العلاج الشعاعي، أو الإشعاعي، هو أحد العلاجات المستخدمة للسيطرة على أنواع كثيرة من الأورام الخبيثة، أو السرطانات، فما هو هذا العلاج؟ وكيف يعمل؟ وما أنواعه المختلفة وميزاتها ومخاطرها؟
العلاج الإشعاعي.. وبداية اكتشاف الإشعاع وتأثيراته على جسم الإنسان
أوضحُ أنواع الأشعة التي نراها كل نهار هو ضوء الشمس الطبيعي. وقد اكتشف العلماء أن طبيعة الضوء هي نوع خاص من الأمواج الكهرومغناطيسية (الكهرطيسية) التي تستطيع عين الإنسان إبصارها، لأن الضوء يؤثّر على خلايا معيّنة في شبكية العين، فتَتولّد عنها إشارات عصبية، تَنتقل عن طريق العصب البصري إلى الدماغ حيث يتم فَهمها وإدراكها.
اكتشف العلماء وجود أنواع عديدة مختلفة من الأمواج الكهرطيسية، مثل أمواج الراديو والتلفزيون وأمواج الاتصالات اللاسلكية التي تُستخدم في كثير من الأجهزة، مثل الهاتف المَحمول ... وكانت الأشعة السينية (أو الأشعة المجهولة) من أوائل أنواع الأشعة التي اكتشف العلماء فائدتها في التصوير الشعاعي، وذلك في أبحاث العالِم رونتجن في أواخر القرن التاسع عشر. ثم تتالت اكتشافات العلماء لأنواع أخرى من الإشعاعات، مثل أشعة ألفا، وأشعة بيتا، وأشعة غاما أثناء دراساتهم للعناصر المشعّة الموجودة في الطبيعة، مثل الراديوم واليورانيوم.
ارتبطَت تجارب العلماء على الأشعة السينية وإشعاعات هذه العناصر المشعّة بإصابات مُحزنة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فقد سبب التعرض غير الحذِر لهذه الإشعاعات حروقًا شديدة وأورامًا خبيثة، أدّت أحيانًا إلى بَتر أطرافهم، بل ووَفاتهم بسبب إصابتهم بالسرطانات، خاصة سرطانات الدم.
ما هو تأثير الإشعاعات القوية على الإنسان؟
لمعرفة تأثير العلاج الإشعاعي؛ علينا العودة للوراء قليلًا، فقد لاحَظ العلماء منذ أواخر القرن التاسع عشر أن التعرّض للإشعاعات القوية ذات الطاقة العالية، مثل الأشعة السينية، يؤدي لحدوث حروق في الجلد، قد تكون شديدة، وكذلك إلى احتمال حدوث بعض الأورام الخبيثة، خاصة سرطانات الجلد وسرطانات الدم. وقد اضطر بعضهم إلى بَتر أطرافهم، وتوفي آخرون بسبب إصابتهم بالسرطان عندما لم ينتبهوا جيدًا لحماية أنفسهم أثناء القيام بهذه الأبحاث.
بعدما اكتُشفت الحموض النووية، مثل DNA، وRNA، عَرف الباحثون أن الإشعاعات ذات الطاقة العالية، مثل الأشعة السينية والإشعاعات الصادرة عن الراديوم واليورانيوم، تؤدي إلى تخريب الحموض النووية (المادة الوراثية في الخلايا الحية)، مما يؤدي إلى اضطراب وظائفها الحيوية، وبالتالي إلى موتها.
أوحَت هذه الدراسات إلى احتمال الاستفادة من تَعريض الأورام الخبيثة إلى إشعاعات قوية لقتل الخلايا السرطانية دون الإضرار بخلايا الجسم الطبيعية. اختُرعت أجهزة كثيرة من أجل التطبيق المفيد للعلاج الشعاعي، أي العلاج بالأشعة، أو العلاج الإشعاعي، بأساليب معيّنة تقضي على الخلايا السرطانية دون أن تسبب أضرارًا للخلايا الطبيعية السليمة.
ما هي أنواع الأشعة المستخدَمة في العلاج الإشعاعي؟
استُخدمت أنواع عديدة من الإشعاعات ذات الطاقة العالية، خاصة الأشعة السينية، في علاج أنواع السرطانات المختلفة، وكان أول استخدام للعلاج الإشعاعي لعلاج السرطان في أمريكا سنة 1896، حيث استُخدمت الأشعة السينية في علاج ورم خبيث في الثدي.
تم اختراع أجهزة عديدة تستطيع الاستفادة من قدرة هذه الإشعاعات على تدمير الخلايا، دون أن تسبب أضرارًا مهمة لخلايا الجسم الطبيعية. فما هي أنواع الأشعة المستخدَمة؟ وأنواع الأجهزة التي يتم تطبيقها؟ وما ميزات كل منها وسلبياته؟
أنواع العلاج الإشعاعي:
هناك أنواع رئيسية من العلاج الإشعاعي لها استخدامات طبية مثل:
- أشعة ألفا للعلاج الإشعاعي: وهي تتألف من جُسيمات ذرّية تحمِل شحنة كهربائية موجبة، وتحتوي على بروتونَين ونيوترونَين.
- أشعة بيتا للعلاج الإشعاعي: وهي عبارة عن إلكترونات ذات شحنة كهربائية سالبة، وطاقة عالية.
- أشعة غاما: هي موجات كهرطيسية ذات طاقة عالية جدًّا.
- الأشعة السينية للعلاج الإشعاعي: هي نوع من الأمواج الكهرطيسية ذات الطاقة العالية. كانت الأشعة السينية من أوائل أنواع العلاج الشعاعي استخدامًا في علاج السرطان، وقد بدأ استخدامها منذ سنة 1896، وانتشر منذ عشرينات القرن العشرين، وقد قلَّ استخدامها الآن بسبب توفّر أنواع أخرى أكثر قوة في التأثير، وأعلى دقّة في التوجيه نحو الورم.
- أشعة عنصر الكوبالت المُشعّ للعلاج الإشعاعي: بعد الحرب العالمية الثانية، تم اختراع المُسرِّعات الخَطِّية القادرة على توليد النظائر المشعة، وكان عنصر الكوبالت المشعّ من أكثر هذه النظائر المشعة استخدامًا في علاج أمراض السرطان. يُصدِر هذا العنصر المشعّ موجات أشعة غاما.
- أشعة عنصر الراديوم للعلاج الإشعاعي: الراديوم هو عنصر مشعّ قوي يُصدر مزيجًا من أشعة ألفا وأشعة غاما. استُخدم الراديوم في الماضي في علاج بعض الأورام الخبيثة، ولكن قلّ استخدامه الآن بسبب نُدرته، وارتفاع تكاليفه، وشدة إشعاعاته، وبسبب صُنع نظائر مشعة حديثة أقل تكلفة وأكثر أمانًا. وتُستخدم بعض النظائر المشعّة حاليًّا في العلاج المركَّز على منطقة الورم عن طريق تحميل العنصر المشع على كُرات زجاجية صغيرة جدًا microspheres يتم نقلها إلى مَوضع الورم عن طريق القسطرة، والحَقن مع الدم الذي يغذّي منطقة الورم، أو عن طريقة تحميلها على إبَر خاصة يتم زرعها في الورم عن طريق منظار مناسب. تُعتبر هذه الطريقة في العلاج الشعاعي من الوسائل المناسبة لعلاج الانتقالات الخبيثة إلى العظام.
- جهاز الغامانايف للعلاج الإشعاعي Gamma Knife: يركِّز هذا الجهاز أشعة غاما الكهرطيسية على منطقة العلاج بتقنية ثلاثية الأبعاد، بحيث تمرَّر الإشعاعات في مسارات عديدة عبر الجلد وطبقات الجسم قبل أن تصل بشكل حِزَم متعددة من إشعاعات ألفا يتم تجميعها وتركيزها تحديدًا بطاقة عالية في المنطقة التي يُراد علاجها. يتميز العلاج بهذا النوع من الأجهزة بسرعته، ودقّة توجيهه، ولكن على الرغم من قدرته الجيدة على تركيز طاقة الإشعاع بحيث لا تؤذي خلايا الجسم السليمة، يَحدث بعض التشتت في الإشعاعات، خاصة مع حركات التنفس وتحرك المريض أثناء العلاج. يُستخدم هذا النوع من الأجهزة بشكل خاص في علاج أورام وبعض أمراض الدماغ التي يصعب علاجها جراحيًّا، بسبب احتمال تضرر أجزاء سليمة مجاورة في مناطق الدماغ الحساسة، مثل قاعدة الدماغ.
- جهاز السيبرنايف Cyberknife للعلاج الإشعاعي: يركِّز هذا الجهاز أشعة غاما الكهرطيسية ذات الطاقة العالية التي يمكن توجيهها بحيث تظلّ مركَّزة على منطقة العلاج على الرغم من حركات التنفس وتحرّك جسم المريض. يتم توجيه الإشعاعات بدقّة لا تتجاوز 1 ميليمتر، يتم التحكم بتوجيه هذه الإشعاعات عن طريق برنامج حاسوب خاص. يحتاج العلاج بهذا النوع من الأجهزة إلى جلسات متعددة؛ لأنه يَستخدم طاقة أقلّ من أجل تقليل الضرر الذي يمكن أن يَحدث لخلايا الجسم الطبيعية في المناطق المجاورة. يُستخدم هذا النوع من الأجهزة بشكل خاص في علاج أورام وبعض أمراض الدماغ التي يصعب علاجها جراحيًّا بسبب احتمال تضرر أجزاء سليمة مجاورة في مناطق الدماغ الحساسة، مثل قاعدة الدماغ.
- العلاج الإشعاعي بأشعة البروتونات: هو نوع من العلاج الإشعاعي باستخدام جسيمات ذَرِّية ذات طاقة عالية مثل البروتونات، أو أشعة ألفا، أو أشعة الكربون ... تتميز هذه الأجهزة بإمكانية توجيهها بدقة فائقة، وقلة أضرارها الجانبية، وعدم انتثارها إلى الخلايا السليمة المجاورة القريبة من الورم، خاصة في علاج أورام الدماغ. هذه الأجهزة ما زالت عالية التكاليف جدًّا، وتُستخدم في علاج أورام الدماغ، وبعض الأمراض التي يَصْعب علاجها بوسائل أخرى.
- العلاج الإشعاعي المتعمّم في الجسم باستخدام نظائر مشعّة مناسبة، مثل تناول اليود المشعّ عن طريق الفم لعلاج بعض أمراض وأورام الغدة الدرقية، لأن خلايا هذه الغدة تركِّز اليود فيها بشكل كبير جدًّا، أعلى بكثير مما تفعله خلايا الجسم الأخرى.