الدم الخبيث، والداء الزلاقي.
أعراض متلازمة الشخص المتيبس
متلازمة الشخص المتيبس نادرة للغاية، إذ تصيب واحدًا من كل مليون شخص، ويبلغ عدد النساء المصابات بالمتلازمة ضعف عدد الرجال، تُشاهَد الأعراض في أي عمر، إلا أنها تظهَر عادة بين سن 30 إلى 60، وتشمل أعراض المتلازمة ما يلي:
- التيبس والصلابة في عضلات الجذع.
- صعوبات في الالتفاف والانحناء والمشي.
- التيبس في الأطراف العلوية والسفلية.
- اتخاذ وضعية انحناء غير نمطية.
- تشنجات عضلية مؤلمة.
- ظهور ردود أفعال مفاجئة مبالغ فيها.
- حوادث السقوط.
- أعراض عقلية ونفسية، مثل: الكآبة، والقلق، والخوف من المساحات المفتوحة، والرهاب المتعلق ببعض المهمات التي تشعل فتيل التشنجات العضلية.
كم تستغرق الأعراض حتى تظهر؟
قد تستغرق أعراض متلازمة الشخص المتيبس عدة أشهر إلى بضع سنوات حتى تظهر كاملة إلى العلن، ويمكن لبعض المرضى أن تظل حالتهم مستقرة لسنوات، في حين أن البعض الآخر تتفاقم حالته ببطء. وتكون عضلات الجذع والبطن هي من أول ما يتعرض للصلابة والتيبس عند معظم المصابين بمتلازمة الشخص المتيبس.
وقد تأتي الصلابة وتختفي، ولكنها في النهاية تبقى ثابتة، وبمرور الوقت تهاجم الصلابة عضلات الساقين، ومن ثم باقي عضلات الجسم؛ بما فيها عضلات الذراعين والوجه، ما يخلق صعوبات على صعيد الحركة والمشي. ومن حين إلى آخر، قد تدخل التشنجات العضلية المؤلمة على الخط، الأمر الذي يزيد الطين بلة، ما يفاقم من تصلب العضلات، ويمكن لتلك التشنجات أن تستمر بضع ثوان أو دقائق، وربما ساعات في بعض الحالات.
قد تكون التشنجات عنيفة وشديدة للغاية، لدرجة أنها قد تكون سببًا في خلع أحد الأطراف، أو في حدوث كسر في العظام، أو في السقوط غير المنضبط. وتحصل التشنجات العضلية في منطقة معينة أو في كامل الجسم، ويمكن أن تحدث التشنجات دون سبب واضح، أو قد يساهم في إشعالها بعض العوامل المحفزة، مثل الضوضاء غير المتوقعة أو العالية، والطقس البارد، والانفعالات الشديدة، واللمس الجسدي الخفيف، والأحداث المرهقة، أما النوم فهو يساهم عادة في التخفيف من عدد التشنجات ومن وطأتها.
تشخيص متلازمة الشخص المتيبس
ليس من السهل تشخيص متلازمة الشخص المتيبس، خاصة أنها حالة نادرة، وأعراضها مشابهة لحالات مرَضية أخرى، مثل التصلب المتعدد، والتهاب الفقار اللاصق، وبعض أمراض المناعة الذاتية الأخرى، مثل الداء السكري النوع الأول، والتهاب الغدة الدرقية المناعي الذاتي، وداء البهاق، وفقر الدم الخبيث، والداء الزلاقي، من هنا يجب إجراء عدة اختبارات من أجل استبعاد تلك الحالات، والبحث عن علامات محددة لمتلازمة الشخص المتيبس.
بعد سماع شكوى المريض وتسجيل تاريخه الطبي وفحصه جسديًا وعصبيًا يمكن لمقدم الرعاية الطبية المختص أن يطلب سلسلة من الاختبارات في حال ساورته شكوك بالإصابة بمرض الشخص المتيبس من أجل تأكيد التشخيص، وتشمل هذه الاختبارات ما يلي:
- اختبار دم للتحقق من وجود مضادات الأجسام لإنزيم ديكاربوكسيلاز حمض الغلوتاميك GAD التي يمكن رصدها لدى غالبية المصابين بمتلازمة الشخص المتيبس.
- التخطيط الكهربائي للعضلات من أجل قياس نشاطها.
- اختبارات نوعية للكشف عن أمراض المناعة الذاتية الأخرى.
- التصوير بالرنين المغناطيسي من أجل استبعاد أسباب أخرى يمكن أن تقف وراء تصلب وتشنج العضلات.
- البزل القطني لأخذ عينة من سائل القناة الشوكية للتأكد من وجود مضادات الأجسام لإنزيم GAD فيه.
علاج متلازمة الشخص المتيبس
لا يوجد حاليًا علاج لمتلازمة الشخص المتصلب، ولكن هناك خيارات علاجية عديدة تهدف إلى السيطرة على الأعراض، ومنع تقدم المرض، وجلب الراحة للمريض، وتحسين قدرته على المشي والحركة، ومساعدته على العيش حياة طبيعية قدر المستطاع، لهذا يجب التحدث مع مقدمي الرعاية الطبية عن الخيار الأفضل تبعًا للأعراض التي يعاني منها المصاب وشدة الحالة المرَضية.
قد يصف مقدم الرعاية الصحية مضادات الألم وأدوية مهدئة ومضادة للاختلاج؛ التي تساعد على استرخاء العضلات المتصلبة والمتشنجة، وقد يلجأ الطبيب إلى إعطاء مضادات الاكتئاب، ومضادات الصرع من أجل إدارة الأعراض والنوبات النفسية التي قد تترافق مع المتلازمة. قد يوصي الطبيب بأخذ كابحات المناعة للتخفيف من حدة الأعراض، وتقليل الحساسية تجاه المحفزات المثيرة للمتلازمة.
ولا يجب نسيان العلاج الطبيعي، فهو أيضًا قد يساهم -إلى جانب الأدوية- في علاج متلازمة الشخص المتيبس، ويشمل العلاج الطبيعي ممارسة تمارين رياضية معينة، وتمارين اليوغا، والعلاج بالماء، والعلاج بالحرارة، والوخز بالإبر.
وقد يستفيد بعض المرضى المصابين بمتلازمة الشخص المتيبس من علاجات مناعية مختلفة، لتقليل الأعراض، والحيلولة دون تفاقم المرض. ما تزال هذه العلاجات قيد التجربة، وتحتاج إلى مزيد من البحث، من أجل تقييمها، ومعرفة خيرها من شرها، وتتم العلاجات المناعية بثلاثة طرق هي:
- زرق الغلوبيولين المناعي في الوريد على عدة جلسات، بهدف تقليل أو إزالة مضادات الأجسام التي تهاجم الخلايا العصبية السليمة.
- فَصادة البلاسما، وهي طريقة يتم فيها استبدال بلاسما الدم بأخرى سليمة، من أجل تخفيف نسبة مضادات الأجسام التي تهاجم الخلايا العصبية.
- زراعة الخلايا الجذعية الذاتية، وفيها يتم سحب خلايا الدم ونخاع العظم من المريض ذاته؛ ليتم مضاعفتها، ومن ثم نقلها إليه مرة أخرى، الأمر الذي يساهم في تكوين خلايا مناعية جديدة لا تنتج مضادات أجسام تهاجم خلايا الجسم السليمة.
نهايةً، إن متلازمة الشخص المتيبس هي أحد أمراض المناعة الذاتية النادرة للغاية، تصيب واحدًا من كل مليون، خاصة من معشر النساء. تحدّ هذه المتلازمة من الحركة، وتسبب تشنجات عضلية قد تجعل صاحبها كجذع شجرة مثبتٍ في الأرض لا حول له ولا قوة. يحتاج تشخيص متلازمة الشخص المتيبس عدة أشهر إلى سنوات؛ لعدم وضوح السمات المميزة لها في البداية، هناك علاجات مناعية قيد البحث والتجريب، ولكن نتائجها الأولية واعدة، وفي الانتظار.
على كل مصاب بمتلازمة الشخص المتيبس أن يعرف أن المعركة مع هذا المرض هي معركة مستمرة للسيطرة على الأعراض، واستعادة القوة والقدرة على التحمل، والحفاظ على جودة الحياة.