تبين سابقاً أن للمتحور أوميكرون Omicron (B.11.529) العديد من الطفرات، خاصة في بروتين الشوكة Spike (S). وحتى وقت قريب جداً، كان يعتقد أن هذه الطفرات ستساعد المتحور أوميكرون على الهروب من الاستجابة المناعية المتولدة في الجسم إما نتيجة إصابة سابقة بالمتحورات الأخرى للفيروس، أو نتيجة التطعيم بلقاحات كورونا المعتمدة. يطلق على هذه المناعة اسم المناعة المكتسبة أو التكيفية.
وللأسف، فإن مدى استجابة المناعة المكتسبة (التكيفية) تجاه المتحور أوميكرون، وإمكانية مساهمتها في تقليل شدة الإصابة أو حماية الجسم من هذا المتحور الجديد ظل مجهولاً، إلى أن تناولته الدراسة الجديدة وبينت معالمه. لكن، قبل الخوض في هذه الدراسة ونتائجها، لا بد أولاً من فهم ماهية الاستجابة المناعية المكتسبة ضد الفيروسات ومكوناتها العامة:
المناعة الطبيعية مقابل المناعة المكتسبة
بالإضافة إلى الأجسام المضادة (وهي بروتينات مناعية توجد أو تتشكل في الدم لتهاجم الجراثيم والفيروسات)، تقسم مناعة الجسم الخلوية بشكل عام إلى:
1. مناعة طبيعية
توجد في جسم الإنسان منذ ولادته، وتهاجم الأجسام الغريبة عن الجسم إذا تم تمييزها من قبل خلايا المناعة على أنها تشكل خطراً على صحة الجسم.
2. مناعة مكتسبة
تتشكل نتيجة تعرض خلايا المناعة إلى مسببات الأمراض المختلفة، إما عن طريق الإصابة بهذه الأمراض، أو عن طريق اللقاحات، وتقوم هذه الخلايا بتشكيل ذاكرة مناعية تعتمد عليها لاحقاً في التعرف على مسببات الأمراض وبدء استجابة مناعية لها.
تشمل المناعة المكتسبة بصورة رئيسية خلايا لمفاوية بائية من نوع بي (B)، أو تائية من نوع تي (T)، والتي تتميز بدورها إلى عدة أنواع أخرى بحسب طبيعة الدور الذي تلعبه هذه الخلايا في الاستجابة المناعية.
الخلايا التائية T cells
هي نوع من الخلايا الليمفاوية، التي تلعب دورا مهما ورئيسيا في الاستجابة المناعية. تتولد من الخلايا الجذعية المكونة للدم الموجودة في نخاع العظام، ثم تهاجر الخلايا التائية النامية والناضجة وتتمايز لعدة أنواع فرعية مختلفة ومحددة لتقوم بوظائف مختلفة ومهمة للتحكم في الاستجابة المناعية وتشكيلها.
وتعد الخلايا التائية القاتلة ("CD8+ "killer) أحد أنواع الخلايا التائية المتمايزة التي لها القدرة على قتل الخلايا المصابة بالفيروس. بينما تقوم الخلايا التائية المساعدة (CD+4 Helper) باستخدام بروتينات إشارات صغيرة، تُعرف باسم السيتوكينات، لتجنيد أنواع أخرى من الخلايا لتكوين استجابة مناعية.
الخلايا البائية B Cells
تنشأ هذه الخلايا أيضا من الخلايا الجذعية المكونة للدم الموجودة في نخاع العظام، الا أنها على العكس من الخلايا التائية، فهي تبقى في نخاع العظم حتى تنضج فيه، ثم تهاجر بعدها وتتميز عند تفاعلها مع أحد مسببات الأمراض إلى خلايا البلازما (Plasma cells) وخلايا الذاكرة المناعية (Memory Cells).
بعد أن فصلنا أنواع المناعة وخلاياها، لا بد لنا أيضاً من ذكر نوع من أنواع الاستجابة التي تقوم بها خلايا المناعة المكتسبة، والتي يطلق عليه الاستجابة المناعية التبادلية Cross-reactivity، والتي تساهم في حماية الجسم من بعض مسببات الأمراض.
يحصل هذا التفاعل عند قيام خلايا المناعة المكتسبة التي تعرفت على أحد مسببات الأمراض سابقاً ببدء استجابة مناعية لمسبب مرضي آخر. على سبيل المثال، يمكن أن يكون هناك تفاعل مناعي تبادلي بين المناعة المكتسبة نتيجة الإصابة بفيروس الإنفلونزا وبين فيروس آخر كفيروس كورونا، أو بين مسببات الأمراض وبعض البروتينات المسببة للتحسس.
نعود الآن إلى موضوع أن المتحور أوميكرون لا يمكنه الإفلات بشكل كلي من المناعة المكتسبة:
تم في هذه الدراسة الجديدة تقييم قدرة الخلايا المناعية التائية على التفاعل وعلى رصد المتحور أوميكرون Omicron بين مجموعة من 70 شخصاً بالغاً تشكلت لديهم مناعة مكتسبة ضد فيروس كورونا نتيجة:
- تلقي التطعيم بلقاح جونسون آند جونسون.
- تلقي التطعيم بلقاح نوع فايزر/ بايونتيك.
- إصابة سابقة بأحد متحورات كوفيد-19 التي سبقت ظهور أوميكرون.
ما هي نتائج الدراسة؟
- تبين أن 70-80% من استجابة الخلايا المناعية التائية من النوعين القاتلة والمساعدة ضد بروتين الشوكة ما زالت فعالة عند المشاركين ضد المتحور أوميكرون.
- الاستجابة المناعية التبادلية للخلايا التائية ضد المتحور أوميكرون مشابهة للاستجابة المناعية التبادلية ضد المتحورين بيتا ودلتا، على الرغم من أن المتحور أوميكرون Omicron يحتوي على العديد من الطفرات.
- كانت استجابة الخلايا المناعية التائية ضد بروتينات الغلاف، والشوكة والنيكليوكابسيد (غلاف النواة) للمتحورات السابقة (مثل بيتا ودلتا) متقاربة إلى حد كبير عند المرضى الذين أدخلوا إلى المستشفى نتيجة الإصابة بالمتحور أوميكرون، والمرضى الآخرين الذين أدخلوا المستشفى نتيجة الإصابة بالمتحورات السابقة.
توضح هذه النتائج أنه على الرغم من أن الطفرات التي أظهرها المتحور أوميكرون، والتي مكنته من الإفلات من الأجسام المضادة التي ينتجها الجهاز المناعي، إلا أن الخلايا المناعية التائية المسؤولة عن الاستجابة المناعية المكتسبة ضد فيروس كورونا، والتي تولدت نتيجة لإصابة سابقة بمتحور آخر، أو نتيجة لأخذ أحد اللقاحات المعتمدة ضد فيروس كورنا المستجد، ما زالت تتفاعل بنسبة كبيرة ضد المتحور الجديد من فيروس كورونا، وأنها في الأغلب تعمل على حماية الجسم من الإصابة الشديدة.
تدعم نتائج هذه الدراسة الملاحظات السريرية المبكرة من جنوب إفريقيا، والتي أكدت أن الإصابات بالمتحور أوميكرون كانت خفيفة، ولم تكن هناك إصابات شديدة، أو زيادة كبيرة في حالات الدخول إلى المستشفى، ولم تسجل أي وفيات. وكانت غالبية الإصابات بين الأشخاص غير الملقحين.
المصادر: