صحــــتك

العلاج المناعي ومثبطات نقاط التفتيش المناعية للسرطان

الصورة
عمرو زيدان

العلاج المناعي هو أحد أنواع علاج السرطان، وهو يساعد جهاز المناعة في محاربة السرطان. يعمل العلاج المناعي عن طريق تحفيز جهاز المناعة في الجسم للعثور على الخلايا السرطانية وتدميرها. سيساعدك هذا المقال في فهم أساسيات كيفية عمل العلاج المناعي لعلاج السرطان، بالإضافة إلى التعرف على مثبطات نقاط التفتيش المناعية.

ما العلاج المناعي؟

العلاج المناعي يعد نوعًا من العلاج البيولوجي الذي يستخدم مواد من الكائنات الحية لعلاج السرطان، ويحارب السرطان عن طريق تقوية جهاز المناعة عند المريض، بحيث يمكنه العثور على الخلايا السرطانية وتدميرها. يعد العلاج المناعي من أهم علاجات السرطان لفاعليته الكبيرة، إذ يساعد بعض المصابين بالسرطان على العيش لفترة أطول. فهو علاج واعد لمكافحة أنواع السرطان المستعصية، كما يعمل الباحثون على تطوير أدوية جديدة من العلاج المناعي لعلاج المزيد من أنواع السرطان.

قبل أن نتحدث عن كيفية استخدام العلاج المناعي لعلاج السرطان، دعونا أولاً نُجيب على بعض الأسئلة المهمة لفهم طريقة عمل جهاز المناعة.

لماذا لا يهاجم جهاز المناعة الطبيعي خلايا الجسم؟

عدم مهاجمة جهاز المناعة لخلايا الجسم يُعرف بـالتحمل المناعي أو التسامح المناعي (Immune Tolerance). التحمل المناعي هو عبارة عن منع الاستجابة المناعية ضد مستضد معين. على سبيل المثال، يكون الجهاز المناعي متسامحًا بشكل عام مع مستضدات الجسم نفسه، لذلك فهو لا يهاجم عادةً خلايا الجسم وأنسجته وأعضائه. وذلك لأن خلايا الجسم تحتوي على بروتين يسمي رابط بروتين موت الخلية المبرمج (PD-L1)، عندما تميز خلايا المناعة وجود بروتين موت الخلية المبرمج 1 (PD-1) على سطح الخلايا، يمنعها ذلك عن تدمير هذه الخلايا. وهذا يفسر عدم مهاجمة جهاز المناعة لخلايا الجسم. هذا التفاعل أو الارتباط بين البروتين المتواجد على خلايا الجسم (PD-L1) والبروتين المتواجد على خلايا المناعة (PD-1) أطلق عليه العلماء اسم نقطة التفتيش المناعية (Immune Checkpoint)، والتي تجعل خلايا المناعة تتعرف على خلايا الجسم بأنها خلايا طبيعية ولا تهاجمها. لكن، لماذا يصاب بعض المرضى بأمراض المناعة الذاتية؟

قد تهاجم  خلايا المناعة عند بعض المرضى خلايا الجسم الطبيعية، ما يؤدي إلى حدوث أمراض المناعة الذاتية. يرجع ذلك إلى فقدان القدرة على التحمل المناعي، وعدم تواجد رابط بروتين موت الخلية المبرمج (PD-L1) في بعض خلايا جسم المرضى،  وبالتالي تستهدف الخلايا المناعية خلايا الجسم السليمة عن طريق الخطأ.

لماذا لا يهاجم جهاز المناعة خلايا السرطان أحياناً؟

تحتوي خلايا الجسم -كما ذكرنا- على بروتينات تجعل خلايا المناعة تتعرف عليها بأنها خلايا طبيعية، وبالتالي لا تهاجمها. وقد تحتوي خلايا السرطان هي الأخرى على بروتينات رابط بروتين موت الخلية المبرمج 1 و2 (PD-L1,2). وبالمثل، ترتبط تلك البروتينات ببروتين موت الخلية المبرمج 1 المتواجد على سطح خلايا المناعة، مما يمنع عمل الخلايا المناعية التائية القاتلة للخلايا، وبذلك تهرب الخلايا السرطانية من هجوم جهاز المناعة على الرغم من كونها خلايا غير طبيعية. بالتالي، عند تعطيل هذا الارتباط، تتعزز الاستجابة المناعية، ويهاجم الجهاز المناعي الخلايا السرطانية ويدمرها. ومن هنا جاءت فكرة استخدام مثبطات نقاط التفتيش المناعية، والتي أحدثت ثورة في علاج السرطان. فقد تم منح جائزة نوبل للطب لعام 2018 لعالم المناعة الياباني تاسوكو هونجو، والأميركي جيمس أليسون، لجهودهما في تحديد بروتين موت الخلية المبرمج 1، الذي غيَّر قواعد علاج السرطان، وكيفية تسخير جهاز المناعة، والتلاعب به لمحاربة السرطان. كما أنه فتح المجال فيما بعد إلى اكتشاف علاجات جديدة ومحسَّنة بشكل كبير ضد بعض أمراض السرطان.

كيفية عمل العلاج المناعي ضد السرطان؟

تساعد الخلايا المناعية التائية وخلايا الدم البيضاء في الجهاز المناعي على مكافحة العدوى والمرض، إذ تتعرف على المستضدات، وهي المواد الموجودة على سطح الخلايا الأخرى. تحتوي الخلايا السليمة على مستضدات مختلفة عن خلايا الجسم التالفة، أو الخلايا الغازية الغريبة. يتجاهل الجهاز المناعي عادة المستضدات الموجودة على الخلايا السليمة، ولكنه يستجيب للمستضدات الموجودة على الخلايا التالفة والخلايا الغازية وغير الطبيعية. تقوم بعض خلايا المناعة بتمييز هذه المستضدات بالأجسام المضادة لتدميرها. ثم تهاجم خلايا مناعية أخرى تلك الخلايا الشاذة التي تحتوي على هذه الأجسام المضادة.

نظراً لأن السرطان يتكون من خلايا شاذة غير طبيعية، فقد تحتوي على مستضدات غريبة تتعرف عليها الخلايا المناعية، وبالتي تُهاجم الخلايا السرطانية. لكن كما ذكرنا، الخلايا السرطانية لديها قابلية لتطوير وسائل وطرق هروب لتفادي هجوم الخلايا المناعية عليها وتتجنب التدمير. تشمل تلك الوسائل:

  • انتاج بروتينات نقاط التفتيش المناعية.
  • تقليل عدد مستضدات السرطان، مما يسمح لها بالاختباء من الخلايا المناعية.
  • أثناء هجوم جهاز المناعة على خلايا السرطان، قد تطلق الخلايا السرطانية مواد معينة تستدعي أنواعاً أخرى من الخلايا المناعية التي تبطئ أو توقف الاستجابة المناعية.

هناك أساليب عديدة من العلاج المناعي لمساعدة الجهاز المناعي على محاربة السرطان بشكل أفضل، مثل استخدام أجسام مضادة خاصة مصنوعة في المختبر. ترتبط بعض هذه الأجسام المضادة بالخلايا السرطانية، ويمكنها قتل الخلايا السرطانية مباشرةً. تقوم أجسام مضادة أخرى بتمييز الخلية السرطانية بحيث تكتشفها وتدمرها الخلايا المناعية. كما تمنع مجموعة أخرى من الأجسام المضادة بروتينات نقاط التفتيش المناعية من الارتباط ببعضها البعض، وبالتالي يمكن للخلية المناعية حينها تمييز ومهاجمة الخلية السرطانية وتدميرها. هناك أيضاً بعض الأجسام المضادة الأخرى التي تمنع نمو الخلايا السرطانية عن طريق حجب الإشارات التي تحفز نمو الأوعية الدموية الجديدة اللازمة لتغذية خلايا السرطان. يوجد نوع آخر من العلاج المناعي يتم فيه الحصول على بعض الخلايا المناعية التي تحارب السرطان بشكل قوي وفعال من الجسم. تُنقل تلك الخلايا إلى المختبر لزرعها وإكثارها، ومن ثم يتم إعادتها إلى الجسم لمهاجمة السرطان بأعداد أكبر بكثير.

ما أنواع العلاج المناعي؟

  • مثبطات نقاط التفتيش المناعية.
  • الأجسام المضادة الوحيدة النسيلة. وهي بروتينات جهاز المناعة، وتُصنع في المختبر. حيث يتم تصميمها للارتباط بأجزاء محددة في الخلايا السرطانية. تقوم بعض الأجسام المضادة الوحيدة النسيلة بتمييز الخلايا السرطانية وكشفها بحيث يمكن تمييزها بشكل أفضل وتدميرها بواسطة خلايا الجهاز المناعي.
  • علاج نقل الخلايا التائية. وهو علاج يعزز القدرة الطبيعية للخلايا التائية على محاربة السرطان.
  • مُعدِّلات جهاز المناعة. تعزز استجابة الجسم المناعية ضد السرطان.
  • اللقاحات العلاجية. تعمل ضد السرطان من خلال تعزيز استجابة الجهاز المناعي للخلايا السرطانية. تختلف هذه اللقاحات العلاجية عن تلك التي تساعد في الوقاية من العدوى.

كيفية أخذ العلاج المناعي؟

يمكن إعطاء العلاج المناعي بأشكال مختلفة وبطرق مختلفة.

  • يمكن أن يأتي العلاج المناعي بشكل أقراص أو كبسولات تؤخذ عن طريق الفم.
  • قد يُعطي مباشرةً في الوريد (IV).
  • علاج موضعي.
  • علاج داخل المثانة.

الآثار الجانبية للعلاج المناعي:

لسوء الحظ، يمكن أن يسبب العلاج المناعي للسرطان بعض الآثار الجانبية المزعجة والخطيرة، على الرغم من نتائجه الواعدة. وغالباً ما تحدث تلك الآثار الجانبية عندما يعمل جهاز المناعة أيضاً ضد الخلايا والأنسجة السليمة في الجسم مثلما يعمل ضد خلايا السرطان. وبالتالي التعرض لحدوث تفاعلات المناعة الذاتية.

تختلف الآثار الجانبية باختلاف حالة الشخص وحالة صحته قبل العلاج، ونوع السرطان الذي يعاني منه، بالإضافة إلى مدى تقدم حالة السرطان لديه، ونوع وجرعة العلاج المناعي المستخدَم. يمكن أن يخضع الشخص للعلاج المناعي لفترة طويلة، وقد تحدث الآثار الجانبية في أي وقت أثناء وبعد العلاج. تشمل الآثار الجانبية الشائعة في العلاج المناعي ما يلي:

  • حدوث تغيرات وتفاعلات جلدية مكان الحقن. على سبيل المثال: ألم، تورم، احمرار، حكة.
  • ظهور أعراض شبيهة بأعراض الإنفلونزا. وتشمل تلك الأعراض: حمى، رعشة، تعب، ضعف، صداع، دوخة، آلام العضلات أو المفاصل، الغثيان أو القيء، ضغط دم منخفض أو مرتفع، صعوبة في التنفس. بالإضافة إلى التورم وزيادة الوزن من احتباس السوائل، احتقان الجيوب الأنفية، العدوى، خفقان القلب، الإسهال، التهاب الأعضاء.
  • يمكن أن تتسبب بعض أنواع العلاج المناعي في حدوث حساسية والتهابات شديدة أو قاتلة. لكن ردود الفعل هذه نادرة.

ما مثبطات نقاط التفتيش المناعية؟

مثبطات نقاط التفتيش المناعية هي نوع من العلاج المناعي يحجب البروتينات التي تمنع الجهاز المناعي من مهاجمة الخلايا السرطانية، مثل مثبطات PD-1 ومثبطات PD-L1 ومثبطات CTLA-4. لا تقتل مثبطات نقاط التفتيش الخلايا السرطانية بشكل مباشر، فهي تعمل من خلال مساعدة جهاز المناعة على تمييز واكتشاف وجود الخلايا السرطانية ومهاجمتها بشكل أفضل في أي مكان بالجسم.

تعمل نقاط التفتيش المناعية مثل عمل المفاتيح التي يجب تشغيلها أو إيقاف تشغيلها لبدء استجابة مناعية، إذ تساعد الجهاز المناعي في التمييز بين الخلايا الطبيعية في الجسم والخلايا الغريبة. مما يسمح للجهاز المناعي بمهاجمة الخلايا الغريبة، مع ترك الخلايا الطبيعية سليمة. لكن الخلايا السرطانية -كما ذكرنا- تجد أحيانًا طرقًا لتمويه نقاط التفتيش هذه لكي تتجنب الهجوم عليها من قبل جهاز المناعة.

يمكن تصميم الأدوية المعروفة باسم الأجسام المضادة الوحيدة النسيلة لاستهداف بروتينات نقاط التفتيش هذه. وبالتالي تسمى هذه الأدوية: مثبطات نقاط التفتيش المناعية، وتستخدم لعلاج بعض أنواع السرطان.

أنواع مثبطات نقاط التفتيش:

1. مثبطات PD-1 و PD-L1 

PD-1 هو بروتين نقطة تفتيش يوجد على جدار الخلايا التائية المناعية. يعمل عادةً كنوع من "مفتاح الإيقاف" الذي يساعد على منع الخلايا التائية من مهاجمة الخلايا الأخرى الطبيعية في الجسم. ويتم ذلك عندما يرتبط بـ PD-L1، وهو بروتين موجود عادة على سطح الخلايا الطبيعية (والسرطانية). عندما يرتبط PD-1 بـ PD-L1، فإنه يخبر الخلية التائية بأن الخلية الأخرى هي خلية جسمك طبيعية، وبعدم الهجوم عليها. ومن هنا تأتي قدرة الخلايا السرطانية على الاختباء من الهجوم المناعي، إذ قد تحتوي بعض الخلايا السرطانية على كميات كبيرة من بروتين PD-L1.

يمكن للأجسام المضادة الوحيدة النسيلة التي تستهدف إما PD-1 أو PD-L1 أن تمنع هذا الارتباط، وتعزز بالتالي من الاستجابة المناعية ضد الخلايا السرطانية.

 

- مثبطات PD-1. تشمل الأدوية التي تستهدف PD-1، مثل:

  • دواء نيفولوماب (أوبديفو).
  • دواء بيمبروليزوماب (كيترودا).
  • دواء سيميبليماب (ليبتايو).
  •  
  • - مثبطات PD-L1. تشمل الأدوية التي تستهدف PD-L1، مثل:
  • دواء أتيزوليزوماب (تسينتريك).
  • دواء دورفالوماب (إيمفينزي).
  • دواء أفيلوماب (بافينسيو).

2. مثبطات CTLA-4

CTLA-4 هو بروتين نقطة تفتيش آخر يوجد على سطح بعض الخلايا التائية، ويعمل للمساعدة في إبقاء الجهاز المناعي تحت السيطرة. تعمل مثبطات CTLA-4 عن طريق الارتباط ببروتين CTLA-4 وتوقفه عن العمل. مما يؤدي إلى تعزيز استجابة الجسم المناعية ضد الخلايا السرطانية. تُستخدم هذه الأدوية عادةً مع مثبط PD-1 أو PD-L1. وتشمل تلك الأدوية ما يلي:

  • دواء إيبيليموماب (يرفوي).
  • دواء تريميليموماب (ايمجودو).

3. مثبطات LAG-3

LAG-3 هو بروتين نقطة تفتيش يوجد على سطح بعض أنواع الخلايا المناعية. تعمل مثبطات LAG-3 عن طريق الارتباط ببروتين LAG-3، وبالتالي مساعدة الجهاز المناعي في التعرف على الخلايا السرطانية وقتلها. وتشمل مثبطات LAG-3 ما يلي:

  • دواء ريلاتليماب. يتم إعطاء هذا الدواء مع دواء نيفولوماب مثبطPD-1  (تلك التركيبة أو المزيج يُعرف باسم دواء أوبدوالاج، ويستخدم لعلاج ورم الميلانوما في الجلد).

الآثار الجانبية لمثبطات نقاط التفتيش

تشمل الآثار الجانبية الشائعة لمثبطات نقاط التفتيش ما يلي:

  • الشعور بالغثيان.
  • الطفح الجلدي.
  • الإصابة بالإسهال أو الإمساك.
  • السعال.
  • التعب.
  • ضعف الشهية.
  • آلام العضلات والمفاصل.

قد تحدث آثار جانبية خطيرة لمثبطات نقاط التفتيش، لكنها تحدث بشكل أقل. وتشمل:

  • تفاعلات المناعة الذاتية.
  • تفاعلات التسريب.

من المهم جدًا أن يقوم المريض بالإبلاغ عن أي آثار جانبية للطبيب المتخصص، أو لأي شخص في فريق الرعاية الصحية في أقرب وقت ممكن. في حالة حدوث آثار جانبية خطيرة، غالباً ما يلزم إيقاف العلاج، وقد يتم إعطاء المريض جرعات عالية من أدوية الكورتيزون لتثبيط جهاز المناعة.

 

المصادر:

https://www.cancer.gov/about-cancer/treatment/types/immunotherapy

https://www.cancer.org/treatment/treatments-and-side-effects/treatment-types/immunotherapy/immune-checkpoint-inhibitors.html

آخر تعديل بتاريخ
07 مايو 2023
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.