صحــــتك

محطات تاريخية لداء السكري.. اكتشاف الإنسولين وتطويره

محطات تاريخية لداء السكري.. اكتشاف الأنسولين وتطويره
كان اكتشاف الإنسولين في جامعة تورونتو في عام 1921 – 1922 واحداً من أكثر الحوادث إثارة في تاريخ الطب، وكان أثر الإنسولين عظيماً إلى حدٍّ بالغ، نظراً لتأثيره الذي لا يُصدَّق في مرضى داء السُّكَّري.

لم يتأتَّ الاكتشاف من فراغ، بل كان ثمرة جهود المئات من الباحثين على البنكرياس وداء السكري وعلم الغدد الصماء وعلماء الفيزيولوجيا والكيمياء الحيوية، وكما أسلفت سابقاً، أثار البحث عن الإفراز الداخلي (endocrine) اهتمام عدد كبير من الباحثين في شتى أصقاع الأرض، إلا أن بحوثهم لم تُثمر أية نتائج عملية حتى عام 1920.

في خريف ذلك العام، اتَّفق أنْ قرأ فريدريك بانتنغ، الجراح الشاب في لندن، أُنتاريو، كندا، مقالة في مجلة الجراحة وأمراض النساء والتوليد، عدد نوفمبر 1920، عن البنكرياس.

وعندما أنهى عمله في المساء، حمل بانتنغ المجلة معه إلى السرير ليقرأها كي يحمل نفسه على النوم من طريق المطالعة، وبما أن استقلاب الكاربوهيدرات كان في ذهنه، فقد اهتم بانتنغ بالمقالة الرئيسية من هذا العدد، التي كتبها المشرّح المرضي الأميركي موسيس باورن Moses Barron، والتي تتضمن تحليلاً لـ "العلاقة بين جزر لانغرهانس والسُّكَّري، مع إشارة خاصة إلى حالات الرمال البنكرياسية".

* بانتنغ والتفكير في مسألة الإفراز الداخلي 

في وقت متأخر من تلك الليلة، دوَّن على عجل فكرة تتعلق بإجراء تجريبي مفاده أنَّ ربط قنوات البنكرياس يُمكن أنْ يصبح طريقة لعزل الإفراز الداخلي، وفي دفتر ملحوظاته المحفوظ حالياً في أرشيف أكاديمية الطب في تورنتو، فإن بانتنغ قد دوَّن فعليَّاً الكلمات الآتية:
  • داء السُّكَّري Diabetus.
  • ربط القنوات البنكرياسية لكلب.
  • ترك الكلب حياً حتى تتنكس العنيبة تاركةً الجزر.
  • حاول عزل الإفراز الداخلي منها للتخلص من البيلة السُّكَّرية Glycosurea.
حمل بانتنغ فكرته إلى كُلّـية الطب التي تخرَّج منها، أي جامعة تورونتو، حيث يعمل أستاذ الفيزيولوجيا ج.ج.ر.ماكلود، الخبير المعروف عالمياً في ما يتعلق باستقلاب الكاربوهيدرات.
أصبح ماكلود أستاذاً للفيزيولوجيا منذ قدومه عام 1918، ووافق ماكلود على اقتراح على إعطائه مختبراً وبضعة كلاب لعدَّة أسابيع في فصل الصيف المقبل، كما خصَّص له الطالب، تشارلز بست، كي يُنجز له الفحوص الكيميائية الضرورية للعمل، ثم غادر ماكلود، بعدئذ، إلى اسكتلندا لقضاء عطلته الصيفية.

في صيف 1921، واجه بانتنغ وبست في عملهما كمَّاً هائلاً من المشاكل، واستمرت القصة، لكنهما اكتشفا سريعاً أن طريقتهما قد أثمرت نتائج عملية جديرة بالاعتبار، وباستعمال خلاصة بنكرياس حصلا عليها من ربط قنوات بنكرياس الكلاب، تمكَّن بانتنغ وبست مرَّة تلو أخرى من أن يُخفَّضا سكر الدم ويزيلا أعراض السُّكَّري من الكلاب السُّكَّرية.

عاد ماكلود وقد نفذ إلى قلبه ووجدانه مقدرة هذين الشابين المثيرين الذين استطاعا، بحلول خريف 1921، الإبقاء على الكلبة الشهيرة، مارجوري، المصابة بداء السُّكَّري الشديد حيَّة بواسطة خلاصتهما.

عاشت مارجوري لمدة سبعين يوماً قبل أن يُضحَّى بها، بينما ماتت الكلاب السُّكَّرية الأخرى المستأصلة بنكرياساتها في أقل من أسبوعين.

بحلول شتاء 1921 – 1922، قدَّم بانتنغ وبست مقالتهما الأولى عن الإفراز الداخلي للبنكرياس، وأصبحا جاهزين لاختبار خلاصتهما على البشر.


جهود  بانتنغ وبست أدت لاكتشاف الأنسولين


* أول تجربة بشرية

وفي مُستشفى تورونتو العام، أصبح الشاب ليونارد تومبسون أول مريض سكري يتلقى الأنسولين، وخلاصة البنكرياس أنقذت حياته بأُعجوبة.

وضع البروفسور ماكلود مختبره برمَّته للعمل على مسألة الإنسولين، وعرضت شركة إلي ليلي Eli Lilly المساعدة لإعداد الأنسولين بكميات تجارية.

وفي الوقت نفسه، سجلت جامعة تورونتو براءة اختراع الإنسولين كي تضبط نوعية الإنسولين المبيع للمرضى.

بحلول عام 1923، أصبح الإنسولين يُنتج بكميات غير محدودة، وأصبح جوهر الحياة نفسها للملايين من البشر.

في أواخر عام 1923، مُنحت جائزة نوبل لاكتشاف الإنسولين لماكلود وبانتنغ مُناصفة، وبلا ريب، كان الاكتشاف عظيماً، وأصبحت الحكاية الطبية، الأقرب إلى حكايات الجن، حقيقة واقعة.

حكايةٌ تتحدث عن بانتنغ، ذلك الطبيب الأعزب المُحب للوحدة وشريكه بست، وقد تغلبا على العوائق كافة ليُحققا فكرة ويُنقذا حياة الملايين من البشر.

لقد كانت، بصدق، حكايةً أغرب من الخيال، بل لعلَّها الحقيقة التي جعلت الخيال جديراً بالتصديق.

إن قصة اكتشاف الإنسولين حدثٌ مُعقد وصعب تحليله على عكس ما تُوحي به الروايات التقليدية.

إنها، أيضاً، حدث درامي غني، وقد حاولت عرض كلِّ مظهر من مظاهر هذه الدراما: التوتر، الفواصل التي تخللت فصول تلك المسرحية، الأزمات، نقاط التشويق والإثارة، التعابير التهكمية الساخرة، والسخافات العرضية.


قصة اكتشاف الأنسولين مرت بمحطات متعددة وإخفاقات وتوترات

* جيمس كوليب حائز بكالوريوس الفيزيولوجيا بمرتبة الشرف سنة 1912

وانضم إلى فريق العمل المكون من بست وبانتنغ بناءً على طلب من البرفسور ماكلود، وأسهم في تنقية الخلاصات وتجربتها.

يقول كوليب: « لقد حصلنا من بنكرياس الحيوانات على شيء غامض خفي Mysterious Something، ما إنْ حُقن للكلاب السكرية حتى أزال جميع الأعراض الرئيسية للمرض تماماً.. إذا أثَّرت هذه المادة في البشر، فستكون هِبَةً عظيمةً للطب». ج. ب. كوليب، 8 كانون الأول 1922.

هانز كريستيان هاغيدورن عالم وطبيب دنماركي من مواليد 1888، وقد نجح وشقيقه في إنتاج إنسولين سنة 1924، وقد أطلقا عليه اسم إنسولين نوفو، حيث أسس مع شقيقه مختبرات نوفو في 16 شباط 1926.

شكا الأطباء من قصر مفعول الإنسولين في ذلك الوقت، ما كان يضطر المريض إلى تناول 5 حقن يومياً، وفي سنة 1936، اكتشف هاغيدرون أن من الممكن إطالة أمد الإنسولين بإضافة البروتامين إليه، وقد كان ذلك من أكثر الاكتشافات أهمية منذ اكتشاف الإنسولين، ومع ذلك، كان على المرضى إضافة محلول معدل للمستحضر الجديد قبل استعماله.

طور الباحثان الكنديان سكوت فيشر في سنة 1938 شكلا مديداً من الإنسولين، وهو بروتامين زنك إنسولين، الذي لا يُحتاج لاستعماله إلا إلى رجّ المحلول، كذلك فإن مفعوله يمتد لنحو 36 ساعة، ولكن لا يمكن مزجه مع الإنسولين السريع في المحقن نفسه.

في سنة 1946 تمكنت مختبرات شركة نوردسك من إنتاج إنسولين بروتامين مبللر crestallin ويمكن مزجه مع الإنسولين السريع في المحقن نفسه.

في سنة 1974 سمحت التقنيات الحديثة لشركة نوفو وشركة ليلي بإنتاج إنسولين حيواني عالي النقاوة سُمِّي الإنسولين وحيد الذروة.

في سنة 1980، تمكن الباحثون من اصطناع الإنسولين الإنساني بتقنية الدي إن أي المأشوب recombinant DNA، وقد صنعته شركة ليلي الأميركية ونوفو الدنماركية قي سنة 1982.

منذ سنة 1996، بدأ العلماء بتصنيع مماثلات الأنسولين وذلك بإجراء تحويرات في تركيبة الأنسولين تجعله أسرع تأثير.
آخر تعديل بتاريخ
13 أكتوبر 2021
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.