صدمة وخوف وقلق شديد بعد وفاة والدي.. كيف أتجاوز الصدمة؟
منذ شهرين فقدت أبي. فجأة تعب، وفي اليوم الثاني توفي، وخبر الوفاة نزل كالصاعقة. ووقتما شفته ميتاً، ووجهه بارد وهم يغسلونه، كنت منهارة كأن الموضوع حلم وليس حقيقة، ووقت الدفن كان أكثر مشهد مؤلم، وأنا تركته وحده في القبر، وأختي كانت خائفة عليه يبقى وحده. بعدها بأسبوع بقيت يوماً متماسكة، ويوماً منهارة، وأدخل البيت اسلّم عليه كأنه موجود.. وكأني مصدومة مع خوف شديد.
عزيزتي،
لعل رسالتك وما تحمله من حزن وبعض القلق تكون لي كما هي لكِ يا صديقتي. فلقد مررت بوفاة أمي قريباً في المستشفى دون إنذار، وكنت مثلك في موقف الغسل والدفن وما بعدها، وكثيراً ما نأتنس ببعضنا حين يجمعنا الألم ذاته، ولعل كلماتي لكِ تؤنسك وتؤنسني، وأقول لك إنه علمياً يصعب أن نقول إن ما حدث سبب صدمة نفسية ذات أبعاد نفسية على الشخص قبل مرور ٣ أشهر دون تغيّر في الأعراض التي يشعرها، أو إذا زادت ولا تتوقف مثلاً وتطارد صاحبها معظم الوقت، فانتظري حتى تتم ثلاثة أشهر لتزوري مكان الحزن والفقد وتلاحظي:
- هل انتِ مثلما كنتِ تماماً بعد إدراك الوفاة أم أقل أم أكثر؟
- وهل هناك مرارة وخوف بذات الجرعة؟
- وكيف جرعة القلق؟ هل تعطلك عن أدوارك السابقة للوفاة في مختلف المساحات أم لا؟
لأن كلاً منا له قدرة نفسية تختلف فيما بيننا، فحتى الثلاثة أشهر، بعض العلماء قالوا أقل من ذلك، والبعض زاد عليها. لذا، فالعبرة بزيارة تلك الأماكن وتفقد الأفكار التي تحملها ومناقشتها، والتعبير عن مشاعر حزنك وألمك وقبول أنك حزينة، لأن الأمر ليس بسيطاً. وتذكري بعض المعلومات الثابتة التي لا تحتمل التفاسير المتناقضة، مثل الوحدة داخل القبر، فهذه أكذوبة كبيرة؛ فنحن نعلم أن هناك حياة البرزخ التي تبدأ بترك الحياة، وهناك تزاور فيما بينهم وأبعاد غير أبعادنا المعتادة، والأدلة كثيرة. فمثلاً، نحن ندعو للمتوفى أن يبدله الله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، نعلم أن العمل الذي قام به الإنسان يؤنسه في القبر، نعلم أن الدعوات تصل إليه وتزيد من مقامه، إلخ.
وتذكري معي أن الإنسان هو الكائن الوحيد الخالد، ولكنه يمرّ بمراحل. الأول في بطن أمه يأكل ويشرب وينام وينمو ويتحرك ويتنفس، ولكن بطريقة تخصّ تلك المرحلة، ورغم أننا جميعاً مررنا بها، وهي يقين، إلا أننا لا نتذكرها، وننتقل بطريقة الولادة إلى الحياة لننمو ونتحرك ونأكل ونشرب، ولكن بطرق مختلفة تماماً وبمسؤولية، ثم ننتقل بطريقة الموت إلى حياة البرزخ التي فيها حياة، ولكن بشكل مختلف، ثم ننتقل إلى القيامة بطريقة البعث من جديد، ثم ننتقل إلى الجنة بإذن الله بطريق الحساب لنخلد فيها بإذن الله.
وهذا لا يتعارض مع قبول الحزن على الفراق والتعبير عنه ومراجعة القلق، فإذا وجدت أن هذا القلق "لا" يُترجَم صحياً بجرعة تقرب مقبول من الله وتعهد ما أراده الله منا للقاء طيب مع الله سبحانه دون إفراط ولا تفريط، فلا تبخلي على نفسك بالتواصل مع متخصص نفسي يساعدك بمزيد من الطرق المختلفة لتجاوز هذا القلق والحزن. وأقول لكِ ما تعلمته على يد أساتذتي الكبار ، حين علموني أن قبولي الشخصي لموتي أنا يجعلني أتمكن من قبول موت أي شخص آخر مهما كانت مكانته عندي، فاقبلي موتك شخصياً لتقبلي مراد الله تعالى في الموت المؤقت لحياة خالدة...