غالبًا ما تأتي نتيجة محاولة التحكم المعرفي في الأفكار غير المرغوب فيها بنتيجة عكسية، حيث تصبح الأفكار أكثر إزعاجًا لتبقى الفكرة أو الأفكار في بؤرة الاهتمام.
حاول أن تقول لنفسك: لا تفكر في شيء ما، وسترى أن هذا الشيء الملعون سيتبادر إلى ذهنك كل دقيقة، إذ يعدّ التحكم في الأفكار غير المرغوب فيها أمرًا صعبًا.
في الثمانينيات، قاد دانيال فيجنر سلسلة من التجارب مدتها 5 دقائق تم فيها توجيه المشاركين بعدم التفكير في دب أبيض - ودق الجرس إذا فعلوا ذلك. ومن المفارقات أنه كلما حاول الناس بجد عدم التفكير في الدب الأبيض، كان الدب الأبيض يسيطر على أفكارهم مما يضطرهم لقرع الجرس.
مفارقة قمع الفكر
بعد إثبات التأثيرات المتناقضة لقمع الفكر، طور فيجنر نظريته "العمليات الساخرة للسيطرة العقلية" (1994) التي تصف ظاهرة الأفكار غير المرغوب فيها التي من المرجح أن تظل في صدارة الذهن عندما يحاول شخص ما جاهدًا قمعها.
إذن، ما هي أفضل طريقة للتغلب على "مشكلة الدب الأبيض" المتناقضة والتعامل في الأفكار غير المرغوب فيها؟ تشير دراسة جديدة بعنوان "إذا لم تدعها تدخل، لا يتعين عليك التخلص منها" إلى أن التفكير الاستباقي هو أفضل طريقة للسيطرة على الأفكار غير المرغوب فيها.
السؤال البحثي لهذه الدراسة هو: "هل يمكننا منع فكرة غير مرغوب فيها من أن تتبادر إلى الذهن، بالمثل كيف يمكننا تجنب اتخاذ إجراء غير مرغوب فيه؟" للإجابة عن هذا السؤال، قام إسحاق فرادكين وإيران إلدار بتجنيد 80 بالغًا يتحدثون الإنجليزية للمشاركة في الدراسة.
باستخدام التحليل الحسابي، قارن الباحثون فعالية التحكم المعرفي التفاعلي مقابل التحكم المعرفي الاستباقي، ووجدوا أن الأخير أكثر فاعلية في السيطرة على الأفكار غير المرغوب فيها.
الفرق بين التحكم المعرفي التفاعلي والاستباقي
عادةً ما يتضمن التحكم المعرفي التفاعلي رفض الفكرة واستبدالها بعد وصولها إلى الوعي. في المقابل، يتضمن التحكم المعرفي الاستباقي الحفاظ على فكرة غير مرغوب فيها من أن تتبادر إلى الذهن قبل أن تترسخ وتبدأ في السيطرة على وعي شخص ما كجزء من حلقة التفكير.
من الجدير بالذكر ، استنادًا إلى مفارقة "الدب الأبيض" في قمع الفكر، أن عقدة التحكم الاستباقي في التفكير هي أنك إذا حاولت عن وعي قمع فكرة معينة، فعليك أن تفكر في ما تقوم بقمعه، مما يجعله في المقدمة العقل.
على الرغم من أنه من الممكن نظريًا منع الأفكار غير المرغوب فيها من الدخول إلى الوعي، إلا أنه ليس بالأمر السهل. استخدم معظم المشاركين في الدراسة التحكم المعرفي التفاعلي لقمع الفكر غير المرغوب فيه بعد وصوله إلى الوعي.
يوضح المؤلفون: "تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الأفكار تعزز نفسها بنفسها. التفكير في فكرة يزيد من قوة ذاكرتها واحتمال تكرارها". "بعبارة أخرى ، في كل مرة يتعين علينا فيها أن نرفض بشكل تفاعلي ارتباطًا غير مرغوب فيه، فمن المحتمل أن يصبح أقوى. ولكن بشكل حاسم ، وجدنا أيضًا أنه يمكن للأشخاص استباق هذه العملية جزئيًا إذا كانوا يريدون التأكد من أن هذا الفكر يتبادر إلى الذهن أقل قدر ممكن."
قال فرادكين في مدونة PLOS في يوليو 2022 حول هذه الدراسة الأخيرة: "على الرغم من أن [المشاركين في الدراسة] لم يتمكنوا من تجنب الأفكار غير المرغوب فيها ، إلا أنهم يستطيعون التأكد من أن التفكير في فكرة غير مرغوب فيها لا يزيد من احتمالية أن يتبادر إلى الذهن مرة أخرى".
إتقان فن التحكم الإدراكي الاستباقي
على الرغم من أن فرادكين وإيلدر لا يعطيان نصائح محددة لتحسين قدرة المرء على منع الأفكار غير المرغوب فيها من أن تتبادر إلى الذهن بشكل استباقي، فقد طورت على مر السنين بعض الحيل للتغلب على الآثار المتناقضة لقمع الفكر.
كما هو الحال في الحياة اليومية، فإن إنفاق الطاقة العقلية في محاولة لقمع الأفكار غير المرغوب فيها أثناء السباقات يستنزف الطاقة ويجعل من الصعب الوصول لحالة التدفق التي تسهل ذروة الأداء، وبناء على التجربة الحية لأحد العدائين، فإن مفتاح استباق التفكير الفعال هو إعطاؤه لمسة خفيفة وعدم محاولة جاهدة تصارع أو تقوية الأفكار غير المرغوب فيها في الخضوع. استنادًا إلى نظرية العملية الساخرة لـ Wegner، من المسلم به أنه في أي وقت ينشغل عقلك بقمع فكرة معينة، ستفكر في الأمر أكثر. لذلك، عليك أن تكون خبيثًا وببراعة تتفوق على نفسك باستخدام مزيج من الوظائف التنفيذية والخيال.
في فصل عن اليقظة المرتبطة بالرياضة في طريقة الرياضي، يصف المؤلف الرياضي بعض التصورات البسيطة التي يمكن أن تمنع بشكل استباقي الأفكار غير المرغوب فيها من "التكرار". بالنسبة له، وأفضل طريقة للتغلب على الأفكار المتطفلة دون الإفراط في التفكير في محاولاتك لقمعها هي تخيل الأفكار (الإيجابية) المطلوبة، وكأن عليها لاصق مما يجعلها تلتصق بقشرة الفص الجبهي. وعلى الجانب الآخر، تخيل الأفكار غير المرغوب فيها (السلبية) مغطاة بالفازلين، مما يجعلها زلقة للغاية. هذا التصور يجعل من الصعب على الأفكار غير المرغوب فيها التمسك أو الاستيلاء على أماكن في مقدمة العقل.
عند تصفية الذهن بشكل استباقي من فكرة غير مرغوب فيها، لا أحاول بالقوة إبعادها. بدلاً من ذلك، أقبل أن الأفكار غير المرغوب فيها ستظل تطفو دائمًا في رأسي، لذا لا تضيع الطاقة العقلية في محاولة لمنعها من التطفل على الإطلاق. بدلاً من ذلك، وإذا ظهرت فكرة غير مرغوب فيها، فيمكنها أن تقوم بدفعها بعيدًا عن كونها محور انتباهك وتفكر في شيء آخر.
بطريقة خارجة عن الأنظار وبعيدًا عن الذهن، أعلم أنه إذا تمكنت من منع فصوص المخ الأمامية من الانغماس في فكرة غير مرغوب فيها لبضع ثوانٍ، فسوف تذوب تدريجيًا في خلفية الوعي وتنزلق بعيدًا.
عندما تلاحظ فكرة غير مرغوب فيها تتسلل في الأفق أو تتدلى في محيط عقلك، ينصح بأن ترخي عينيك، وبدون ممارسة الكثير من التحكم العقلي الصارم، تخيل الفكرة تنزلق بعيدًا. وعندما تشعر أن الفكرة تتلاشى في الخلفية، أعد تركيز انتباهك بسرعة على شيء آخر ولا تعطي الفكرة غير المرغوب فيها ملي ثانية أخرى من الاجترار.
بمجرد أن تقرر عدم السماح للفكر المتطفّل بأخذ مساحة كبيرة من الدماغ، إذا دخلت الفكرة غير المرغوب فيها في الوعي، فلا تنزعج أو تصاب بالذعر؛ بدلاً من ذلك، اجعلها "زلقة" واتركها تذهب بلا مبالاة.
الخلاصة
كلما حاولت قمع فكرة ما بالقوة ، كلما أصبحت أكثر إزعاجًا، ومن الصعب قمعها. ولكن التحكم الاستباقي في التفكير سيساعدك، وذلك باستخدام التخيل.
المصادر: