صحــــتك

هل يمكن تحضير علاج نوعي خاص لكل مريض؟

جرعة معززة لـ ضعاف المناعة ومستخدمي اللقاح الصيني
هل يمكن تحضير لقاح يناسب حالة مرضية محددة عند إنسان معين؟

لكل إنسان بُنْيَته الوراثية الخاصة، وهو يختلف عن الآخرين بما يوجد على سطح خلايا جسمه من بروتينات تَرفَعها خلاياه كالأعلام على سطحها، وتَعرضها كعلاماتٍ ومُسْتَقبِلات تميز خلاياه سواء في حالة الصحة والمرض. فهل يستطيع الأطباء تقديم العلاج لكل إنسان حسب حاجته، وحسب استعداد بُنْيَته الوراثية والمَنَاعية الخاصة؟

لقاحات نوعية ضد السرطان

نَجَحَت إحدى شركات الأدوية في تحضير لقاح ضد سرطان البروستات سنة 2010 باستخدام بعض خلايا المَناعة الطبيعية. وهناك اهتمام كبير بتطوير لقاحات نوعية ضد السرطان الذي أُصيب به كل مريض، وذلك بأخذ عَيِّنَة من الورم، ومحاولة الكشف عن وجود مواد مُعَيَّنة تميِّز خلاياه عن خلايا جسم المريض الطبيعية، ومن ثم صُنع مضادات أو أمصال أو لقاحات ضد هذه المواد الموجودة بشكل خاص في الخلايا السرطانية، بحيث تَنشَط خلايا المَناعة في قتل الخلايا المريضة دون أن تُسَبِّب أذى لخلايا الجسم الطبيعية. وهناك أبحاث نشيطة جداً في هذا المجال لكشف مواد معينة تميز أنواع معينة من أمراض السرطان، وبعد نجاح استخدام تقنية تحضير اللقاحات النوعية بطريقة الحمض النووي mRNA ضد فيروس كورونا، يتم تطبيق هذه التقنيات في تسريع تحضير لقاحات نوعية ضد نوع السرطان الموجود عند كل مريض.

علاج شخصي خاص ضد السرطان

تَفتَح الطرق الحديثة في العلاج المَنَاعي للسرطان آفاقاً جديدة في علاج كل نوع من أنواع السرطان بشكل شخصي معيّن لكل مريض، وذلك أملاً في شفاء الداء دون إحداث أضرار أو مضاعفات جانبية قد يسببها الدواء. فكما نعلم، قد يُسَبب العلاج الجراحي لاستئصال الأورام مضاعفات وآلام للمريض، وربما أدت العملية في بعض الأحيان إلى وفاة المريض بسبب المضاعفات والاختلاطات التي قد تَحدث بعدها، خاصة في عمليات الاستئصال الصعبة والكبيرة، مثل استئصال أورام الكبد والبنكرياس ...

أما العلاج الشعاعي للسرطان، فعلى الرغم من النجاحات التي حقَّقَها على مرِّ التاريخ، إلا أنّ الأشعة المُستخدَمة لا تقتل خلايا السرطان فقط، بل ربما أَدَّتْ إلى قتل وأذية بعض خلايا الجسم الطبيعية التي تَمرّ بها في طريقها نحو الورم. ولذا قد يعاني المرضى الذين يتعرضون للعلاج الشعاعي بعض الأعراض مثل حروق الجِلد والغثيان وصعوبة البلع وضيق التنفس ...

ويَحدث مثل ذلك عند استخدام الأدوية الكيماوية في علاج السرطان، وذلك لأن هذه الأدوية تعمل عن طريق إحداث اضطرابات شديدة في الخلايا التي تتكاثر بشكل سريع، مثل خلايا السرطان. وتَنتشِر أدوية العلاج الكيماوي مع الدم في كافة أنحاء الجسم، فتَقتل الخلايا السرطانية السريعة التكاثر أينما وجِدَتْ، ولكنها في الوقت نفسه يمكن أن تؤذي خلايا الجسم الطبيعية التي تتكاثر بنشاط مثل خلايا الشعر والجِلد والمعدة والأمعاء... ولذلك قد يعاني المريض الذي يأخذ العلاج الكيماوي من الصَّلَع والالتهابات الجِلدية والغثيان والإقياء. ويأمل الأطباء أنّ العلاج المَنَاعي النوعي للسرطان، الذي يتم تحضيره لكل مريض بحسب طبيعة جسمه، وحسب نوع مرض السرطان الذي أصيب به، أن يكون هذا العلاج أكثر فاعلية، وأقل ضرراً لخلايا جسمه الطبيعية.

وماذا عن بقية الأمراض؟

تَعَلَّمنا من دراسة المَناعة أن لها علاقة وثيقة بنتيجة تَعَرُّض الإنسان للأمراض الجرثومية والفيروسية. فعندما تَدخل جرثومة غريبة إلى جسم الإنسان، تَكتشف خلايا المَناعة أنها خلايا غريبة عن الجسم، وذلك لأنها "ترفع" "أعلاماً" تختلف عن "أعلام" خلايا الجسم الطبيعية. فتَنشَط خلايا المَناعة لقتلها والقضاء عليها. ولكن إذا كانت الجراثيم المهاجِمة قوية وكثيرة، فإنها تَتغلب، ولو بشكل مؤقت، على دفاع خلايا المَناعة، وتُحدِث المرض. ولذا فإن حدوث المرض لا يتعلق فقط بقوة الجراثيم المهاجِمة وعددها، ولكنه يتعلق أيضاً بقوة دفاعات الجسم.

وكما عرفنا في دراسة مرض الملاريا ومرض الإيدز، فإنّ بعض الأفراد يتمتعون بزُمَر مَنَاعية تَمنحهم ميزات دفاعية ضد بعض الأمراض، بينما يكون بعضنا الآخر أكثر عرضة لبعض الأمراض إذا حَمَلوا زُمَراً مَناعية معيَّنة. بل إنّ حاملي زُمَر مَناعية معيَّنة قد يكونون أكثر عرضة لحدوث بعض الأمراض التي تَنتج عن اضطراب عمل خلايا المَناعة بحيث تهاجم خلايا الجسم الطبيعية، مثلما يَحدث في مرض التهاب الفقرات اللاصِّق. كما اكتَشَف العلماء أنّ استجابة أجسامنا لبعض الأدوية تختلف بحسب الزُمَر المَنَاعية التي نَحملها. وربما تَوصَّلنا في المستقبل القريب، عن طريق دراسة مادتنا الوراثية والزُمَر المَنَاعية التي نَحملها إلى التنبؤ ببعض الأمراض التي قد تصيبنا في حياتنا، ومعرفة الأدوية التي تُناسب جسمنا. وقد تُوصَّل العلماء إلى معرفة الأدوية التي قد تكون أكثر فاعلية في علاج بعض الأورام الخبيثة، مثل سرطان الرئة والثدي والقولون والخصيتين، باكتشاف السِّمات الوراثية الخاصة الموجودة في الورم نفسه. أي أن معرفة المادة الوراثية في الأورام والمادة الوراثية في الأجسام، خاصة مُوَرِّثات زُمَر التَوافق المَنَاعية، قد تَفتح الطريق لتطوير وقايةٍ وعلاجٍ نوعي شخصي يناسب كل مريض بحسب تَميُّزه الفريد.

ولكن هناك مشكلة ... هي التنوع الغزير

البحث عن طب شخصي جديد يناسب كل فرد ويتوافق مع مادته الوراثية وزُمَره المَنَاعية ويعالِج المَرَض أو الورم المعَيَّن الذي يُصاب به...هو مبدأ يَبعث آمالاً وأحلاماً كبيرة، إلا أنّ العلماء يدركون تماماً مدى صعوبة تحقيق ذلك عملياً. وذلك لأنهم يعلمون أنّ العلاقة بين الأمراض والأجسام ليست علاقة بسيطة، بل هي علاقة معقّدة ومركّبة. فلا يؤدي وجود مُوَرِّثة واحدة، أو زُمرَة مَنَاعية معيَّنة، لحدوث مرض معيَّن، بل غالباً ما تشترك وتتفاعل مُوَرِّثات عديدة في حدوث مرض أو ورم خبيث. كما يتأثر نشاط وتفاعل المُوَرِّثات التي يَحملها الإنسان، ويختلف التعبير الفعلي عن وجودها بكثير من العوامل البيئية مثل: التغذية والعمر والجنس والتَعرُّض للسموم والأدوية والمواد الكيميائية والإشعاع والتَلَوث ... ومن النادر أن يتحقق ذلك الوضع المِثالي البسيط حيث تؤدي مُوَرِّثة واحدة إلى مرض واحد، وأنّ اكتشاف علاج واحد يُحَقق الشفاء التام. فبسبب تعدد التفاعلات المحتَمَلة وتعقد جسم الإنسان، يكاد يكون من المستحيل أنْ يتنبأ الباحثون بالتأثيرات الفعلية والآثار الجانبية والاختلاطات التي يمكن أنْ تَحدث عند إعطاء دواء معيَّن لإنسان ما. ويُقَدَّر أنّ أكثر من تسعين في المئة من الأدوية المُكتَشَفة لا تَجد طريقها إلى الاستخدام العَمَلي الواسع بسبب ما يَظهر من أضرار عند استخدامها في المراحل التجريبية.

ما هو مدى صعوبة هذه المشكلة؟

يمكننا تَصَور صعوبة المشكلة إذا حَسبنا مثلاً الاحتمالات الرياضية الممكنة لتفاعل 10 مورثات مع بعضها، فهذا يؤدي إلى 1018 احتمالاً، (أي العدد واحد مَتبوعاً بثمانية عشر صفراً)! ويُقَدِّر العلماء أنّ كلاً منّا يَحمل في مادَّته الوراثية أكثر مَن 25000 مُوَرِّثة، وهذا يُشير إلى العدد الهائل من الاحتمالات للتفاعل والتداخل فيما بينها. ولدى أَخذِنا هذه المعارف بعين الاعتبار، فربما أدركْنا أهمية "الحظ" و"المصادفة السعيدة" في اكتشاف كثير من الأدوية التي نَستخدِمها في الطب الحديث. مثلما حَدَث عندما لَوَّثَتْ بعض الفطور اختبارات العالِم الاسكتلندي ألكسَندر فليمنغ Alexander Fleming (1881-1955)، فاكتَشَف البنسلين، وكان اكتشافه هذا فتحاً جديداً في عالَم الطب.

 

المصدر:

كتاب "قصة المناعة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني

آخر تعديل بتاريخ
06 يونيو 2023
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.