مع تفشي جائحة فيروس كورونا الجديد، انتشر العديد من الأقاويل بأن هذا الفيروس غير طبيعي وتم تصنيعه من قبل البشر. الأمر الذي دفع العديد من مروجي نظرية المؤامرة إلى إعلان أن هذا الفيروس قد تم تصنيعه معملياً كسلاح بيولوجي فتاك، وأنه قد تسرب - بشكل مقصود أو غير مقصود - في إطار صراع عالمي، وفي هذه المقالة نحاول بشكل علمي الإجابة عن التساؤل حول مصدر فيروس كورونا الجديد؛ هل هو طبيعي أم مصنع بشريا؟
* هل فيروس كورونا الجديد مصنع؟ إجابة قصيرة
الإجابة القصيرة أو خلاصة القول إن فيروس كورونا الجديد ذو منشأ طبيعي، ولم يتم تصنيعه على أيدي البشر في المعامل، وقد تم مؤخراً إثبات هذا الأمر عبر دراسات علمية رصينة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه بالفعل تم تحديد مصدر هذا الفيروس، إذ انتقل إلى البشر من حيوان آكل النمل الحرشفي والمعروف باسم "البانغولين".
* هل فيروس كورونا الجديد مصنع؟ إجابة طويلة
أما الإجابة الطويلة لهذا السؤال، فإنها تعني العودة إلى البدايات، وخوض العديد من التفاصيل التي سيتم طرحها بشكل مبسط.
- شائعة وصدفة وورقة بحثية خاطئة
إن التساؤل حول منشأ أو مصدر فيروس كورونا الجديد طرح نفسه بقوة منذ بدايات انتقال المرض بنهاية العام المنصرم. حيث كان الاعتقاد انه انتقل من أحد الحيوانات في سوق للطعام بمدينة ووهان الصينية إلى البشر، لينتشر بعد ذلك بين البشر أنفسهم عبر انتقال الفيروس من شخص لآخر. وحين تم الكشف عن الشفرة الوراثية الكاملة للفيروس في بدايات يناير من العام الحالي، بدأت بعض الشائعات في الظهور حول أن هذا الفيروس مخلق معمليا، وأنه لا يمكن وجوده بشكل طبيعي.* تفنيد الأدلة التي تزعم أن الفيروس مخلق
- ما عزز انتشار هذه الشائعة أن معهد ووهان لعلوم الفيروسات - والذي يجري أبحاثا معملية على الفيروسات ومن ضمنها الفيروسات التاجية التي ينتمي إليها الفيروس الجديد - يقع بالفعل على مقربة من سوق الطعام الذي ظهر به المرض للمرة الأولى. ومن هنا ظهرت فكرة تسرب الفيروس المخلق معملياً إلى خارج معهد الأبحاث بطريقة ما، خاصة مع وجود سوابق لحوادث تسرب فيروسات من معامل الأبحاث من قبل كما حدث مع فيروس سارس (المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة).- وفي الوقت ذاته نشرت ورقة بحثية على أحد مواقع الإنترنت تزعم أن فيروس كورونا الجديد يحتوي على أجزاء مشابهة لفيروس الإيدز (نقص المناعة البشرية) في إشارة إلى أن منشؤه قد يكون غير طبيعي. الأمر الذي جعل العديد يعتقدون بأن الفيروس تم تصنيعه في المعمل بتدخل بشري، إلا أن هذه الورقة البحثية لا يمكن التعويل عليها إطلاقا للعديد من الأسباب.
ما قامت به تلك الدراسة - حسب تشبيه إحدى الباحثات - هو ادعاء أن كتاباً ما تمت سرقته من كتاب آخر بسبب احتواء كليهما على كلمات متشابهة مثل "في" و"من" و"إن"! الأمر الذي يبدو حجة واهية وغير علمية.
بجانب هذا تم نشر ذلك البحث على أحد مواقع الإنترنت التي تتيح نشر نتائج الأبحاث من دون خضوعها للمراجعة من قبل علماء آخرين، كما هو الحال في الدوريات العلمية المحكمة. وبالتالي فإن تلك النتائج لم تخضع للفحص والتدقيق الذي يدعم مصداقيتها. وبالفعل تعرضت الورقة البحثية لنقد شديد من العلماء المتخصصين، مما تسبب في التراجع عن نشر تلك النتائج، وسحب الورقة المنشورة من على الإنترنت.
* خصائص جديدة تنفي التصنيع المعملي
كل تلك الأمور دفعت فريقاً من الباحثين إلى تقصي إمكانية أن يكون الفيروس غير طبيعي. الأمر الذي تم دحضه عبر الفحص المتأني للمادة الوراثية لفيروس كورونا الجديد. حيث إن تصنيع فيروس جديد في المعمل يتطلب جمع عدة مكونات من فيروسات معروفة بالفعل وهندستها سويا، فلا يمكن تخليق فيروس جديد بدون الاعتماد على فيروسات موجودة بالفعل.وبالنسبة لفيروس كورونا الجديد، فإنه يحتوي على أجزاء تختلف عن أي فيروس نعرفه من قبل، ذلك أن سطح الفيروس يحتوي على شوكة بارزة من البروتين تساعده على الالتصاق بالخلايا البشرية والولوج إليها، إلا أن تلك الشوكة تحتوي على جزء إضافي غير موجود بفيروس سارس وبقية الفيروسات المشابهة، أي أنها خاصية غير معروفة بفيروسات العائلة التاجية التي ينتمي إليها فيروس كورونا الجديد. الأمر الذي يقلل من احتمالية تصنيع الفيروس معملياً.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ذلك التركيب الإضافي بالشوكة البروتينية يساعد الفيروس على تكوين درع يحميه من الجهاز المناعي للجسم.. تلك النقطة تحديداً تؤكد عدم إمكانية تصنيع الفيروس في المعمل، حيث إن تصنيع الفيروسات معملياً يتم في مزارع الأنسجة، والتي لا تحتوي على جهاز مناعي، وبالتالي لا يمكن تطوير فيروس في المعمل بتلك الخاصية الجديدة تحديداً.
* تحديد المصدر الطبيعي للفيروس
مع استبعاد فكرة التصنيع البشري للفيروس، ظل مصدره الطبيعي محل تساؤل. وبمزيد من البحث توصل علماء آخرون إلى تشابه فيروس كورونا الجديد مع فيروسات موجودة في الطبيعة بحيوانات الخفاش وآكل النمل الحرشفي "البانغولين". الأمر الأكثر أهمية أن تلك الفيروسات الطبيعية في تلك الحيوانات لم تكن مادتها الوراثية معروفة من قبل. الأمر الذي يدحض فكرة تصنيع فيروس كورونا الجديد في المعمل باستخدام أجزاء من الفيروسات الموجودة بالخفاش أو البانغولين، لأننا لم نكن على دراية بها قبل حدوث الجائحة.وأخيرا مع إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات، تأكد العلماء من أن حيوان البانغولين هو مصدر فيروس كورونا الجديد الذي أصبح قادراً على الانتقال بين البشر وإصابتهم بالمرض. وبناء على كل تلك الأدلة نفى العلماء إمكانية أن يكون الفيروس تم تصنيعه معملياً من قبل البشر، وأكدوا أنه ذو مصدر طبيعي. وبهذا تم تبيان الحقيقة من الوهم في خرافة شائعة أخرى عن مرض كورونا الجديد.
المصادر:
No, the coronavirus wasn’t made in a lab. A genetic analysis shows it’s from nature