منذ تحول مرض كورونا الجديد (كوفيد-19) إلى جائحة عالمية، قامت كافة الدول حول العالم باتخاذ العديد من التدابير والإجراءات لمجابهة المرض، حيث تنوعت تلك التدابير والإجراءات بين التدخلات الطبية العلاجية، والتدخلات غير الطبية لكبح جماح تفشي المرض، ومن بين تلك التدخلات غير الطبية، قامت حكومات بعض الدول بإغلاق المدارس والمؤسسات التعليمية ومنع الطلبة من الذهاب إليها.
وعلى الرغم من أن هذا الإجراء قد يبدو بديهياً للغاية، إلا أنه غير مدعم بدليل علمي كاف حول مدى مساهمته في احتواء داء كورونا الجديد وتحوله لوباء لا نعرف عنه الكثير بعد، وهذا الأمر تحديداً دفع مجموعة من الباحثين والأطباء بالولايات المتحدة الأميركية إلى محاولة تقصي وفهم العلاقة بين إغلاق المدارس ومعدلات الإصابة والوفيات بمرض كورونا الجديد.
* هل تسبب إغلاق المدارس في الحد من انتشار مرض كورونا الجديد؟
قامت تلك المجموعة البحثية بإجراء دراسة لتأثير قرار إغلاق المدارس الابتدائية والثانوية بالولايات المتحدة الأميركية في الحد من إصابات ووفيات مرض كورونا الجديد، ونشرت نتائج الدراسة أخيرا في "دورية الجمعية الطبية الأميركية" (Journal of American Medical Association)، وقد خلصت الدراسة إلى أن إغلاق المدارس ارتبط زمنيا بانخفاض معدلات الإصابة والوفيات الخاصة بكوفيد-19 وبشكل ملحوظ.تتبعت الدراسة إصابات ووفيات مرض كورونا الجديد ضمن 50 ولاية أميركية عقب إغلاق المدارس فيها، وذلك على مدار 6 أسابيع، في الفترة بين 9 مارس/آذار، و7 مايو/أيار، ثم قام الباحثون بتحليل تلك البيانات باستخدام طرق إحصائية معينة لدراسة كيف أثر قرار إغلاق المدارس تحديداً - دونا عن بقية التدخلات غير الطبية الأخرى - على انتشار المرض في الولايات المتحدة الأميركية.
أوضحت الدراسة أن معدل الإصابات التراكمية لكل ولاية أميركية على حدة قبيل تطبيق إغلاق المدارس تراوح بين 0 و14.75 إصابة لكل 100.000 نسمة، ووجدت أن إغلاق المدارس الابتدائية والثانوية ارتبط بانخفاض ملحوظ في معدل الإصابة بمرض كورونا الجديد، وكذلك في معدل الوفيات الناجمة عنه، حيث انخفضت معدلات الإصابة بشكل متوسط بمقدار 62% لكل أسبوع، بينما انخفض معدل الوفيات بمقدار 58% لكل أسبوع بشكل متوسط.
لم تكتف نتائج الدراسة بهذا فحسب، إذ بينت أنه في الولايات التي لديها معدل إصابة تراكمية أقل قبل إغلاق المدارس انخفض معدل الإصابة فيها بشكل أكبر، بينما في الولايات ذات معدل الإصابة التراكمية المرتفع قبل إغلاق المدارس انخفض معدل الإصابة فيها بصورة أقل، ففي الولايات الأقل في معدل الإصابة التراكمية انخفض معدل الإصابة فيها بنسبة 72%، وذلك مقارنة بانخفاض معدل الإصابة بنسبة 49% في الولايات الأخرى التي لديها معدل إصابة تراكمية مرتفع.
باستخدام تلك النتائج الأخيرة، توصل الباحثون إلى أن تطبيق قرار إغلاق المدارس أثناء انخفاض معدل الإصابة التراكمية - أي في وقت مبكر - أفضل من تطبيق القرار أثناء ارتفاع معدل الإصابة التراكمية، حيث إن ذلك الأمر ارتبط بتقليل الإصابات بمقدار 129.7 إصابة لكل 100.000 نسمة خلال 26 يوما، وبتقليل الوفيات بمقدار 1.5 وفاة لكل 100.000 نسمة خلال 16 يوماً.
وبهذا أثبتت الدراسة أن إغلاق المدارس ومنع الطلاب من الذهاب إليها يعد من التدابير الناجحة للحد من إصابات ووفيات مرض كورونا الجديد. وبالإضافة إلى ذلك فإن التطبيق المبكر لذلك التدخل غير الطبي أثناء انخفاض معدل الإصابة من شأنه أن يكون أكثر فعالية في تقليل معدل الإصابة بالمرض وكذلك معدل الوفيات. لكن من الجدير بالذكر أيضا أن ذلك الانخفاض قد يعزى إلى تطبيق تدخلات غير طبية أخرى في الوقت ذاته، وفقاً للدراسة.
وأخيراً، فإن نتائج تلك الدراسة تسلط الضوء على مدى تأثير إغلاق المدارس على الحد من انتشار مرض كورونا الجديد، كما تؤكد على ضرورة تضافر جهود كل من التدخلات الطبية وغير الطبية كتدابير وإجراءات فعالة لمجابهة الوباء، الأمر الذي ينبغي أخذه في الحسبان، خاصة مع اقتراب موسم عودة المدارس واستئناف الدراسة ببدء عام دراسي جديد.
المصادر:
Association Between Statewide School Closure and COVID-19 Incidence and Mortality in the US