عوز المغذيات.. تحتوي الأطعمة التي نتناولها في النظام الغذائي اليومي على ما يصل إلى 100,000 مادة، ولكن 300 مادة منها فقط مُصنفة كمغذيات، وتُصنف 45 مادة فقط كمغذيات أساسية تشمل الفيتامينات، والمعادن، وبعض الأحماض الأمينية (مكوِنات البروتين) وبعض الأحماض الدهنية (مكونات الدهون). ولا يمكن تصنيعُ المغذيات الأساسية من قِبَل الجسم، بل ينبغي الحصول عليها جاهزة مع الطعام.
إن أضرار نقص المغذيات على الجسم كثيرة، بحسب الفيتامين أو المعدن الذي يكون ناقصًا أو في حده الأدنى، فكما يدل رجفان الجسم وشحوب الوجه على نقص الحديد في الجسم، ويدل تشوش الرؤية على نقص الفيتامين أ، كذلك فلكل ضَعف في أحد أعضاء الجسم دليل على نقصان أحد الفيتامينات والمعادن التي تغذيه، إذ تخبرنا أجسامنا بنقص الفيتامين أو المعدن على هيئة الشعور بالألم في أحد أعضاء الجسم الذي يغذيه ذلك الفيتامين.
ما هو عوز المغذيات ؟
عوز المغذيات هي حالة تنجم عن سوء التغذية ونقص العديد من المغذيات الدقيقة، والتي تشمل الفيتامينات والمعادن، وهي مكون مهم في الجسم، ويؤدي نقصانها إلى الكثير من الأمراض. يحدث النقص عادة عندما لا يتوافر التنوع في وجبات الطعام المعتادة التي لا تحتوي على كميات كافية من اللحوم ومنتجات الألبان والأسماك والفاكهة والخضراوات التي تعتبر أفضل مصادر المغذيات الدقيقة.
يؤثر نقص المغذيات الدقيقة على أكثر من ملياري شخص من جميع الأعمار في العالم، والأطفال والنساء هم الأكثر تعرضًا لنقص المغذيات الدقيقة. فبالنسبة للأطفال، يرتبط نقص المغذيات الدقيقة بنسبة 10% من جميع وفيات الأطفال، وبالتالي فهو يمثل مصدراً للقلق لأولئك المهتمين برعاية الطفل بشكل خاص.
في جميع أنحاء العالم، يعد حمض الفوليك والفيتامين أ والحديد واليود والزنك من أكثر أوجه القصور شيوعًا. ولحسن الحظ، فهي أقل العناصر الغذائية تكلفةً وأسهل في استنفادها، لذلك يمكن ضمان تناول كمية كافية منها إذا تم بذل جهد متضافر.
1- حمض الفوليك (الفيتامين ب 9)
حمض الفوليك هو فيتامين مهم قابل للذوبان في الماء يعمل في انقسام الخلايا بشكل صحي، وتطور الأعصاب السليم، وهو مطلوب لإنتاج DNA ، RNA، والأحماض الأمينية بشكل كاف. حمض الفوليك هو شكل شائع من الفيتامين ب 9. كلمة حمض الفوليك مشتقة من كلمة "أوراق الشجر"، في إشارة إلى الخضار الورقية الخضراء والأطعمة النباتية، حيث يوجد حمض الفوليك بكثرة.
في الولايات المتحدة، يوجد ما يصل إلى 20٪ من المراهقات اللواتي لا يحصلن على كميات كافية من حمض الفوليك. أشارت دراسة نشرتها المجلة الأوروبية للتغذية السريرية عام 2017 إلى أن ما يصل إلى 85% من النساء في المملكة المتحدة الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و49 عامًا معرَّضات لخطر النقص. الرجال والنساء من آسيا وأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط معرَّضون لخطر أكبر.
قد يقلل تناول الأمهات لحمض الفوليك من خطر الإصابة بالتوحد عند الأطفال، وفقًا لدراسة أجريت عام 2018 في JAMA Psychiatry.
تحتوي فيتامينات ما قبل الولادة على حمض الفوليك، وعند تناولها، يمكن أن تساعد في منع عيوب الأنبوب العصبي والشفاه المشقوقة والحنك عند الأطفال. تُنصح النساء في سن الإنجاب بتناول حمض الفوليك بشكل روتيني. فيما يلي المصادر الغذائية لحمض الفوليك أو ما يسمي بالفوليك أسيد:
- الخضار (السبانخ، اللفت، الملفوف).
- لحم البقر والدجاج.
- البازلاء والفاصوليا والعدس.
- المكسرات (البندق، الجوز، الفول السوداني).
- البذور (بذور الكتان، بذور الشيا، بذور عباد الشمس).
- البيض.
عندما لا يوفر النظام الغذائي ما يكفي من حمض الفوليك، ينبغي النظر في تناول مكملات حمض الفوليك، وهذا مهم بشكل خاص عند النساء في سن الإنجاب. الحد الأدنى للجرعة هو 400 ميكروغرام، ونادرًا ما يوصى بجرعة تزيد عن 1000 ميكروغرام، وهذا مهم للغاية بالنسبة للأمهات الحوامل والمرضعات للمساعدة في ضمان حصول الأطفال على مستويات كافية.
2- الفيتامين أ
يعتبر الفيتامين أ من العناصر الغذائية القوية، ولكنه أكثر الفيتامينات التي تعاني من النقص في جميع أنحاء العالم، وهو أحد مضادات الأكسدة القوية التي تأتي من مصدرين. في بعض النباتات يوجد بيتا كاروتين، وهو مادة تمهيدية لصنع الفيتامين أ، ثم يحولها الجسم إلى الفيتامين أ. وفي اللحوم، يوجد الفيتامين أ بشكل جاهز مكوَّن مسبقًا، وهو جاهز للاستخدام بمجرد استهلاكه.
الفيتامين أ ضروري لتطوير الرؤية الصحية وقوة الجهاز المناعي والتكاثر في المستقبل، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني ما بين 100 و140 مليون طفل من نقص الفيتامين "أ"، ويشمل هذا الرقم أكثر من 2 مليون طفل يتعرضون كل عام لمشكلات بصرية حادة، يصاب ما بين 250000 و500000 منهم بالعمى الدائم. عندما يكون هناك نقص، تصبح القرنية جافة، مما يؤدي إلى تلف القرنية والشبكية.
النساء الحوامل اللاتي يعانين من نقص الفيتامين أ معرَّضات لخطر الإصابة بالعمى الليلي، في حين أن الجنين الذي لا يحتوي على مستويات كافية من الفيتامين أ في الأم يكون معرّضًا لخطر مشكلات النمو. فيما يلي بعض المصادر الغذائية للفيتامين أ:
- اللحوم والكبد وبعض المأكولات البحرية (الماكريل، السلمون، التونة ذات الزعانف الزرقاء).
- يعد زيت كبد سمك القد أيضا مصدرًا رائعًا للفيتامين أ.
- الخضار (البطاطا الحلوة، الجزر، السبانخ، البروكلي).
- الفواكه (الفلفل الأحمر، القرع، الطماطم، المشمش، الشمام، المانجو).
- كما تحتوي العديد من الأطعمة النباتية على بيتا كاروتين (برو الفيتامين أ)، وهو مقدمة للفيتامين أ.
يفضل تناول كمية كافية من الفيتامين أ من النظام الغذائي، ومع ذلك، فإن هذا ليس ممكنًا دائمًا، لذلك وفي بعض الحالات، قد تكون هناك حاجة إلى مكمل منفصل من الفيتامين أ. يمكن أن تحدث سُمية الفيتامين أ عند استهلاك كميات زائدة منه، وهي ما تعادل 25000 وحدة دولية يوميًا أو أكثر.
3- الحديد
الحديد هو المعدن الأكثر وفرة على وجه الأرض. ومع ذلك، فإن الشخص العادي لديه فقط 3-4 غرامات (ملعقة صغيرة) في الجسم، معظمها في خضاب الدم (الهيموغلوبين)، والباقي في العضلات ونخاع العظام والكبد والطحال. وعلى الرغم من هذه الكمية الصغيرة نسبيًا في الجسم، فإن فقر الدم الناجم عن نقص الحديد يقدر على أنه يؤثر على ملياري شخص في جميع أنحاء العالم، معظمهم من النساء والأطفال.
الحديد ضروري لإنتاج الهيموغلوبين، والذي عند انخفاضه يتم تشخيص إصابة الشخص بفقر الدم الناجم عن نقص الحديد. انخفاض الحديد عند الأطفال يمكن أن يؤدي إلى تأخر النمو والقدرة على التركيز، وفيما يتعلق بالبالغين؛ تقلل الأنيميا من قدرتهم على العمل والإنتاجية بنسبة تتراوح بين 10 و15 بالمائة.
- اللحوم والدواجن والسبانخ والبازلاء والفاصوليا الخضراء وجوز الهند والفواكه المجففة.
- يتم امتصاص الحديد الموجود في الأطعمة الحيوانية بشكل أفضل، ويعرف باسم حديد الهيم. يسمى الحديد الناتج من الأطعمة النباتية بالحديد غير الهيم.
4- الزنك
وفقًا لمجلة التغذية، فإن ما يقرب من 45٪ من الأمريكيين لا يتناولون كمية كافية من الزنك في وجباتهم الغذائية. في جميع أنحاء العالم، يعاني أكثر من 15% من الأشخاص من نقص الزنك، ويتأثر الأطفال سلبًا بدرجة أكبر. كما يلعب الزنك دوراً حيوياً في صحة الدماغ، إذ تكون مستوياته أعلى بعشر مرات من مستوياته في الدم. يشارك الزنك في أكثر من 300 تفاعل كيميائي حيوي، وهو عنصر حاسم في أكثر من 2000 بروتين.
تعتبر الأطعمة الآتية (لكل 3 غرامات) من أغنى مصادر الزنك:
- المحار: 74 ملغ.
- لحم البقر المشوي: 7 ملغ.
- حبوب الإفطار: 3.5 ملغ.
- جراد البحر: 3.4 ملغ.
- الفاصوليا المطبوخة: (نصف كوب) 2.9 ملجم.
- الدجاج: 2.4 ملغ.
ومن الناحية المثالية، ينبغي استهلاك الزنك عن طريق تناول المزيد من الأطعمة المذكورة أعلاه، ومع ذلك فإن هذا ليس ممكنًا دائمًا، وفي هذه الحالة ينبغي النظر في المكملات الغذائية. تأتي مكملات الزنك في أشكال عديدة، بما في ذلك بيكولينات الزنك، وجلوكونات الزنك، وثنائي جليسينات الزنك، وسيترات الزنك، وهي الأفضل امتصاصًا. الجرعة المعتادة هي 10 مغم إلى 25 مغم يومياً.
5. اليود
اليود هو من المعادن المهمة لصحة الإنسان، وبالإضافة إلى دوره المهم في وظيفة الغدة الدرقية، فلليود العديد من الأدوار المهمة الأخرى في صحة الإنسان. تؤثر اضطرابات نقص اليود على 740 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ويتعرض نحو 20 مليون طفل في العالم للتخلف العقلي بسبب نقص اليود، يصاب منهم 150000 طفل سنويًا بعاهات عقلية لا شفاء منها بسبب تعرض الأمهات لنقص اليود أثناء الحمل.
زيادة استهلاك البيض ومنتجات الألبان مثل الحليب واللبن والجبن يمكن أن تساعد في ضمان تناول اليود، ومن المفيد أيضًا استخدام الملح المدعم باليود. تعتبر الأسماك مثل سمك القد والتونة أيضًا مصادر رائعة لليود.
عندما لا يكون ذلك ممكنًا، ينبغي تناول الفيتامينات المتعددة مع اليود. يحتاج الرضع حتى سن السادسة إلى ما لا يقل عن 90 ميكروغرامًا يوميًا، بينما يحتاج الأطفال من عمر 6 إلى 12 سنة إلى 120 ميكروغرامًا يوميًا، ويحتاج الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 13 عامًا فما فوق إلى 150 ميكروغرامًا على الأقل من اليود، وتحتاج النساء الحوامل والمرضعات إلى حوالي 300 ميكروغرام يوميًا، أي حوالي ضعف الجرعة الموصى بها للبالغين.
أسباب عوز المغذيات وأعراضه:
قال المركز الاتحادي الألماني للتغذية إن عوز المغذيات يعني عدم إمداد الجسم بكميات كافية من الفيتامينات والمعادن، وتتمثل أعراض نقص المغذيات في الجسم في التعب المستمر، وضعف العضلات، والتقلصات العضلية، والهزال، والإعياء، وضعف التركيز، والصداع، والدوار، وشحوب الوجه، وتقصف الأظافر، وتساقط الشعر، وآلام العظام، ووخز وخدر في الأطراف، وكثرة الإصابة بالعدوى بسبب ضعف جهاز المناعة والعصبية. كما ويرتبط عوز المغذيات بعدد من العوامل منها:
- اضطراب في عمليات الأيض.
- سوء الامتصاص المعوي.
- سوء التغذية وقلَّة كمية الغذاء المُتاح.
- عدم تناول المصادر الغذائية الغنية بالفيتامين والمعادن.
- تداخل الأدوية مع المدخول الغذائي أو مع امتصاص المُغذيات.
- التداخل مع امتصاص بعض المُغذِّيات في الأمعاء.
علاج عوز المغذيات
هناك استراتيجية مهمة لعلاج عوز المغذيات تستند إلى الأغذية المدعّمة بالعناصر الدقيقة، مثل تقوية الملح باليود. ويمكن تقديم مغذيات دقيقة أخرى عن طريق زيادة القيمة الغذائية لأكثر الأغذية استهلاكًا مثل اللبن والدقيق لعلاج عوز المغذيات. بالإضافة إلى ذلك، زادت مظاهر التقدم الأخيرة في مجال تهجين المحاصيل والتكنولوجيا الحيوية من احتمالات التقوية الحيوية، وهي إنتاج محاصيل بمركزات عالية من المغذيات الدقيقة. يمكن الوقاية من معظم حالات عوز المغذيات الدقيقة عن طريق:
- تحسين الوجبات الغذائية، بحيث تحتوي على الخضراوات والفواكه ومنتجات الحبوب الكاملة الغنية بالألياف الغذائية واللحوم القليلة الدهون والأسماك ومنتجات الألبان القليلة الدسم.
- الابتعاد عن الوجبات السريعة والأطعمة الجاهزة.
- مراعاة زيادة احتياج الجسم للمغذيات لدى بعض الأشخاص مثل الحوامل والمرضعات والرياضيين.
ختامًا؛ عوز المغذيات هي حالة تنجم عن سوء التغذية ونقص العديد من المغذيات الدقيقة، والتي تشمل الفيتامينات والمعادن، وتمكّن المغذيات الدقيقة الجسم من إنتاج الإنزيمات والهرمونات والمواد الأخرى الضرورية لنمو الفرد ونمائه بشكل سليم. ويحدث النقص عادة عندما لا يتوافر التنوع في الوجبة المعتادة، ويعد حمض الفوليك والفيتامين أ والحديد واليود والزنك من أهم العناصر بالنسبة للصحة العامة، ومن أكثر أوجه القصور شيوعًا.
