ربما كانت أشعة X ( الأشعة السينية ) هي أكثر وسائل التشخيص المستخدَمة في طب القلوب هذه الأيام، فهي تُستخدم في تصوير الصدر، والتصوير الطبقي المحوري CT scan، وقثطرة القلب، وتصوير الشرايين الإكليلية، وفي إجراءات توسيع شرايين القلب بالبالون ووضع الدعامات، وإغلاق الفتحات الولادية في القلب، وإصلاح الصمامات وتبديلها ... ولعلنا نتعجب إذا علمنا أنّ التصوير بالأشعة السينية لم يكن موجوداً قبل حوالي 100 سنة، وأنّ أول صورة شعاعية طبية تم توثيقها في التاريخ كانت في يوم 22 ديسمبر 1895 ، وكانت صورة لعظام يد السيدة آنا رونتجن Anna Roentgen التي صوَّرها زوجها الدكتور ويلهلم كونراد رونتجن Wilhlem Conrad Roentgen (1845-1923) باستخدام جهاز التصوير الشعاعي الذي اخترعه آنذاك.
أنابيب كروكس
كان العالِم الويلزي ويليام مورغان William Morgan (1750-1833) قد اكتشف الأشعة السينية في 1785، وطوَّر العالم الإنكليزي ويليام كروكس William Crookes (1832-1919) هذا الاكتشاف بدراساته عن تأثير مرور تيار كهربائي عالي التوتر عبر أنابيب زجاجية تحتوي غازات تحت ضغط منخفض. ولكنّ طبيعة الإشعاعات الصادرة كانت مجهولة، كما أنّ استخدامها في الطب لم يُعرف حتى نَشر رونتجن صورة عظام يد زوجته باستخدام أنبوب مِنْ أنابيب كروكس.
صدفة مفيدة
انتهى رونتجن مِنْ تجاربه الكهربائية على أنبوب كروكس متأخراً ذات مساء بعد يوم طويل، وأطفأ المصابيح التي كان يستخدمها مستعداً للخروج، وعندما اقترب ِمنْ باب المختبر لاحظ وجود ضوء خافت أخضر اللون على الجدار. لم ينتبه في البداية إلى أنّ هذا الضوء الخافت إنما كان يصدر عن الأنبوب الزجاجي بسبب وجود كثير من الكتب والكراسي بين الأنبوب والجدار. عاد مِنْ فوره ليبحث عن مصدر هذا الضوء الغريب.
أخذ يفصل كل المصادر الكهربائية التي كان يستخدمها في تجاربه واحداً بعد الآخر، ولاحظ أنّ هذا الضوء الخافت قد اختفى فور انقطاع الكهرباء عن انبوب كروكس. وعندما أعاد تمرير التيار الكهربائي في الأنبوب الزجاجي، عاد الضوء الغامض للظهور ثانية على الجدار في عتمة المختبر. استغرب ظهور الضوء على الجدار على الرغم من وجود كثير من العوائق في طريقه! فأخذ يضع قطعاً مِنَ الخشب والكتب السميكة بين الأنبوب والجدار، ولكن هذه العوائق لم تمنع مرور هذا الضوء الغريب! وفي أثناء محاولاته هذه لاحظ أيضاً ظهور ظل يده على الجدار! لقد استطاعتْ عظام يده أنْ تعيق مرور هذا الضوء الغامض نحو الجدار!
ظل يفكر أياماً عديدة في هذا الضوء الغريب دون أنْ يصل إلى فهمه وتقدير آثاره. حاول أنْ يستخدم بعض ألواح التصوير الفوتوغرافي لكي يلتقط هذا الضوء عليها ويسجل وجوده، ولكن ما حصل عليه لم يكن سوى ظلال باهتة تدل على تعرّض لوح التصوير إلى الضوء على الرغم من وضعه في ظلام دامس.
وذات صباح، عاد إلى مختبره ليفحص ألواح التصوير، ولشدة دهشته وجد على أحد ألواح التصوير صورة لعظام يد وعليها خاتم زواج! إنها يد زوجته التي تم تصويرها بينما كانت تنظّف مختبره في الليلة الفائتة. طلب من زوجته أنْ تثَبت يدها بين لوح التصوير والأنبوب الزجاجي، ثم مرر التيار الكهربائي في الأنبوب، وكان فرحه عظيماً عندما شاهد صورة واضحة لعظام يد زوجته مرتسمة على لوح التصوير! نشر رونتجن هذه الصورة في 28 ديسمبر من عام 1895 في مقالة علمية تحت عنوان: " رسالة مبدئية عن نوع جديد من الأشعة " أطلق فيها الرمز X على هذه الأشعة المجهولة، وقد فاز رونتجن بجائزة نوبل في الفيزياء سنة 1901 تقديراً لأبحاثه في الأشعة السينية.
العالِم الألماني ويلهلم كونراد رونتجن Wilhlem Conrad Roentgen (1845-1923) الذي اخترع التصوير بالأشعة السينية عام 1895
أول صورة شعاعية طبية وهي صورة عظام يد السيدة آنا رونتجن التي تم تصويرها عام 1895 بالجهاز الذي اخترعه العالِم الألماني ويلهلم كونراد رونتجن Wilhlem Conrad Roentgen (1845-1923)
تقدمٌ سريع، ومزيدٌ من جوائز نوبل
بعد اختراع الكومبيوتر تمّ تطوير استخدام الأشعة السينية في شركة EMI (Electric and Musical Industries ) الإنكليزية التي جمعتْ معظم ثروتها مِنْ انتاج أغاني فرقة البيتلز الغنائية! كانت تلك الشركة تساهم في أبحاث تتعلق باستخدامات الرادار وتوجيه الصواريخ والتليفزيون والكمبيوتر، وقامتْ بتطوير جهاز تصوير شعاعي هام أطلق عليه آنذاك اسم EMI ثم تمّ تغيير الاسم إلى التصوير الطبقي المحوري بالكومبيوتر CAT (Computerized Axial Tomography ) واختُصر الاسم لاحقاً إلى التصوير الطبقي بالكومبيوتر CT scan الذي يُستخدم هذه الأيام على نطاق واسع في كافة الاختصاصات الطبية والأبحاث الفيزيائية والحيوية. اختُرع التصوير بهذه الطريقة الفذة في عام 1972 على يد العالِم الإنكليزي غودفري هاونسفيلد Godfrey Houndsfield (1919-2004) والعالِم الأمريكي آلان ماكلويد كورماك Allen McLeod Cormack (1924-1998) وقد مُنح هذان العالِمان جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا سنة 1979 تقديراً لأبحاثهم الهامة في اختراع التصوير الشعاعي الطبقي بالكومبيوتر.
تستخدم الأشعة السينية هذه الأيام أيضاً لتصوير القلب والشرايين في جميع مختبرات قسطرة القلب، وفي إجراءات توسيع شرايين القلب بالبالون ووضع الدعامات لفتح الشرايين المسدودة وتوسيع المتضيقة منها لعلاج مرض تصلب شرايين القلب ونقص ترويته الذي يسبب الذبحة الصدرية والأزمات القلبية.
المصدر:
كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجاله" للدكتور عامر شيخوني
